مزاعم « تسهيل الهجرة».. مخطط إسرائيلي للإسقاط الأمني تحت ستار إنساني

بعد أن فشل الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ مخطط تهجير أهالي قطاع غزة بالقوة خلال حرب الإبادة المستمرة، لجأت مخابراته لإرسال رسائل إلى هواتف المواطنين تُطالبهم بمقابلتها بغية "تسهيل سفرهم إلى الخارج".
وتحمل الرسائل في طياتها دلالات أمنية خبيثة وخطيرة هدفها محاولة التجنيد والإسقاط، تحت "ستار إنساني" زائف، وزعزعة صمود الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، وفق مختصين.
ولم يكن الترويج لهذه الحملة الخبيثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مصدرها الوحيد الاحتلال الإسرائيلي، أو حسابات وهمية، بل يقف خلفها شخصيات جدلية، وبعض المشاركين في ترويج دعاية الاحتلال ممن يعيشون خارج القطاع.
"غير نتواصل مع أفيخاي ولا المنسق علشان نطلع أهلنا من قطاع غزة.. إلى طلع من غزة عبر الصليب الأحمر يحكيلنا كيف طلّع أهله، بقدموا لأهاليهم على السكت وبطلعوهم واحنا نقعد نجري هنا وهنا ونتشحوت الكلام من الناس.. بدي أطلع أهلي من غزة كلهم.. حد يحكيلنا شو عمل علشان يطلع"،
هذا نموذج مما نشره شخص مثير للجدل، موجود في بلجيكا بعد مغادرته غزة، عبر صفحته على "فيسبوك"، ضمن ترويجه لحملة "التهجير الطوعية"، في تماهٍ مع مخططات الاحتلال ومحاولاته إسقاط الشباب الفلسطيني.
حملة إسقاط
مصدر أمني كشف لوكالة "صفا" عن "حملة خبيثة ومدبرة" يقودها الاحتلال في محاولة لاستدراج بعض المواطنين في القطاع تحت فخ رسائل "السفر للخارج"، بغية إسقاطهم في وحل التخابر، عبر مقابلة ضباط المخابرات، مما يُعرضهم للابتزاز وتقديم معلومات تتعلق بالمقاومة.
وقال المصدر: إن "التواصل مع ضباط مخابرات الاحتلال، والرسائل التي تحمل أرقامًا مشبوهة أو عروضًا للتواصل هي فخ أمني خطير، وجزء من حرب نفسية خبيثة هدفها تفكيك الجبهة الداخلية".
وذكر أن "أمن المقاومة في غزة يتابع نشر منصات وهمية ونشطاء موالون للاحتلال أخبارًا مفبركة حول الهجرة من قطاع غزة، بهدف التحريض والتأثير النفسي على الشعب، بما يتماهى بشكلٍ كامل مع خطة التهجير وعروض مخابرات العدو".
وتأتي رسائل مخابرات الاحتلال ضمن الحرب النفسية، ومحاولات الضغط على الجبهة الداخلية معنويًا، بقصد تأليب الشعب ضد المقاومة، وفق المصدر.
وحذر أمن المقاومة، المواطنين من التواصل مع أرقام ضباط المخابرات، قائلًا: إن "أي تواصل، مهما كان مبرره أو غرضه، سيعد شكلًا من أشكال التخابر مع العدو، ولن تتوانى المقاومة في معاقبة المتخابرين، لأن التخابر عار وخيانة".
وأضاف أنه "يُنظر إلى عرض مخابرات العدو التواصل والمقابلة مع المواطنين من ناحية أمنية بأنه حدث خطر، إذ إن التجارب أثبتت أن العدو يصنع مبررات للتغطية على المقابلات مع المتخابرين، لذا فإن أي مواطن يتواصل مع مخابرات العدو يضع نفسه موضع شك واشتباه أمني".
وحذر الإعلاميين والمنصات الإعلامية المحلية من نشر أو تداول رسائل مخابرات الاحتلال، خاصة التي تتضمن تحريضًا أو أرقامًا لضباط المخابرات، "فأي نشر لذلك، مساهمة وخدمة مجانية للمحتل، لن تغفرها المقاومة".
الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا رأى أن الحديث المتكرر عن "تسهيل الهجرة" من غزة تحت غطاء إنساني، ليس بريئًا، بل هو امتداد لمحاولة تصفية القضية وسحب المواطنين من أرضهم، خطوة بخطوة.
وقال: إن "اللغة واحدة، والسردية واحدة، وكأنهم تلقّوا نصًا موحّدًا من جهة واحدة"، مضيفًا أن "الأكثر استفزازًا، أولئك الذين عاشوا في غزة، وخرجوا بتدخل مخابراتي معروف، ثم كشروا عن أنيابهم حين شعروا بالأمان".
وأضاف "ليست المشكلة في سفر أصحاب الحاجة والضرورات، وبقنوات واضحة ومعروفة، لكننا أمام حملة منسّقة يقودها صبيان نتنياهو، للنيل من صمود الناس والتحريض على التهجير المنظم".
و"من يتجنّد لتسويق الهجرة كحل، وفق القرا، هو شريك في نزع الناس من أرضهم، وإن تخفّى خلف شعارات الرحمة وحقوق الإنسان".
تفاعل منصات التواصل
ولم تكن الحملة الإسرائيلية بشأن "تسهيل الهجرة" بعيدة عن تفاعل ناشطي منصات التواصل الاجتماعي، التي وصفوها بأنها "نوع من التواصل مع مخابرات الاحتلال".
