دفعوا ثمنا باهظا

الجانب المشرق في حرية الأسير ، أنه تنفس الحرية أخيرا ، وأنه مثل طول مدة سجنه نموذجا للتضحية والفداء ، والصبر ، وأنه ظل متوازنا ثابتا على مبادئه ، واستطاع أن يستثمر زمن سجنه في مهارات وأنشطة تتوافق مع نضاله

دفعوا ثمنا باهظا

دفعوا ثمنا باهظا . 

الجانب المشرق في حرية الأسير ، أنه تنفس الحرية أخيرا ، وأنه مثل طول مدة سجنه نموذجا للتضحية والفداء ، والصبر ، وأنه ظل متوازنا ثابتا على مبادئه ، واستطاع أن يستثمر زمن سجنه في مهارات وأنشطة تتوافق مع نضاله ، دون أن ينهار أو ينسحب من المشهد النضالي منكسرا .

ولكن الجانب المظلم في هذه التجربة الإنسانية الاستثنائية ، أن السجان كان يعمل طوال الوقت على قتل روح الأسير ، ويسعى إلى إعطابه نفسيا وجسديا ، وهي لعمري معاناة لا يدركها إلا من عاش التجربة بكل تفاصيلها .

أن يمضي الإنسان عقودا من حياته في الزنازين ، يتحكم في روحه وجسده سجان سادي ، دون أن يتخلى عن مبادئه ، فهذا إنجاز يقهر السجان ويهدد وجوده ويضعه أمام مجموعة من الأسئلة الوجودية . 

بعيدا عن رومانسية الإعلام . كريم وماهر وكل الأسرى الذين قضوا ردحا من أعمارهم تحت سياط الجلاد ، لم يتحرروا ، ولم يحررهم أحد ، ولم تتدخل عدالة دولية ، او قوة عسكرية في تحريرهم ، كما أن السجان لم يفرج عنهم كما تقول بعض المنصات الاعلامية ، لقد قضوا مدة محكوميتهم ودفعوا ثمن مبادئهم غاليا ، وتنفسوا الحرية بعد ان ذهب شبابهم في الزنازين ، فعدوهم أراد من الأحكام الطويلة أن يخرجوا إلى الحرية معطوبين غير قادرين على مواصلة نشاطهم النضالي ، ولم يفرج عنهم ولم يجد طريقة لإعطابهم إلا وجربها . فلا تحملوهم أكثر مما تحملوا ، أتركوهم يعيشون ما تبقى لهم من الحياة بسلام ، فقد أدوا ما عليهم ، وكانوا طوال حياتهم النموذج والقدوة ، وآن لهم أن يسلموا الراية وأن ينحصر دورهم في توثيق معاناتهم وكيف تغلبوا عليها .

وبعيدا عن الرومانسية ، الأسرى هؤلاء لم يحررهم أحد ، حرروا أنفسهم مقابل سنوات طويلة من أعمارهم في الزنازين . 

ربما تكون الحقيقة مؤلمة ، لكن علينا أن نعترف أن الحرية تنتزع بالقوة أو العدل القوي ، وهذا لم يحدث مع كثير من الأسرى الذين تنفسوا الحرية ، لقد دفعوا غاليا ثمن حريتهم من أعمارهم وارواحهم وأجسادهم . وكان هذا هو ثمن حريتهم التي جاءت في خريف العمر بعد ان انسحبت من حياتهم كل أشكال البهجة والطموحات الإنسانية .

حاولت أن أبحث عن توصيف دقيق لتحررهم ، ولم أتوصل ألى تسمية دقيقة ، فهم لم يتحرروا ، ولم يحررهم أحد ، وقد يسعى سجانهم إلى إعادتهم إلى الزنازين بأي ذريعة إذا أحس بأن لديهم بقية من إرادة ، وحافز طارىء للنضال بأي صيغة ، فهو القوي الذي يملك أدوات التدمير لكل طموح جميل . ومع ذلك مبارك لكم الحرية ، وأرجو أن لا ينغصها عليكم عدو أو عديق.   

د. أحمد عرفات الضاوي