إدارة بايدن وفلسطين
أثيرت خلال الأيام الماضية مسألة العلاقة التبادلية بين الإدارة الأميركية الجديدة والقضية الفلسطينية، وافترض العديد من السياسيين والإعلاميين وجود "عمى الوان" لدى كل من إعتقد إختلافها عن الإدارة الترامبية السابقة
أثيرت خلال الأيام الماضية مسألة العلاقة التبادلية بين الإدارة الأميركية الجديدة والقضية الفلسطينية، وافترض العديد من السياسيين والإعلاميين وجود "عمى الوان" لدى كل من إعتقد إختلافها عن الإدارة الترامبية السابقة.
وعلى ما يبدو أن اصحاب هذا الإعتقاد، شاؤوا إسقاط فرضية غير صحيحة، أو كأنهم من انصار "تأبط شرا"، أو من اصحاب المثل الشعبي "عنزة ولو طارت! " .
كما يعلم الجميع، ان المدارس السياسية في معظمها، تؤكد دوما أن السياسة لا تقوم على نظرية اللونين، يا ابيض أو اسود، لإنها تؤمن بوجود مساحات واسعة في العملية السياسية، وتحتمل وجود الوان الطيف المختلفة، وترفض القسمة على محاصرة الذات في اضيق نطاق لإن هكذا سياسية تصب في متاهة العدمية والأقصوية، التي لا تخدم مصالح شعب من الشعوب، أو نظام سياسي، او قوة حزبية أو حتى شخصية عامة.
لهذا يعمل انصار هذة المدرسة على إستثمار اصغر التفاصيل والتباينات بين الخصوم لبلوغ خطوة إيجابية تخدم قضاياهم المختلفة في اي لحظة من لحظات الصراع الإجتماعي أو الإقتصادي او القانوني أو العسكري أو السياسي. لهذا تكون مساحة المناورة مفتوحة على الآفاق القريبة والبعيدة. والعكس صحيح ينطبق على اصحاب المدرسة العدمية والغوغائية، التي لا تملك سوى طحن الماء أو الهواء، ورفع الشعارات الديماغوجية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وإنطلاقا من الفرضية العلمية والمسؤولة، فإن القيادة الفلسطينية وكل من يدعم توجهاتها، إعتبر ان صعود إدارة بايدن إلى سدة الرئاسة في اميركا يمثل خطوة إيجابية نسبيا، دون تضخيم، او مبالغة، او أوهام فارغة. لماذا؟ وعلى اي اساس جاء اعتقاد الإيجاب النسبي؟ وهل الإدارة الديمقراطية ستنحاز لفلسطين وقضيتها، وتتحول إلى محايد موضوعي، ولا اقول داعمة للحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية في الصراع مع دولة الإستعمار الإسرائيلية؟ وهل ستتمكن إدارة بايدة من حل الصراع، ام انها ستعمل على إدارة الصراع؟
بالتوقف امام جادة الجواب، ودون مغالاة او إندفاعات وهمية، فإن إدارة بادين إسوة بكل الإدارات الأميركية المتعاقبة ستبقى حليفا إستراتيجيا لدولة الإستعمار الإسرائيلية بغض النظر عمن يقودها من قوى اليمين الصهيوني او الحريدي المتطرف، وأي كان موقفه من هذا الحزب او ذاك في اميركا، ولن تحيد عن ذلك إلآ إذا تغيرت معايير المصالح الحيوية الأميركية، أو تغيرت بنية وتركيبة النظام السياسي الأميركي.
وإدارة الساكن الجديد للبيت الأبيض جزء لا يتجزء من المنظومة السياسية الأميركية. وستبقى اسيرة السياسات الأميركية السائدة، ولن تحمل جديدا بالمعنى الإستراتيجي، وبالتالي لن تكون محايدا موضوعيا، وستبقى منحازة لإسرائيل. لكن هذا لا يعني ان إدارة بادين تتماثل تماما مع إدارة ترامب السابقة. تلك الإدارة، التي شرعت منذ نهاية عام 2017 بعملية ذبح وتصفية القضية الفلسطينية، ووقفت في نفس الخندق الصهيوني المتطرف كليا، وترجمت على الارض خطوات سياسية وديبلوماسية وقانونية وإقتصادية / مالية وثقافية لإنتهاك وتبديد الحقوق والمصالح الفلسطينية بشكل سافر،
ولو اتيح لها مواصلة الحكم في الولايات المتحدة، لإرتكبت جرائم حرب توازي واعظم من نكبة العام 1948، بهدف تسييد دولة الصهاينة على كل الأرض الفلسطينية التاريخية بعد ان استباحت انظمة الحكم العربية، ودفعت العديد منها دفعا إلى التطبيع المجاني، والقبول بتغيير ركائز ومعالم الصراع العربي الصهيوني، والإستسلام لتربع دولة إسرائيل المارقة على عرش اقليم الشرق اوسطي الكبير.
غير ان الإدارة الجديدة إختلفت نسبيا، ومن حيث الشكل، وإرتقت خطوة جديدة ومحدودة نحو جوهر الصراع،
فاولا أعلنت إلتزامها بخيار حل الدولتين على حدود ال1967.
ثانيا لم تسقط ، ولم تلغِ ملفات اللاجئين، والقدس، والإستيطان، والحدود والأسرى، وتركتها للتفاوض.
ثالثا على ما يبدو، ان لديها الإستعداد لقبول شراكة دولية في ملف الرعاية الأممية لعملية السلام، وإن لم يتضح تماما موقفها من ذلك حتى الآن.
رابعا إستعدادها لإعادة الدعم لموازنة السلطة والمستشفيات في القدس ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأنروا".
خامسا إعلانها الصريح بعودة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وفتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن.
سادسا رفض سياسة الضم والتهويد والمصادرة الإسرائيلية للاراضي الفلسطينية.
سابعا إعادة العلاقات السياسية والديبلوماسية مع القيادة السياسية الفلسطينية.
ثامنا اعلنت عدم إلتزامها بصفقة القرن المشؤومة، وإن كانت لم تلغِ كل إجراءاتها وخاصة ما يتعلق ببقاء السفارة الأميركية في القدس، لا بل ان مجلس الشيوخ صوت بالأغلبية الساحقة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على نقل السفارة للقدس قبل ايام قليلة وبعد توليها الحكم، وغيرها من المسائل العسكرية الإستراتيجية، التي تبنتها إدارة ترامب السابقة.
إذا بالمعنى النسبي هناك تباين بين الإدارتين الحالية والسابقة. بيد أن إدارة بايدن وحسب ما اعلن أمس بليكن، وزير الخارجية بشكل غير مباشر، لن تتمكن من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وستعمل على إدارة الأزمة.
كما انها لا تعتبر الملف الفلسطيني الإسرائيلي أولوية في اجندتها. ومع ذلك هناك مساحة من التعاون مع الإدارة الجديدة، لا يجوز إغفالها أو إسقاطها من الحسابات السياسية التكتيكية الفلسطينية. وبمقدار ما تتمكن القيادة الفلسطينية من إعادة الإعتبار للقضية الفلسطينة، وتوحيد البيت الفلسطيني، وإدارة العملية السياسية بإقتدار، وإستقطابها اهل النظام الرسمي العربي والأقطاب الدولية وفق قرارات الشرعية الأممية، بمقدار ما تتمكن من إحداث نقلة جدية للملف الفلسطيني لدى صانع القرار الأميركي. وقادم الأيام يحمل الجواب.