طالبان و امريكا و نظرية المؤامرة 

ثمة ما هو مهم في اي عملية تقييم لتجربة ان نتخلص من ذاتنا الايديولوجية وعصبويتنا ان وجدت و انتماءاتنا الحزبية لكي نصل الى استشعارات حقيقية مستفادة من هذه التجربة او تلك ولكن يبدو ان كثير من النخب قد انحازت لايديولوجيتها الذاتية في تقييم الحدث

طالبان و امريكا و نظرية المؤامرة 

ثمة ما هو مهم في اي عملية تقييم لتجربة ان نتخلص من ذاتنا الايديولوجية وعصبويتنا ان وجدت و انتماءاتنا الحزبية لكي نصل الى استشعارات حقيقية مستفادة من هذه التجربة او تلك ولكن يبدو ان كثير من النخب قد انحازت لايديولوجيتها الذاتية في تقييم الحدث الذي اعتبره البعض مفاجئ و البعض الاخر غير مفاجئ استنادا الى موقفين منفصلين عن بعضهما الاخر ناتج عن المقاومة و هي حتمية النصر على العدو اما الاخر فقد اعتمد على نظرية المؤامرة والقدرات الامريكية التي لن تعجز في حل اشكاليات احتلالها لافغانستان و اتى الانسحاب لدور اكبر و اعظم لهذه القطعة من الارض في الكرة الارضية التي ستقوم بدور اكبر رعاية للامبريالية الامريكية التي عجزت في كل برامجها عن التصدي لثلاث دول على الاقل تقع حدودها مع افغانستان و هي الصين وروسيا و ايران . 

قد اجد ميولا لاعتماد النتيجة القائلة بأن الانسحاب الامريكي من افغانستان اتى نتيجة نضال و مقاومة استمرت اكثر من 20 عاما وبالطبع لن يجبر امريكا سواءا باعتمادنا على نظرية المؤامرة او التفاوض المهزوم الا الخسائر البشرية والمادية التي تقدر ب 2 تريليون دولار خسرتها نتيجة هذا الاحتلال و التي حاولت بكل جهودها ان تنصب نظام موالي لها يقوم بنفس المهام التي يتهم البعض فيها الان حركة طالبان ، امريكا عملت على تشكيل جيش قوامه 300 الف جندي و استخدمت اكذوبة الديمقراطية لتطوير نظام كارازاي الموالي لها و كان ممكن لامريكا ان تعتمد على هذا النظام في تأدية مهام اوكلتها امريكا له بدون ان تخرج في تصور و فضيحة للمرة الثانية بعد حرب فيتنام ، فكان لها ان تبقى محافظة على تقاليدها كدولة عظمى ولكن ما اجبر امريكا على الخروج هو الذي اجبرها على الخروج من فيتنام . 

بالتأكيد ان الكفاح المسلح بكافة نظرياته الايديلوجية منها ما نتفق معها و منها ملا نتفق ولكن في النتاج النهائي ان مقاومة الشعوب لابد ان تنتصر هكذا علمنا التاريخ و التجارب العالمية و الكفاح المسلح او المقاومة او كما يسميها البعض بناءا على انتمائه الحزبي و العقائدي هو وسيلة لدحر الاحتلال ولابد ان تتوج بمفاوضات مع المحتل ولكن اي مفاوضات ليست مفاوضات الضعيف مع القوي ، او المقاومة السلمية امام احتلال عسكري يقتل ويبطش ويتوسع ويغير الطبيعة الديموغرافية للارض ... فهذا يسمى هراء و خديعة للشعوب وكذب على الواقع وتدليس في مفاهيم الصراع ، المفاوضات او التفاوض يأتي بناءا على الاقل على توازن الرعب او التفوق الميداني و ان كانت القوى غير متكافئة و يأتي ايضا لاختلال الحالة الاقتصادية للدولة المحتلة والتكاليف الباهظة التي يدفعها المحتل نتيجة احتلاله فلم يكن نظام كرازاي و تطوراته وبرغم تكوين الجيش و المؤسسات الامنية قادرة ان تقوم بحماية مصالح الاحتلال كما هي تحميه السلطة الفلسطينية ، التفاوض هي الدروس الاولى المتبعة في حرب الشعب او الحرب الشعبية عندما تكون هذه الثورة قادرة على تحرير اجزاء من الوطن المحتل ، فحركة طالبان قد حررت اكثر من 22 مقاطعة بقوة السلاح و كان التفاوض مع الامريكان في قطر تحت قوة المدفع والار بي جي ولم تكن نزهة في فنادق الخمس نجوم و المنتجعات كما يحدث لمفاوضينا الاشاوس في الساحة الفلسطينية . 

