الباج
ربما لا يعرف هذا الجيل معنى هذا المصطلح القديم . ولا ادري من اين جاءت تسميته ، نقول الحكاية اولا ثم ندعكم تعرفون كل شيء
ربما لا يعرف هذا الجيل معنى هذا المصطلح القديم . ولا ادري من اين جاءت تسميته ، نقول الحكاية اولا ثم ندعكم تعرفون كل شيء .
ابو صالح فلاح غلبان كثير العيال ، ورث قطعة ارض عن امه ، ولسوء حظه انها متاخمة للقرية وعلى طريق المواشي الذاهبة الى المرعى صباحا ، والعائدة من الطريق نفسه مساء .
زرعها قمحا ليضمن مؤونة عامه . واما القطعة الثانية التي هي اكثر قداسة لديه فورثها عن والده ، وهي مجموعة من الرسوم والقطاين التي شاركه فيها مساحات كبيرة من الصخور والسريس والنتش ، اجتهد ابو صالح في استصلاح تلك المساحات ، واستثمار مابين الصخور ، فزرع لوزا وزيتونا وعنبا ، تعود الرعاة قبل الاستصلاح ان ينتشروا في المكان مع ابقارهم واغنامهم ، ولكن ماحدث بعد ذلك امر اخر .
تمر شلية الغنم فتغريها السنابل الغضه ، فتتمرد على الراعي وتنتش نتشات من الأطراف ، حتى اصبحت تلك الاطراف من تكرار الغارات قرعاء .
احتج ابو صالح لدى المختار ، فكان رده اعرف الغنم المعتدية وخذ الباج ، هذا هو القانون السائد ، وعندما يسال الراعي عن صاحب العنزة او العنزات المعتدية ، فيجيب والله ما بعرف ، شلية الغنم اكثر من مائتين راس ، انا عقلي دفتر؟ وعندما يعرف الراعي العنزة التي اعتدت على رزقه ، يقول صاحبها الباج على الراعي ، وهكذا يتآكل رزقه ومؤونة عياله كل يوم ، حتى اذا جاء وقت الحصاد ، يحصد قشا دون سنابل .
اما غراسه البعيدة عن القرية ، فكلما زارها وجد اختراقات كارثية على الاطراف ، ولم يجد في القرية من ينصره ، لا حكومة ولا مختار ، وكان كلما قدم احتجاجا يقال له : امسك الفاعل وخذ الباج .
كل ما يحدث له يحاصره ليتخلى عن ارضه المجاورة للقرية ، اكتشف ذلك صدفة ، عندما قال له المختار : انت موجع راسك على ايش يازلمة ؟ بيعها وريح راسك . فار وقتها الدم في عروقه وادرك ان المختار يبيت له شرا .
عاد الى بيته مهموما ، كانت زوجته من بنات اخواله وهي غريبة عن تلك القرية ، كانت كل يوم ترى القهر في عينيه ولا تعرف كيف تسانده ، ولما طفح الكيل اشارت عليه ان يعمل بقانون المختار ، لم يفهم ابو صالح ولكنها فكرت ودبرت .
كل غنم القرية تبيت في صيرة واحدة ، هي مغارة كبيرة في وسط القرية فهي لا تستطيع ان تدخلها دون ان يراها احد وبخاصة ، انها تعلم ان زوجها اضعف من ان يواجه قرية مختارها فاسد ويسعى لتدميره والاستيلاء على ارضه .
كانت اكثر منه كتمانا وحصافة فاضمرت في نفسها خطة اخرى اعانها احد اولادها على تنفيذها ، واختارته بعناية لانه اكثرهم كتمانا واقلهم كلاما .
في الطاقة علبة ( فلدور ) لفتها بخرقة من العام السابق ، بعد ان استخدم زوجها بعضا منها لرش الغرسات التي اصابها المن ، تناولت العلبة واتجهت مع ابنها ليلا الى البئر حيث ترد الاغنام ، ووضعت في الحوض لحسة من السائل القاتل كانت حريصة ان لا تكون الكمية قاتلة ، فقد ارادت ان تعاني الاغنام من المغص والاسهال ولا بأس لو ماتت واحدة او اثنتين.
باتت الاغنام في الصيرة تلك الليلة ، وفي الصباح لاحظ الراعي ان عددا منها يعاني من الهزال ولا يقوى على النهوض . عنزة واحدة نفقت ولعلها اول الشاربين .
ضج الراعي وضج اصحاب تلك الاغنام ، ولم يجدوا تفسيرا لما حدث .
طلبت الزوجة من ابنها الحصيف ان ينشر بين اترابه ان امه ذهبت الى مقام الفقير في القرية ودعت على من يتسبب في الاذى لهم .
صدق الناس ان دعوة تلك المراة هي من تسبب في الكارثة الصغيرة لاغنامهم ، وصدق الراعي وصار اكثر حذرا . المختار وحده لم يصدق ان الدعوات قد اعادت الحقوق . وظل يفكر للوصول إلى الحقيقة . ولما عجز . سال ابو صالح : شو الي صار يا زلمة ؟ صحيح دعوات مرتك تسببت في مرض الغنم ؟ رد ابو صالح : هذه دعوة المظلوم يا مختار .
المختار خبيث ولم يصدق الرواية . كان يركب بغلته صباح احد الايام ذاهبا الى مخفر الامن . فصادف ام صالح في الطريق ؛ فبادرها قائلا : يامستورة انا ماصدقت قصة دعواتك المستجابة والسر عندك وعند زوجك . ردت ام صالح : تصدق ولا لاعمرك صدقت . المهم الراعي والناس صدقوا . رد المختار : فيه سر . ولازم اعرفه . ردت ام صالح . امسك الفاعل وخذ الباج مش هذا قانوننكم؟! ارجو قراءة مابين السطور.
د احمد عرفات الضاوي