خطاب الضيف يستنهض الشعوب العربية مجددًا لكسر “الخذلان”.. فهل تستجيب؟
بعد 173 يومًا من العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، وما قدمه أهلها من عشرات آلاف الشهداء والجرحى دفاعًا عن الأمّة ومسرى نبيها، تتواصل حالة الخذلان والعجز العربي والدولي عن نصرة غزة
بعد 173 يومًا من العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، وما قدمه أهلها من عشرات آلاف الشهداء والجرحى دفاعًا عن الأمّة ومسرى نبيها، تتواصل حالة الخذلان والعجز العربي والدولي عن نصرة غزة ومنع حرب التجويع والإبادة التي تمارس ضدها على مرأى ومسمع العالم، وفي ظل هذه الحالة الصعبة الموغلة في ترك غزة لوحدها أعادت كتائب الشهيد عز الدين القسام بث رسالة قائد هيئة الأركان محمد الضيف، التي استنهض فيها الأمّة العربية والإسلامية خلال إعلان انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
رسالة الضيف تأتي وسط تململ الشارع العربي والإسلامي الذي استعاد شعلته حراكٌ شعبيٌ حاشدٌ في الأردن، بدأ بحصار السفارة الصهيونية في العاصمة عمّان على مدى أيام، ووجه المتظاهرون رسائل للشعوب العربية لتنهض بواجبها، فجاء الرد من الشارع المصري ببدء وقفاتٍ تؤكد أنّ الشعب المصري ما زال حيًا ويتململ للقيام بواجبه.
الضيف وجه رسالة إلى أبناء “الوطن العربي والإسلامي”، قال فيها: “يا أهلنا في الأردن ولبنان ومصر والجزائر، والمغرب العربي، في باكستان وماليزيا، ابدأوا بالزحف اليوم، الآن وليس غدا، نحو فلسطين”.
وأضاف: “لا تجعلوا حدودا ولا أنظمة ولا قيودا تحرمكم شرف الجهاد والمشاركة في تحرير المسجد الأقصى”.
تظاهراتكم نارٌ على العدوّ فلا تُخمدوها!
من جانبه قال الدكتور أسامة الأشقر: لا شك أن التظاهرات والوقفات والمسيرات ليست كأعمال الاشتباك والمُسايَفة والمناضلة في الميدان، لكنها نمطٌ من أنماط كلمة الحقّ التي تكون في مواضعَ مِن أكملِ الإيمان، وفي مواضع أخرى من أضعف الإيمان؛ وبعدها يكون الإنسان الساكنُ الساكتُ شيطاناً أخرس لا يستحقّ إلا الطردَ والإبعاد أو الإهمال.
وأضاف الأشقر، أنّ الذين يقلّلون من شأن المظاهرات والوقفات والبرامج التضامنية الحاشدة، أو يَسْخرون من الناشطين فيها ويسخّفونهم، أو يشكّكون في جدواها، أو يعملون على تثبيطها وإقعاد الناس عنها فهُم فئة معادية شرّيرة لا تخدم إلا أغراض العدوّ المتنفِّع بهم والمتنفِّعين به، وهم يستخدمون شعار مصلحة الوطن أوّلاً في غير محلّه ولا مصلحته، لأن مصلحة الوطن أن يكون حرّاً قائماً بالحقّ قادراً على حماية كل مواطنيه من السياسات العميلة التي تخترقه، والمواقف المخزية التي تُسقط من هيبته، وتُحرِق حضورَه المحترِم.
وتابع حديثه بالقول: أنتم عندما تخرجون في تلاحمٍ وإعداد من أجل مواقفكم الصادعة بالحقّ، وإعلانِ حقيقة مشاعركم، وإظهارِ إرادتكم فـإنّكم تنبّهون هذه الأنظمة على خطأ سلوكها وخَطَل مواقفها، وتكشفون لها أن الشعب غير راضٍ عنها، ولا يسمح بتمريرها، وإذا ثبتّم وأصررتم فإنكم بذلك سترغمونهم على رفع السقف أو تعديل السياسة أو الاستتار بتأجيلها، أو ركوبِ سياسةٍ أقلّ سوءاً وشرّاً.
