سامسونغ تحاول الاطاحة بعملاق الرقائق التايواني عبر تقنية GAA
تخوض شركات التكنولوجيا حالياً سباقاً محموماً فيما بينها، للسيطرة على صناعة الشرائح الإلكترونية، التي باتت عنواناً للتنافس الدولي غير التقليدي، حيث تتسابق هذه الشركات، على ضخ مليارات الدولارات في عمليات البحث والتطوير المرتبطة بهذه الصناعة، ما يمكّنها من السيطرة على خفاياها، وامتلاك الأسرار الحساسة المتعلقة بكيفية تطوير الرقائق الإلكترونية وجعلها أكثر قوة
تخوض شركات التكنولوجيا حالياً سباقاً محموماً فيما بينها، للسيطرة على صناعة الشرائح الإلكترونية، التي باتت عنواناً للتنافس الدولي غير التقليدي، حيث تتسابق هذه الشركات، على ضخ مليارات الدولارات في عمليات البحث والتطوير المرتبطة بهذه الصناعة، ما يمكّنها من السيطرة على خفاياها، وامتلاك الأسرار الحساسة المتعلقة بكيفية تطوير الرقائق الإلكترونية وجعلها أكثر قوة.
تعتبر الرقائق الإلكترونية العمود الفقري لتشغيل كافة الآلات والأجهزة الإلكترونية الذكية، وتحولت هذه الصناعة الى أداة لتعظيم النفوذ في السوق العالمي، فمن سيتفوق فيها في القرن الـ 21 سيكون قادراً على تحديد مسار الكثير من الأمور في العالم أجمع.
واليوم لا يوجد في العالم شركة تصنع الرقائق الإلكترونية بدقة، أكثر من تلك التي تصنعها شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، المعروفة باسم TSMC، والتي تسيطر على أكثر من 50 بالمئة من الإنتاج العالمي للرقائق، تليها شركة سامسونغ الكورية الجنوبية في المرتبة الثانية، بحصة تتجاوز نسبتها الـ 18 بالمئة.
TSMCوسامسونغ هما الشركتان الوحيدتان القادرتان على إنتاج الرقائق الأكثر تقدماً في العالم، والتي تم تصنيعها وفقاً لتقنيات تقل عن 5 نانوميتر، مع تقدم واضح لصالح TSMC في هذا المجال. فسامسونغ تتخلف بواقع عامين عن TSMC في تكنولوجيا صناعة الرقائق بدقة 4 نانوميتر، وبواقع عام واحد في دقة 3 نانوميتر.
وتعتبر دقة النانوميتر أمراً أساسياً في طريقة تصنيع الرقائق الإلكترونية، حيث تعد عملية تخفيض دقة النانوميتر مهمة صعبة ومكلفة، فتكلفة الانتقال من دقة تصنيع إلى أخرى، تحتاج إلى تجديد كامل للمعدات، وهذا ما يكلّف الملايين من الدولارات، كما أن الوصول إلى دقة أصغر، أصبح أمراً أصعب نظراً لكثرة المشاكل والأخطاء التي تترافق مع هذه العملية.
وفي المحصلة، كلما كانت دقة تصنيع النانوميتر أصغر، كلما كان حجم الرقاقة أصغر وأداؤها أكبر، وحجم استهلاكها للطاقة أقل، وذلك رغم أنها تأتي بكثافة ترانزستورات أعلى.
ويبدو أن واقع سيطرة شركة TSMC على صناعة الرقائق الالكترونية قد يتغير خلال السنوات المقبلة، حيث تسعى سامسونغ إلى سحب بساط هذه الصناعة من تحت أقدام الشركة التايوانية، وهو ما أقرت به الشركة الكورية بالفعل منذ أيام، على لسان رئيس قطاع حلول الأجهزة في الشركة، كاي هيون كيونج، مع إعلانه أن سامسونغ باتت لديها الآن ميّزة، وتستطيع تجاوز TSMC في غضون خمس سنوات.
يأتي هذا التفاؤل من سامسونغ استناداً إلى حقيقة أنها تمكنت من استخدام تقنية Gate All Around- FET المعروفة اختصاراً بـ GAA-FET في عملية تصنيع الرقائق بدقة 3 نانوميتر، في حين أن TSMC ستتأخر في استخدام هذه التقنية، حتى موعد إنتاج رقائق بدقة 2 نانوميتر في عام 2026، لتكتفي حالياً بإنتاج رقائق بدقة 3 نانوميتر وفقاً لتقنية Fin-FET القديمة.
وبحسب سامسونغ فإن تقنية GAA-FET الخاصة بها والتي تشير إليها بتسمية MBCFET توفر أداءً أكبر بنسبة 30 بالمئة، واستهلاكاً أقل للطاقة بنسبة 50 بالمئة، وتسمح بتقليص حجم الرقاقة بنسبة 45 بالمئة بتقنية Fin-FET.