الناشطة نسرين رزاينة حذرت في منشور لها على "فيسبوك" من التواصل مع الموساد والمخابرات وأعوانهم، قائلة: "انتشر بين أهالي غزة رقم المحامي الإسرائيلي يورام يهودا صاحب مكتب محاماة في تل أبيب، والذي حاول أكثر من شخص من غزة وخارجها الاتصال مع صاحب الرقم للاستفسار عن الهجرة الطوعية ليتبين أن عدة أشخاص يتحدثون اللغة العربية يجيبون على نفس الرقم"، مرجحة أن المتحدث يتبع لجهاز الموساد الإسرائيلي.
وأضافت أن الأسئلة للمتصل تتمحور حول اسم الشخص ورقم هويته، وأسماء الجيران والعائلات المحيطة بالمتصل.
وأشارت إلى أن المحامي "يورام يهودا" هو محامٍ متخصص في قضايا الطلاق والأسرة، ولا علاقة له بقضايا تسريب الأراضي بالقدس.
أما الناشط حاتم أبو شمالة فرأى أن "القصة ليس بالهجرة حتي لو وصل العدد ٥٠٠ ألف، بل المشكلة تُكمن بالتوكيل، لأن من يخرج عن طريق الصهاينة لابد ان يُنجز توكيلًا بغية التنازل عن ملكية بيته في غزة، والتوقيع علي تنازله عن حق العودة والتعويض، ويفقد رقم هويته الوطنية، وبذلك يصبح نازحًا".
ونبّه إلى أن هذا الأمر مختلف عن الذين سافروا إلى مصر أو أي دولة أخرى من خلال مصر، مبينًا أن المشكلة الكبرى ليست في عدد من يخرجون من غزة، لكن في الجهل المترتب على الهجرة والتوقيع على النزوح.
تحذير رسمي
بدورها، حذرت وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة المواطنين من التعاطي مع أية رسائل أو اتصالات تصل لهواتفهم، أو التجاوب معها، حرصًا على سلامتهم وتفاديًا لأية أضرار قد تلحق بهم، جراء أساليب الاستدراج والتضليل التي تستخدمها أجهزة مخابرات الاحتلال.
ودعت المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال لوقف حملاته الخبيثة تجاه المواطنين الفلسطينيين الساعية لتهجيرهم من أرضهم، والتي تمثل جريمة ومخالفة لقواعد القانون الدولي.
وأكدت أن "الأجهزة الأمنية ستتخذ الإجراءات القانونية بحق أي مواطن يثبت تجاوبه مع رسائل أجهزة مخابرات الاحتلال بأي شكل من الأشكال".
وشددت على أن "ما فشل الاحتلال في تحقيقه خلال شهور طويلة من حرب الإبادة وعدوانه على شعبنا، لن يحققه بأساليب الخداع والتضليل، وإن شعبنا الفلسطيني بكل مكوناته قادر على إحباط مخططات الاحتلال".
أما المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فحذر في بيان له، المواطنين من "خطورة الانجرار خلف هذه الدعاية المسمومة التي تخدم هدفًا استراتيجيًا إسرائيليًا واضحًا يحلم به الاحتلال منذ عقود طويلة، يتمثل في تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين الأصليين، وتحقيق حلم إسرائيل".
ونبه إلى ضرورة عدم تداول أرقام هواتف ومعلومات مشبوهة تُنشر ضمن هذه الحملات، داعيًا المواطنين للحذر الشديد واليقظة التامة.
وأكد أن "بعض هذه الأرقام تُستخدم كأدوات تجنيد وتواصل أمني، بهدف إسقاط الشباب الفلسطيني بعد فشل الاحتلال في اختراق نسيجنا الوطني المقاوم".
وقال إن: "الهجرة من الوطن في ظل الاحتلال ليست خيارًا آمنًا، بل هي فخ مغلف بالوعود الكاذبة، تقود إلى الاستدراج والاعتقال والتحقيق أو الإعدام والقتل المباشر، خصوصًا عند التنقل عبر المناطق الحساسة أو خارج الأطر القانونية والرسمية".
وشدد على أن "الحالات القليلة التي غادرت قطاع غزة مؤخرًا، معلومة تمامًا، وهي من فئة المرضى والجرحى الذين أتموا إجراءات السفر لتلقي العلاج في الخارج عبر معبر كرم أبو سالم، وليسوا مُهاجرين، وما يُشاع خلاف ذلك هو كذب متعمد وتحريف للوقائع".
ودعا المكتب الإعلامي إلى عدم الانسياق خلف الشائعات والمعلومات الزائفة وعدم المساهمة في ترويجها، وإبلاغ جهات الاختصاص بشكل فوري عن أي جهة مشبوهة تحاول استغلال حاجة الناس أو الإيحاء بقدرتها على ترتيب "هجرة قانونية".
وفي مطلع فبراير/شباط الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن خطته المثيرة للجدل، التي تهدف إلى تهجير سكان قطاع غزة قسرًا إلى مصر والأردن ودول الأخرى، وإخضاع القطاع لسيطرة أمريكية.
إلا أن هذه الخطة أثارت موجة واسعة من الانتقادات الدولية والعربية الحادة، ورفض قاطع لتهجير الفلسطينيين من أرضهم.
المصدر: وكالة صفا