باختصار: استمروا

ما من خيار أمام الفلسطينيين سوى أن يستمروا، بمعزل عن حالة الضعف أو مكامن القوة، فالمسألة ليست جولات مصارعة في حضرة جمهور منحاز يراهن على المصارع البغل المفتول العضلات.

باختصار: استمروا
باختصار: استمروا

ما من خيار أمام الفلسطينيين سوى أن يستمروا، بمعزل عن حالة الضعف أو مكامن القوة، فالمسألة ليست جولات مصارعة في حضرة جمهور منحاز يراهن على المصارع البغل المفتول العضلات.
المسألة هنا مختلفة تماما، فمهما صفقوا للبغل الصهيوني القائم ذي القوة العسكرية المفرطة، فإن ذلك تهليل مؤقت ينتهي فور انتهاء الجولة مهما طالت فترتها أو في لحظة ضعف المصارع ،ثم يستمر للعيان ركب وسطوة الثقافة وقوة الحضارة والتاريخ خارجا من ظلال مجده الدائم.
لاحظوا بأنهم لطالما أقلقتهم حالات من أمثال طوقان ودرويش وإدوارد والقاسم وطبخة المفتول ورائحة الزعتر، جرس الكنيسة وصوت المؤذن الصادح في عاصمتكم الأبدية، بل وبرتقالة مسكينة في يافا، وثوب أمهاتكم المزركش الذي ربما يراه بعضكم مجرد زركشة قروية متخلفة، ويرونه هم على أنه سلاح نووي!.
في السابق برمته، لم تنهض قوة الحق البديهي عالميا إلا بعد نهوض الثقافة والعلم والتعليم، وقبل النضال بالسلاح، هكذا بدأ حضوركم الدولي والتأييد والتضامن العالمي وأضحت القضية الأولى منذ الستينات حتى وأد الثمانينات.
... كنتم وربما مازلتم مستغربين من سر تركيز الأنظمة العربية العميلة الدكتاتورية على تحقيركم وشيطنتكم، وتفسرون ذلك بأنه نوع من الشعور بالدونية والعدوانية القبلية والإقليمية، لا، فالأمر ليس كذلك مطلقا، ذلك أن الأنظمة مكلفة رسميا بتحقيركم وإبعاد الجمهور عنكم، وهو مفتاح بقائها الأهم، لأنكم كلما نجحت خطة شيطنتكم ارتقت سمعة وصورة النازي الصهيوني وتمت أنسنة وشرعنة جرائمه ولصوصيته.
الثقافة حصن الفلسطيني المنيع، والذي مازال منيعا وماظنننه قابلا للغياب على الرغم من التقهقر العجيب، وليست البندقية الا حارسا على عظمتها وطهرها -هنا يجب الترحم على فكر جورج حبش وكنفاني وآخرين -.
التأييد الدولي الأكاديمي والإنساني والأخلاقي أتى عبر شرح وفلسفة طبيعة التاريخ والحاضر والنكبة وما تلاها بوقائعها، فالعالم لا يكترث طويلا للخطب بل للباقيات الصالحات من الفكر والإعلام والثقافة، وهذا أمر تدركه بعمق النازية الصهيونية التي تمتلك بدورها نخبة تزييف إعلامي وثقافي منقطعة المثيل.
لهذا السبب فهم يرتاحون جدا لخطب بعضنا السطحية المتكررة، بل أظنهم مستعدين لدفع مصاريف النقل والبث الفضائي لإبراز الفلسطيني الغبي الخطابي السطحي، الذي يمجد الحيونة والصراخ والتمسك اللفظي- لا الفكري العميق- بسطحيات القضية وشعاراتها كتحويلها إلى مجرد مقاومة لا ثورة، أو دينية تبرر مقولات وفلسفة العدو ذاته، وحلمه بتحويل القضية إلى نزاع حق ديني مسنود باللاهوتية الأساطيرية، ومعجون بماء الخرافة والدجل.
 فالقول مثلا بأن القدس مكان مقدس ومهم فقط بسبب الإسراء والمعراج والقبلة الأولى -على صحة وتاريخية وفضيلة ذلك- يثبت النظرية الصهيونية الحالمة بتحويل الصراع إلى ديني تقاسمي ونزع فتيل حق التاريخ والإنسانية والقانونية من داخل قنبلة الصراع، عبر تحويله إلى صراع من أجل الأقصى، لنتذكر هنا كيف أنهم منحوه لعرفات في كامب ديفد 2 مقابل توقيع وثيقة إنهاء الصراع !!! 
الأمر هنا تجزئة وتقزيم للكارثة الشاملة التي ألمت ليس بفلسطين وشعبها وحدهما ولا بالأقصى وحده بل بالانسانية جمعاء، هنا يكمن سر دعم النازية وقربها ورضاها بل وتحالفها المبطن مع أية مقولة دينية...
بالمقابل فعندما كتب درويش قصيدة "عابرون في كلام عابر" اهتز الكيان المدجج بمئتي رأس نووي، لأن قصيدة كهذه تؤسس لزوال أساس فكر الخرافة، ولذلك قرأ حينها الإرهابي شامير جزءا منها ونوقشت القصيدة في الكنيست والحكومة وأروقة المخابرات، وازداد الدعم العالمي بعدها للإخوان المسلمين، ومازال جاريا بطرق التفافية.
الثقافة هي دبابة ميركافا الفلسطيني وليس أي شيء آخر.
ليس الأمر تقزيما لدور النضال المسلح، فالبندقية جزء أساس من هوية الفلسطيني وهي أطهر فعل عملي مباشر من أشكال التضحية، لكن البندقية المأجورة المشفوعة بالسطحية والغباء ينعكس استخدامها سلبا على قضية حاملها.
"أقصانا لا هيكلهم" تحمل إقرارا ضمنيا بوجود الهيكل الوهمي، "إلا رسول الله " تعني في جوهرها أن اقتلوا واحتلوا بلداننا ودوسوا رؤوسنا بأحذيتكم وانهبوا اقتصادنا ووو ، فقط لا تخوضوا في الإساءة للنبي العظيم محمد عليه الصلاة والسلام .وهذه ليست مجرد حماقة بل مقولة ظاهرها طاهر وحق وباطنها خبيث
فلا الإساءة للنبي مقبولة ولا وجود المستوطنين الإرهابيين على أرض فلسطين كلها.
متى يبرز ذلك؟بالضرورة مع تراجع الفكر والثقافة والروح الكفاحية العميق . ولهذا هم يشجعون كل خطابي سطحي سواء علم بذلك صادحه أم لم يعلم.
الاستمرار بالارتقاء الفكري يتجسد بالعلم والمعرفة والثقافة، لا بحفظ الشعارات والخطب المحفوظة منذ قرن خلا.
تخرج طبيب أو مهندس، ظهور رواية أو فيلم يقلق دوائر الصهيونية أكثر من كل الخطابات السطحية الرنانة التي قيلت لقرن كامل خلا، فالعقل مخيف لحملة الأساطير السخيفة، ولهذا هم يفضلون الفلسطيني الغبي. ذلك أمر ساطع لا جدال فيه.

وليد عبدالرحيم