فما هي تقنية GAA-FET وما سر قوتها؟
إن تقنية GAA-FET تجسد عملية انتقال صناعة الرقائق الإلكترونية من مرحلة التصميم الكلاسيكي، المتمثل حالياً بـ Fin-FET الى مرحلة أكثر حداثة وتطوراً.
وتقنية GAA-FET تم عرضها لأول مرة في عام 1988 من قبل شركة توشيبا، ليتم استخدام هذه التقنية على نطاق ضيق في عام 2006، ثم قامت شركة سامسونغ بإعادة تصميمها واختبار تطبيقها على الرقائق الإلكترونية في عام 2017، لتعلن في عام 2019 عن تحقيقها طفرة تقنية في هذا المجال، وتنجح في صيف 2022 بطرح هذه التقنية على الصعيد التجاري، من خلال صنع أول شريحة مزودة بتقنية GAA وبدقة 3 نانوميتر.
وتتفوق تقنية GAA-FET، بميزتين فريدتين على تقنية Fin-FET القديمة، فهي أولاً قادرة على تحمل طاقة تيار كهربائي أعلى، كما أنها تمنع تسرب الطاقة نظراً لطريقة تصميمها، في حين أن الطريقة التي تتيحها GAA-FET بتمديد الأسلاك النانوية في الرقائق، بطريقة أفقية وفوق بعضها البعض، تؤدي إلى تحسين بنية الترانزستورات وتجعلها قادرة على تقليل مستوى الجهد وتحسن الأداء.
وبالمحصلة فإن الأجهزة الإلكترونية التي تستخدم شريحة تعتمد على تقنية GAA-FET ستكون أسرع، وتستهلك طاقة أقل من الرقائق المصنعة باستخدام تقنية المعالجة Fin-FET.
وقامت شركة سامسونغ بالفعل في صيف 2022، بشحن الدفعة الأولى من رقائق الـ 3 نانوميتر التي تدعم تقنية GAA-FET، وهي ستعمل على طرح الجيل الثاني من هذه التقنية، خلال عام 2023، حيث تنوي تحسين معايير القوة والحجم والسرعة التي تقدمها هذه التقنية بنسبة 30 بالمئة، وذلك ضمن المسار المخطط له لتضييق الفجوة مع TSMC، والتغلب عليها خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويقول الكاتب والمحلل التقني ألان القارح، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن شركة سامسونغ الكورية الجنوبية تعتبر واحدة من الشركات القليلة، التي باستطاعتها منافسة شركة TSMC التايوانية عملاق سوق الرقائق في العالم، وهي تحضر نفسها بالفعل لعلها تستلم عرش صناعة الرقائق، حيث لا يوجد أي حاجز صناعي أو سياسي يمنعها من تحقيق هذا الهدف، مشيراً الى أنه من الناحية الصناعية والتقنية، فإن سامسونغ تمتلك جميع المقومات التي تخولها الوصول لهذا الهدف ولكن ليس بسهولة.
ويضيف القارح أن سامسونغ من الناحية السياسية تعتبر حليفاً استراتيجياً للطرف الأميركي، الذي يعد الطرف الوحيد القادر على منعها من تحقيق هدفها من خلال العقوبات، كما يفعل مع الشركات الصينية، وبالتالي يعتبر الرضا الأميركي الذي تحظى به سامسونغ، من أهم عناصر القوة التي تعتمد عليها الشركة لتحقيق مبتغاها، هذا فضلاً عن حاجة العديد من دول العالم لإبعاد صناعة الرقائق الإلكترونية، عن المناطق الجغرافية المتوترة مثل تايوان، التي تحتضن أراضيها معامل TSMC.
وشدد المحلل في شؤون التقنية ألان القارح، على أنه لا يوجد شيء مستحيل في صناعة الرقائق، ولكن ما يجب أخذه في عين الاعتبار، هو أن TSMC ما زالت الفائز الأبرز في هذه الصناعة حتى الساعة، حيث تعتبر الرقائق التي تصنعها جاذبة للشركات، إلا أن تقنية GAA-FET التي تمكنت سامسونغ من طرحها على الصعيد التجاري، نجحت في التخلص من بعض عيوب تقنية FIN-FET القديمة، وبالتالي باتت الشركة الكورية قادرة على تقديم منتج أكثر متانة وكفاءة، وهذه النقطة تحديداً قد تحدث تحولاً لن يكون لمصلحة TSMC في السنوات القليلة المقبلة.
وبحسب القارح، فإنه وكما بات معلوماً فإن من يتحكم بتصنيع الرقائق الإلكترونية في القرن الـ 21، هو كمن كان لديه النفوذ بالتحكم بإمدادات النفط في القرن الـ 20، معتبراً أن خسارة تايوان المرتبة الأولى في هذه الصناعة لصالح كوريا الجنوبية، يعني أن الأخيرة سيكون لها نفوذ اقتصادي وسياسي وعسكري أكبر، مشيراً الى أن أميركا والصين، يخوضان اليوم سباقاً محموماً على صعيد الدول للسيطرة على هذه الصناعة، في حين تتنافس كل من سامسونغ و TSMC على تقاسم الحصة الأكبر من كعكة الشرائح.