دفعوا ثمنا باهظا

الجانب المشرق في حرية الأسير ، أنه تنفس الحرية أخيرا ، وأنه مثل طول مدة سجنه نموذجا للتضحية والفداء ، والصبر ، وأنه ظل متوازنا ثابتا على مبادئه ، واستطاع أن يستثمر زمن سجنه في مهارات وأنشطة تتوافق مع نضاله

يناير 19, 2023 - 15:35
يناير 19, 2023 - 15:37
دفعوا ثمنا باهظا

دفعوا ثمنا باهظا . 

الجانب المشرق في حرية الأسير ، أنه تنفس الحرية أخيرا ، وأنه مثل طول مدة سجنه نموذجا للتضحية والفداء ، والصبر ، وأنه ظل متوازنا ثابتا على مبادئه ، واستطاع أن يستثمر زمن سجنه في مهارات وأنشطة تتوافق مع نضاله ، دون أن ينهار أو ينسحب من المشهد النضالي منكسرا .

ولكن الجانب المظلم في هذه التجربة الإنسانية الاستثنائية ، أن السجان كان يعمل طوال الوقت على قتل روح الأسير ، ويسعى إلى إعطابه نفسيا وجسديا ، وهي لعمري معاناة لا يدركها إلا من عاش التجربة بكل تفاصيلها .

أن يمضي الإنسان عقودا من حياته في الزنازين ، يتحكم في روحه وجسده سجان سادي ، دون أن يتخلى عن مبادئه ، فهذا إنجاز يقهر السجان ويهدد وجوده ويضعه أمام مجموعة من الأسئلة الوجودية . 

بعيدا عن رومانسية الإعلام . كريم وماهر وكل الأسرى الذين قضوا ردحا من أعمارهم تحت سياط الجلاد ، لم يتحرروا ، ولم يحررهم أحد ، ولم تتدخل عدالة دولية ، او قوة عسكرية في تحريرهم ، كما أن السجان لم يفرج عنهم كما تقول بعض المنصات الاعلامية ، لقد قضوا مدة محكوميتهم ودفعوا ثمن مبادئهم غاليا ، وتنفسوا الحرية بعد ان ذهب شبابهم في الزنازين ، فعدوهم أراد من الأحكام الطويلة أن يخرجوا إلى الحرية معطوبين غير قادرين على مواصلة نشاطهم النضالي ، ولم يفرج عنهم ولم يجد طريقة لإعطابهم إلا وجربها . فلا تحملوهم أكثر مما تحملوا ، أتركوهم يعيشون ما تبقى لهم من الحياة بسلام ، فقد أدوا ما عليهم ، وكانوا طوال حياتهم النموذج والقدوة ، وآن لهم أن يسلموا الراية وأن ينحصر دورهم في توثيق معاناتهم وكيف تغلبوا عليها .

وبعيدا عن الرومانسية ، الأسرى هؤلاء لم يحررهم أحد ، حرروا أنفسهم مقابل سنوات طويلة من أعمارهم في الزنازين . 

ربما تكون الحقيقة مؤلمة ، لكن علينا أن نعترف أن الحرية تنتزع بالقوة أو العدل القوي ، وهذا لم يحدث مع كثير من الأسرى الذين تنفسوا الحرية ، لقد دفعوا غاليا ثمن حريتهم من أعمارهم وارواحهم وأجسادهم . وكان هذا هو ثمن حريتهم التي جاءت في خريف العمر بعد ان انسحبت من حياتهم كل أشكال البهجة والطموحات الإنسانية .

حاولت أن أبحث عن توصيف دقيق لتحررهم ، ولم أتوصل ألى تسمية دقيقة ، فهم لم يتحرروا ، ولم يحررهم أحد ، وقد يسعى سجانهم إلى إعادتهم إلى الزنازين بأي ذريعة إذا أحس بأن لديهم بقية من إرادة ، وحافز طارىء للنضال بأي صيغة ، فهو القوي الذي يملك أدوات التدمير لكل طموح جميل . ومع ذلك مبارك لكم الحرية ، وأرجو أن لا ينغصها عليكم عدو أو عديق.   

د. أحمد عرفات الضاوي

د.احمد عرفات الضاوي احمد عرفات الضاوي كاتب فلسطيني من الاردن. صدر له : دراسة في ادب احمد فارس الشدياق وصورة الغرب فيه . مطابع الدستور . عمان الأردن 1994، مجموعة كهف الارانب وقصص أخرى للفتيان . رابطة الكتاب الاردنيين . 1994، التراث في شعر الرواد . دبي . مطابع البيان .1998 .، المسرحية الشعرية احلام الطفل العربي وزارة الثقافة .عمان .2003، رواية للفتيان بعنوان خذوني إلى السماء .امانة عمان الكبرى عام 2003، بوح الزيتون .سيرة وزارة الثقافة .عمان 2019.، الرواية المنشورة . الدلال حسن . دار يافا للنشر . عمان .2018.