نيويورك تايمز: إيران مخترقة وإسرائيل قادرة على الوصول إلى العمق الإيراني
قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن الإيقاع المنتظم للهجمات التي شهدتها إيران خلال الأشهر الماضية، والتي نسبها مسؤولون استخباراتيون إلى
قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن الإيقاع المنتظم للهجمات التي شهدتها إيران خلال الأشهر الماضية، والتي نسبها مسؤولون استخباراتيون إلى إسرائيل، يعبر عن قدرات واضحة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، في الوصول إلى العمق الإيراني، وضرب أهدافاً "كثيفة الحراسة"، مرات متعددة، في الغالب بمساعدة "إيرانيين متواطئين".
ووفقاً لتقرير نشرته الصحيفة الأميركية، مساء الثلاثاء، فإن هذه الهجمات، المستمرة على مدار عقدين، تكشف "ثغرات أمنية عميقة"، إذ تركت القادة الإيرانيين "في حيرة مربكة"، في الوقت الذي يتطلعون فيه إلى عقد مفاوضات مع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بهدف إحياء الاتفاقية النووية لعام 2015.
وأوضحت الصحيفة أنه خلال أقل من 9 أشهر، وجه قاتل نيران سلاحه من على متن دراجته البخارية إلى زعيم قاعدي منحته طهران حق اللجوء فأرداه قتيلاً، ولقي كبير العلماء النوويين الإيرانيين حتفه بنيران سلاح آلي أثناء قيادته سيارته في طريقه للعودة إلى قريته، وهز انفجاران منفصلان غامضان منشأة نووية إيرانية كبرى في الصحراء، فيما يمثل ضربة لجهود تخصيب اليورانيوم الإيرانية.
وتبادلت الأجهزة المختلفة داخل إيران الاتهامات بشكل غير مسبوق، إذ قال رئيس المركز الاستراتيجي التابع للبرلمان الإيراني، إن إيران تحولت إلى "ملاذ للجواسيس".
ودعا القائد السابق للحرس الثوري الإسلامي، إلى إجراء إصلاحات في أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية. وطالب مشرعون باستقالة كبار مسؤولي الأمن والاستخبارات.
أما الأكثر إزعاجاً لإيران على الإطلاق، على حد قول مسؤولين ومحللين إيرانيين، لـ"نيويورك تايمز"، فتمثل في أن هذه الهجمات كشفت أن "إسرائيل لديها شبكة فاعلة من المتعاونين داخل إيران"، وأن "أجهزة الاستخبارات الإيرانية فشلت في العثور عليهم"، بحسب التقرير.
وقال سنام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "تشاتام هاوس"، إن "قدرة إسرائيل على الضرب بفاعلية في العمق الإيراني على هذا النحو الفج يمثل إرباكاً كبيراً لإيران، ويظهر عواراً في الداخل الإيراني".
وذكرت الصحيفة، أن هذه الهجمات، ألقت أيضاً بظلال من البارانويا على دولة ترد كل شيء إلى المؤامرات الأجنبية. ففي عطلة نهاية الأسبوع عرض التليفزيون الرسمي الإيراني، صورة لرجل قال إنه رضا كريمي، 43 عاماً، واتهمه بأنه "مرتكب عملية التخريب"، المتمثلة في الانفجار الذي وقع في محطة تخصيب اليورانيوم في مفاعل نطنز، الأسبوع الماضي.
ويُعتقد أن إسرائيل بدأت عمليات اغتيال رموز كبرى في البرنامج النووي الإيراني من عام 2007، عندما لقي عالم نووي في محطة يورانيوم في أصفهان حتفه في حادثة تسرب غاز غامضة.
ومنذ ذلك الحين، تم اغتيال 6 علماء ومسؤولين عسكريين آخرين قيل إنهم مهمون للجهود النووية الإيرانية، إلى جانب إصابة سابع. ونجا قائد كبير آخر في فيلق القدس، وهو رستم قاسمي، بصعوبة من عملية اغتيال إسرائيلية في أثناء زيارة إلى لبنان في مارس الماضي، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".