كما شدد الأشقر على أنّه عندما تتظاهرون في وحدةٍ واعتصام فإنّكم تضعون قضيّتكم في صدارة الأولويات الوطنيّة، وترغمون أنظمتكم على إخراجها من أدراج المتابعات المُمِلّة والاستعراضات الباردة، وتجعلونهم يبحثون عن خيارات تُظهر اهتمامهم وتنظّف سجلّهم وتبرّئهم من تهمة مظاهرة العدوّ ومُطابعتِه ولو بالحيلة.
وقال: أنتم عندما تتظاهرون بلا خوف ولا اعتبار للتخويفات والتهديدات فإنكم تظهرون للعدوّ أنّكم قادرون على فتج جبهة جديدة، وأنّكم قادرون على قلب الطاولة، وتغيير الواقع، وكسر الجمود في مواقف التخاذل، وسيجعل لكم العدوّ اعتباراً عندما يريد اتخاذ أيّ قرار.
ونوه الأشقر قائلا: أنتم بتظاهراتكم الغاضبة وشعاراتكم الهاتفة الدّاوِية تضخّون الأمل في نفوس أولئك الذين جفّت أعينهم من الدمع حزَناً على شعورهم بالخذلان الشديد، وتضعون مَراهِم الشفاء على جراحهم الوارِمة، وستعتدل نفوسهم التي تنتظر فتحاً وجَبْراً وغوثاً من الجار القريب القادر على بلوغهم.
وأضاف، أنتم بكل من معكم من رجال ونساء وكبار وصغار تفرحون قلوب أولئك الذين حوصروا وشُرّدوا وأوذوا وأصابهم النقص في المال والأنفس والثمرات، وسيثبّتون صغارَهم الخائفين وضعَفتَهم المرعوبين بأنّ وراءنا ظهراً وسنداً بدأ بالنفير كما ترونَ فلا تُظهروا الضعف أمام عدوّكم، وابتسموا للنوازل والكوارث برضا، واصرخوا في وجه العدوّ بأنّا أمّة لا نركع إلا لله المنتقم العزيز الجبّار.
وشدد الأشقر على أنّ هذه الدائرة ستكتمل سريعاً إذا استطعتم استنفار كل أحدٍ ليشارك معكم، وأكثر الشعوب تترقّب مشاهد الثبات منكم في ساحات التظاهر ، وهي ستنحاز لكم إذا رأت فيكم الأهليّة والجدارة ليتبعوكم بثباتكم وإصراركم وشجاعتكم.
وختم بالقول: إذا صحّت نياتكم وحرصتم غاية الحرص على بلوغ مرادكم بلا هوادة فإنكم بِنيّتكم هذه وانبعاثكم الكبير هذا تكونون قد دخلتم إلى الميدان، فلا يريَنّ إخوانُكم في جبهة النار منكم ضعفاً أو تراجعاً!
وكان المتظاهرون في العاصمة الأردنية عمّان وجهوا رسائل لإخوانهم من الشعب المصري مفادها: “الشعب المصري عامل إيه.. معبر رفح مسكر ليه”.
وجاء الرد من الشعب المصري الذي أكد “أنّ مصر لسة حيّة كمان”.
من عمّان طلع النّور.. شعب الضفة لازم يثور
ووجه المتظاهرون المحاصرون لسفارة العدو الصهيوني في عمّان رسالة أخرى اليوم إلى أهل الضفة الغربية مفادها: “من عمّان طلع النور.. شعب الضفة لازم يثور”.
أهمية حركة الشارع العربي الآن
بدوره قال نور الدين العلوي إنّ صريخ غزة سمع في شوارع العرب منذ الأيام الأولى للحرب. كانت الاستجابات متقطعة وخجولة ثم همدت، وجاء رمضان وكان العدو متخوفا من رمضان أكثر مما كانت الشوارع تستعد للإسناد في رمضان. أصاب الصمت العربي غزة بألم كبير وخيبة لن تنساها، لكن كل ما سبق يمكن تجاوزه إذا وعت الشوارع اللحظة الراهنة من الحرب.
