قمع شامل في الإمارات لكل من ينتقد "إسرائيل" ويتضامن مع غزة

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن السلطات الحكومية في دولة الإمارات تفرض واقعًا من القمع الشامل وتكميم الأفواه

قمع شامل في الإمارات لكل من ينتقد "إسرائيل" ويتضامن مع غزة

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن السلطات الحكومية في دولة الإمارات تفرض واقعًا من القمع الشامل وتكميم الأفواه لكل ما يخالف توجهاتها وسياساتها، بما في ذلك الملفات الخارجية والداخلية، في ظل غياب سبل العدالة واحترام الحقوق.

ووثق الأورومتوسطي حملات اعتقال واستدعاءات وترحيل مارستها السلطات الإماراتية وما تزال على خلفية ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير، بما يشكل تكريسًا لتقييد الحريات الذي تشهده الدولة منذ سنوات ويتخذ منحنى مثيرًا للقلق في الأشهر الأخيرة.

وأشار المرصد الحقوقي، إلى أنه منذ عام 2020 حين أقامت علاقات رسمية مع "إسرائيل"، اعتمدت الإمارات نهجًا يقوم على حظر أي مواقف لأفراد أو جمعيات تناهض تطبيعها العلاقات أو توجه انتقادات لـ"إسرائيل"، لا سيما منذ بدء ارتكابها لجريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

وبهذا الصدد، وثق الأورومتوسطي اعتقال واستدعاء السلطات الإماراتية العشرات من المواطنين والمقيمين الأجانب على أراضيها، بسبب تعبيرهم عن مواقف رافضة للجرائم الإسرائيلية أو توجيه انتقادات للتطبيع مع تل أبيب على وسائل التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة.

وذكر أن اتهامات بالتحريض أو محاولة زعزعة الاستقرار الداخلي تم توجيهها لمن طالتهم الاعتقالات والاستدعاءات، بما في ذلك المعاقبة على منشورات تدعو إلى مقاطعة بضائع "إسرائيل" وحلفائها، وأخرى تدعو إلى زيادة التضامن والدعم للفلسطينيين.

وقال (خ.ز) وهو مواطن أردني من أصل فلسطيني كان يعمل في شركة مقاولات في دبي منذ خمسة أعوام، إن السلطات الإماراتية استدعته للاستجواب في العاشر من نيسان/أبريل في أحد مراكز جهاز أمن الدولة على خلفية منشورات على موقع (فيسبوك) يندد فيها بالهجوم العسكري الإسرائيلي وجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف أن قرارًا باحتجازه صدر عقب استجوابه الذي تمحور حول التعبير عن آرائه، وتم الإفراج عنه بعد ثلاثة أيام على إثر تسليمه قرارًابترحيله وإجباره على مغادرة الإمارات بشكل فوري، مشيرًا إلى أنه لم يتمكن أثناء ذلك من توكيل محامي أو تقديم أي اعتراض.

وأفاد مواطن مصري طلب الاحتفاظ باسمه كاملًا، بأن السلطات الأمنية الإماراتية استجوبته في 25 آذار/مارس الماضي على خلفية منشورات له تندد بالمواقف العربية والإسلامية من المجاعة الحاصلة في غزة خلال شهر رمضان في ذلك الوقت، وتدعو إلى إنهاء كل أشكال التطبيع مع إسرائيل.

وأوضح أن استجوابه انتهى بعد ساعات من التحقيق معه داخل مركز أمني بإبلاغه بفصله من عمله في إحدى الشركات المحلية، وصدور قرار بترحيله إلى بلاده مع منحه 48 ساعات لمغادرة الدولة، دون تمكينهمن الطعن في هذا القرار أو اتخاذ أي إجراء قانوني مضاد لذلك. 

وأشار إلى أن السلطات الإماراتية سبق لها أن احتجزت أجانب على نحو غير قانوني وأخضعتهم للتحقيقواحتجزتهم في ظروف غير إنسانية، وعرضتهم للتعذيب النفسي والجسدي في بعض الأحيان، قبل أن ترحلهم من البلاد تحت ذرائع تعسفية.

في هذه الأثناء، تلقى المرصد الأورومتوسطي إفادات بشن الأجهزة الأمنية حملة ترهيب داخل الجامعات في الإمارات تضمنت إصدار تعليمات بمنع أي أشكال من الاحتجاج ضد "إسرائيل" وتهديد بالفصل لأكاديميين ونشطاء من الطلبة حال مخالفتهم لذلك.