ولا تمثل الاغتيالات سوى أداة واحدة في حملة تعمل على مستويات وجبهات عدة. ففي عام 2018، نفذت إسرائيل غارة ليلية لسرقة نصف طن من المحفوظات السرية من البرنامج النووي الإيراني من مستودع في طهران.
وامتد البحث الإسرائيلي في جميع أنحاء العالم لتعقب معدات في دول أخرى مخصصة لإيران لتدميرها، أو لإخفاء أجهزة الإرسال والاستقبال في عبواتها، أو لتركيب عبوات ناسفة ليتم تفجيرها بعد تركيبها في إيران، وفقاً لما ذكره مسؤول استخباراتي أميركي سابق للصحيفة.
وقالت عميلة استخباراتية إسرائيلية سابقة، اشترطت عدم الكشف عن هويتها لسرية العمليات، للصحيفة، إنها كانت تقود سيارتها رفقة ضابط آخر بالقرب من المصنع، وتدعي حدوث أزمة ما، مثل تنفيذ حادثة بالسيارة، أو الإصابة بنوبة قلبية، تطلب على إثرها المساعدة من الحراس لتقترب من المنشأة بدرجة تسمح لها بتحديد نظامها الأمني، حتى يتمكن فريق آخر من اختراق المنشأة وتعطيل النظام.
وبالإضافة إلى عرقلة برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، يرجح أن تضعف هذه الهجمات موقف إيران في المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة بشأن استعادة الاتفاقية النووية لعام 2015، بحسب الصحيفة.
وأشار توقيت الهجوم الأخير أثناء انعقاد المحادثات النووية في فيينا، إلى أن إسرائيل سعت، حال عدم قدرتها على عرقلة المحادثات، إلى تقويض النفوذ الإيراني على أقل تقدير.
وقالت الولايات المتحدة إنها لم تشارك في هذا الهجوم، لكنها لم تدينه.
ووفقاً للصحيفة، كان من الصعب على إسرائيل تنفيذ هذه الهجمات دون مساعدة داخلية من الإيرانيين، وربما كان هذا ما تسبب في "حالة الذعر" التي اجتاحت إيران.
وحاكم مسؤولون أمنيون في إيران العديد من المواطنين الإيرانيين على مدى العقد الماضي، بعد اتهامهم بالتواطؤ في أعمال تخريبية وعمليات اغتيال إسرائيلية، وهي اتهامات عقوبتها الإعدام.
لكن عمليات التسلل شوهت أيضاً سمعة الجناح الاستخباراتي في الحرس الثوري المسؤول عن حراسة المواقع النووية والعلماء.
وطلب قائد سابق في الحرس الثوري بإجراء عملية "تطهير" لأجهزة الاستخبارات، وقال نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانجيري، إنه يجب محاسبة الوحدة المسؤولة عن الأمن في نطنز على إخفاقاتها، وفقاً للتقرير.
واختتمت "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن "الحكمة التقليدية تقتضي ألا يريد أي من الطرفين إشعال فتيل حرب واسعة النطاق وأن يعول على الآخر في عدم التصعيد. لكن، في الوقت نفسه، فإن حرب الظل الخفية على مستوى المنطقة بين إسرائيل وإيران، قد تصاعدت بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية على الميليشيات المدعومة إيرانياً في سوريا والهجمات المتبادلة على السفن".
ونقلت عن فاكيل من "تشاتام هاوس" قوله: "في الوقت الذي تواجه فيه إيران اقتصاداً متعثراً، وتفشياً متفاقماً لجائحة كورونا، ومشكلات أخرى تتعلق بضعف الحوكمة، يتواصل الضغط عليها للتوصل إلى اتفاقية جديدة قريباً لرفع العقوبات الاقتصادية"، لافتاً إلى أن "هذه الهجمات منخفضة المستوى والغامضة تكشف عن حاجة طهران الماسة إلى إعادة خطة العمل الشاملة المشتركة لتحرير مواردها لمواجهة مشكلاتها الأخرى".