التفاوض نتاج طبيعي عندما يحين الوقت لكي تفرض المقاومة خطوطها التفاوضية على العدو كما حدث في الحزائر وباريس بخصوص الثورة الجزائرية والفيتنامية ولا نقول حينذاك كما قالت بعض النخب ان التفاوض اتى لرسم برنامج جديد مع المحتل لضعضعة امن دول اخرى هذا مبرر يقع تحت مفهوم "قصر ذيل فيك يا ازعر" لا يهمني هنا ما تنتهجه طالبان من ايديلوجية صوفية او سنية او شيعية او غيره ولكن ارى ان امريكا بكل المقاييس خرجت مهزومة مذلولة كما خرجت من فيتنام فكيف نضع التاريخ في نصابه بالنسبة للفيتناميين و الجزائريون ولا نضعه في نصابة الحقيقي بالنسبة لحركة نتعارض معها فقط ايديلوجيا علما بأن حركة طالبان اتت من تعريف "طلاب الشريعة" و طالبان هي جمع طالب في اللغة الافغانية .

من المرجح بعد عودة طالبان للعاصمة كابول بأن تلك التصريحات تعطي نمطا جديدا في الحكم لطالبان من ديموقراطية و تعددية وشراكة مع كل الاقليات .

اما ذوي التحليل بأن الانسحاب الامريكي اتى نتيجة دول قادم لطالبان يلبي الخطط الامريكية في ضرب الحزام الاقتصادي للصين و فتح صراع مع ايران فإن حركة طالبان اوعى من ذلك بكثير وكذلك ايران و قد اعربت الصين عن نيتها لتمثيل دبلوماسي مع حكم طالبان و كذلك الروس . 

اعتقد ايضا ان حركة طالبان لديها من التناقضات و الخلافات التي تصل الى حد العداء مع من يتهمها البعض فيه بمجرد وصولها بكابول انها ستصدر الارهاب لدول الشرق الاوسط و هي على خلاف كامل مع عصابات داعش ولدى حركة طالبان ماهو اكبر او اكثر اهتماما من مشاكل تبعد عنها الالاف الكيلومترات وهو الوضع الداخلي في افغانستان و كيفية استغلال الثروات الهائلة على اراضيها معدنية وغير معدنية وغاز وبترول ، بالتأكيد ان افغانستان تحتل موقع مرموق في اسيا و هذا سيعطيها مركز ثقل ولكن امام حركة طالبان عقدين او اكثر من اعطاء الاهتمام لاوضاعها الداخلية ولافغانستان اكثر من اهتمامها للتصدير الايديلوجي كما يتهمها البعض .

عالم اليوم يعتمد على المصالح بين الدول و نظرية المؤامرة لا تأتي الا من قبل الدول الامبرليالية الرأسمالية للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في اسيا و افريقيا و المحافظة على المعادلة الجائرة بين المنتج و المستهلك ولذلك و ان قبلنا بتفسير البعض او جزءا منه فلأمريكان ان تخطط كما تريد وليس كل ما تخطط له يصبح امرا نافذا على ارض الواقع فهناك معادلات تغيرها حركات التحرر والمقاومة التي قد تعطي بالحد الادنى نوع من الاتفاقيات مع الدول التي كانت تحتل اراضي الغير مثل العلاقة بين فيتنام وامريكا الان و العلاقة بين فرنسا وبريطانيا والعداء القديم و التعاون الجديد او العلاقة بين الحزائر و فرنسا الان ودول كثيرة في الشرق الاوسط ليس هناك معنى في عالم اليوم بعد تحقيق النصر على المحتل على نضع بلوك اسود على الدولة التي احتلت دول اخرى والا لن نجد في العصر القديم والجديد و الحديث اي تعاون دولي شامل وستكتفي كل دولة باغلاق حدودها على نفسها وهذا لا يسمح فيه الان في عالم اليوم الذي يسوده التكامل الاقتصادي والانتاجي والمعرفي فلنكن موضوعيين ولا تجتاحنا لغة التعصب الايديلوجي والمذهبي ولنا ان نستفيد من كل تجارب العالم واهمها الثورات الفرنسية و الفيتنامية و الجزائرية والصينية والبلشيفية حتى تجربة افغانستان رغم الاختلافات الكبيرة ايديلوجيا فالشعب الفلسطيني بحاجة بدلا من الهجاء لهذا النهج او هذه الايديلوجية او تلك ان نستفيد و خاصة ان الشعب الفلسطيني مازال يعاني من الاحتلال و قيادة تلهث نحو مصاحلها وبقاءها في علاقة وطيدة مع الاحتلال وتحولت من قيادة تنتهج نهج الكفاح المسلح والثورة الشعبية الى سلطة اجهزة امنية يقوم برعايتها امريكا و الاحتلال ودول اخرى و حقوق غائبة انسانية ووطنية فالنتعظ جميعا و نفكر بموضوعية اكثر . 

بقلم سميح خلف