ثورة يناير: ضرورية التفكير والتغيير

لقد حرثت يناير أرض السياسة في مصر كما لم يحدث من قبل، ولك أن تقول: كما كان يجب أن يحدث

ثورة يناير: ضرورية التفكير والتغيير
ثورة يناير: ضرورية التفكير والتغيير

لقد حرثت يناير أرض السياسة في مصر كما لم يحدث من قبل، ولك أن تقول: كما كان يجب أن يحدث؛ فقد آلت الأمور أيام مبارك إلى جمود بائس؛ فتقزمت مصر داخليا وخارجيا، واختزلت السياسة كلها في كيف نرتقي برغيف الخبز، وحتى هذا لم تفلح فيه. 

----

لقد وضعتنا يناير أمام مرايا معظمة، شاهدنا بها وفيها وضعنا الاقتصادي والاجتماعي وحالة التعليم، وعجزنا وقلة خبرتنا السياسية... وكان بدهيا أن تتوالى سلسلة الأخطاء التي وقعت فيها كل القوى السياسية منذ اللحظة الأولى... كانت يناير ضرورية بالنسبة لشعب توقف منذ عقود طويلة عن ممارسة السياسة وإنجاب السياسيين.

.....

وبعد 30 يونية أعادت يناير التفكير في المسار التاريخي الذي خاضته بلادنا - تقدس ترابها ونيلها- الذي سرنا فيه بعد ثورة الضباط في 1952 وحتى اليوم... بل وأعادت التفكير - بشكل حاد - في طبيعة العلاقة بين النظام السياسي والدين.

لقد صرنا اليوم أقرب إلى التقدير الحقيقي لطبيعة القوى التي قبضت على زمام الأمور بعد 52 وكذلك القوى المعارضة لهم وفي القلب منهم جماعة الأخوان المسلمين.. فكشفت يناير عن صعوبة استمرار المسار العسكري بنفس آلياته ونمط تفكيره، كما كشفت الفجوة الهائلة بين برامج الأخوان المسلمين وشعاراتهم البراقة.
 

----

كان من آثار ما بعد 30 يونية هو العودة إلى تجميد المسار السياسي، أو هذا ما ظن البعض أن بالإمكان حدوثه والعودة إلى حالة ما قبل يناير..... وهذا لم يحدث، ولا يمكن حدوثه في هذا الزمان، وكان من نتائجه أن توزعت المعارضة وتشتت: على وسائل التواصل الاجتماعي (بكل ما لها من مزايا وعيوب) ثم على القنوات التي تبث من دول إقليمية.

وهذا بحد ذاته وضع يجب أن ينتهي، يجب أن تعود الحياة السياسية إلى مكانها الطبيعي، لتفرز أجيالا جديدة من السياسيين الطبيعيين، فاستمرار الوضع على ما هو عليه منذ  30 يونية جعل النظام كله في موضع دفاع، يخرج من دفاع إلى دفاع، ومن مطادرة شائعة إلى ملاحقة أخرى، ومن العمل تحت ضغط التربص والتشكيك. 

----

 كانت يناير وما جرى بعدها، ضرورة سياسية واجتماعية؛ فقد  أنتجت في ظني، خبرة مباشرة بأهمية الدولة المدنية والوعي المدني، ولا يعني هذا أن الأخوان ومعهم القوى الإسلامية سوف ينتهون، ولكنه يعني قدرة الناس على رؤية وزنهم الحقيقي، أو الأقرب إلى الحقيقة.

---

تحتاج بلادنا إلى الانفتاح السياسي، والدخول إلى مرحلة جديدة، تجنبها مخاطر البهات والثورات، نحتاج أن تعود الحياة السياسية المنظمة المنضبطة، وأن تنتقل قوى المعارضة من فضاء الفيس بوك والعواصم الخارجية إلى الشارع المصري الذي يقبل ويرفض، ويزيل هذا ويبقي ذاك.