كما تلقى المرصد إفادات باستدعاء السلطات الإماراتية عددا من الأكاديميين في الجامعات وممثلي جاليات عربية وإسلامية ونشطاء الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقرات جهاز أمن الدولة لتحذيرهم من تنظيم أي فعاليات لها علاقة بالتضامن مع غزة أو التعبير علنا عن آرائهم ضد "إسرائيل".

وسبق أن أفاد الأورومتوسطي باعتقال السلطات الأمنية في الإمارات الناشط منصور الأحمدي، الذي يرأس لجنة شباب القدس في الدولة بعد استدعائه من جهاز أمن الدولة في العاصمة أبو ظبي يوم 19 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وما أعقبه من ارتكاب جريمة الاختفاء القسري ضده، حيث ما يزال مصيره مجهولًا منذ ذلك الوقت. وحرمانه بذلك من أي حماية تكفلها له التشريعات المرعية.

ولم تصدر السلطات الأمنية الإماراتية أي تعليق بشأن مصير الأحمدي وملابسات احتجازه أو التهم الموجهة إليه، فيما تواترت تقارير عن رفض السلطات حتى اللحظة له بالتواصل مع محام.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنه سبق أن تعرض الأحمدي للاعتقال في تشرين الأول/أكتوبر عام 2012 والحكم عليه بالسجن لمدة سبعة أعوام، لكنه ظل معتقل حتى نيسان/أبريل عام 2021 ليتم إخلاء سبيله.

ونبه الأورومتوسطي إلى أن السلطات الإماراتية -لا سيما جهاز أمن الدولة- تمارس انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري، وتقيد حرية الرأيوالتعبير والتجمع السلمي، وتحتجز منتقدي الحكومة أو من يتطرقون لقضايا لا تؤيدها السلطات، في ظروف قاسية.

ومنذ أشهر تجري السلطات الإماراتية محاكمة جماعية ضد العشرات من نشطاء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين في إطار القضية المعروفة باسم "الإمارات 84" والمرتبطة بإطلاق عريضة تطالب بالإصلاحات الدستورية وتداول السلطة في الإمارات قبل أكثر من عقد. 

وخلال استضافتها "مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ" (كوب 28)، في كانون الأول/ ديسمبر 2023، قدمت السلطات الإماراتية نحو 84 شخصا على الأقل إلى المحاكمة مجددا رغم أن غالبيتهم محتجزون تعسفا بعد إكمال محكوميتهم.

وفي بيان أصدرته بهذا الخصوص يوم 6 كانون الثاني/يناير، اتهمت السلطات الإماراتية 84 شخصا بـ "إنشاء وإدارة منظمة إرهابية سرية في الإمارات، اسمها "لجنة الكرامة والعدالة"، علما أن قانونمكافحة الإرهاب الإماراتي لعام 2014، يفرض عقوبات تصل إلى السجن المؤبد، وحتى الإعدام لأي شخص يؤسس أو ينظم أو يدير منظمات مماثلة.

وأكد مركز "مناصرة معتقلي الإمارات"، أن المحاكمة المذكورة تجري بطريقة غير شفافة خلف الأبواب المغلقة، وبشكل شبه سري ينتهك الحق في المحاكمة العادلة، ومبدأ علانية المحاكمات في ظل منع السلطات الإماراتية وسائل الإعلام الدولية والمحلية من تغطية جلسات المحاكمة، فضلا عن احتجاز المتهمين في سجون سرية انفرادية منذ أكثر من 10 أشهر وعزلهم عن العالم الخارجي، وإجبارهم على توقيع وثائق اعتراف بارتكاب "أعمال إرهابية".

من جهته، أكد المرصد الأورومتوسطي أن لدى دولة الإمارات سجلا حافلا في احتجاز الأشخاص على خلفية الرأي والتعبير أو الخلفيات المرتبطة بالحريات، في وقت تمتنع فيه عن التعاطي أو التجاوب مع استفسارات منظمات حقوق الإنسان في القضايا ذات العلاقة.

وشدد على أنه ينبغي على السلطات الإماراتية إنهاء واقع القمع ومناخ الترهيب الذي تفرضه على المواطنين الإماراتيين والمقيمين الاجانب، وتمكين المؤسسات الحقوقية من زيارتهم لتحقق من أوضاعهم إلى حين اطلاق سراحهم، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والمعتقلين على خلفية ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير في سجونها.

كما لفت الأورومتوسطي، إلى ضرورة التوقف عن الملاحقات غير القانونية واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي انسجامًا مع التزامات السلطات الإماراتية بموجب الدستور المحلي والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وإلغاء كافة التشريعات التي تتعارض قواعد حقوق الإنسان، بما في ذلك النصوص المخالفة الواردة قي قانون مكافحة الجرائم الإرهابية لعام 2014.