وشدد العلوي في مقالته بـ “عربي٢١” على إنها لحظة التفاوض على مصير غزة، والعدو يريد أن يكسب بالتفاوض والتجويع والحصار ما لم ينل بالقتل الوحشي. لقد حصّلت المقاومة في غزة مكاسب بثمن موجع، والعدو يريد تفريغها من مضمونها وله تاريخ طويل وتقاليد في ذلك. لقد عدّل المفاوض الفلسطيني مطالبه وأظهر مرونة ووجب على الشارع العربي أن يفهم ذلك كمؤشر على قوة الضغوط المسلطة عليه، وبالتالي حاجته للإسناد المعنوي والسياسي. ولن يكتفي العدو بكل التنازلات فمطلبه محو الفلسطيني من الخارطة، لذلك فإن غزة تحتاج الإسناد في السلم أكثر مما قد تكون احتاجته في الحرب.
وتساءل العلوي: هل تعود الشوارع العربية إلى الحركة في الثلث الأخير من رمضان لتخفف عن غزة أحزان العيد الذي لن يأكل فيه الطفل الفلسطيني (أعني الطفل الباقي على قيد الحياة بعد) حلوى ولن يلبس الجديد؟
وشدد على أنّ رسالة الشارع الأردني القوية واضحة وهي تستصرخ مع نداءات غزة والأمل أن لا تكون صرخة في واد عربي مقفر من النخوة والشهامة. سيكون العيد قاسيا على أطفال غزة، وقد يخفف الألم إذا وصلت صور من شوارع عربية مثل صور الشارع الأردني إلى أطفال غزة المتشوقين إلى بصيص أمل.
الخذلان الهدية الكبرى التي تلقاها الاحتلال
أما وائل قنديل في صحيفة العربي الجديد فقال: ليست المسألة خذلاناً رسميّاً وشعبيّاً عربياً وإسلاميّاً للشعب الشقيق المقتول على مذبح الشراكة الاستراتيجية، ذلك أننا خذلنا الخذلان ذاته، حين تلاعبنا في مفهومه ومعناه، وصرنا نستخدم المفردة في وصف أعمالٍ هي للتآمر مع العدو أقرب.
وشدد على أنّ المشهد الأول في جريمة التواطؤ بدأ في يوم 7 أكتوبر، حين تسابقت عواصم عربية في الاصطفاف مع البيت الأبيض والكيان الصهيوني في إدانة عملية طوفان الأقصى، فكان ذلك هو الأساس الذي بُنيت عليه كل الخذلانات والطعنات اللاحقة، إذ ليس بعد استنكار حقّ الشعب الواقع تحت الاحتلال في مقاومة المحتلين ذنب، سواء كانت هذه المقاومة فعل ابتداء، أو ردّة فعل على جرائم لم تتوقّف يوماً.
وأكد قنديل أنّ تلك كانت الهدية الكبرى التي تلقّاها الكيان الصهيوني، فذهب يمارس كل أنواع الجريمة في العدوان على الشعب الفلسطيني في غزّة مطمئنًا إلى أن لديه تفويضاً أخلاقيًا من أنظمة عربية لم تعترض على مبدأ اجتياح غزّة وإنما فقط لديها ملاحظات خجولة على حجم الاجتياح والعدوان، وطول مدّته، فسمعنا مبكّراً من يعارض التهجير العابر للحدود الخارجية، لكنه لا يمانع من مبدأ التهجير في الداخل.. ورأينا من يشاطر الاحتلال العداء للمقاومة ويعتبرها عنصرًاً غريباً، من خارج الإجماع الوطني الفلسطيني، من أولئك الذين يتعجلون إبادة المقاومة لفتح الطريق أمام التطبيع المؤجّل أو المعلق.