ثقافة المراحل ،،.لكل زمن هويته الثقافية التي تشكل شخصيات ابنائه.
في الستينات من القرن الماضي.كانت مصر بكل رموزها الثقافية والسياسية والفنية هي النموذج الاعلى. لذلك كنا في مرحلة المراهقة والشباب نتهافت على المنتج الثقافي
في الستينات من القرن الماضي.كانت مصر بكل رموزها الثقافية والسياسية والفنية هي النموذج الاعلى. لذلك كنا في مرحلة المراهقة والشباب نتهافت على المنتج الثقافي والفني المصري. حيث كانت مصر في تلك المرحلة في عز تألقها وحضورها. فجيلنا عايش ولو عن بعد وعبر المنتج الثقافي والفني رموزا من العمالقة. طه حسين و محفوظ والحكيم والسباعي. كانت نسخه واحده من رواية لاحد هؤلاء الكبار تلف القرية او المدينة. ويتم مناقشة محتواها من القراء بشكل تلقائي عندما يلتقي الاتراب. ولم يحل ضيق ذات اليد دون مواكبة المنتج الثقافي المصري. وكانت المصور واخر ساعة والهلال تصل الينا باسعار متواضعة. وكان القادرون على الشراء كرماء مع اترابهم فلا يحتكرون ما تصل اليه ايديهم وامكاناتهم. بل يستمتعون وهم يتشاركون مع رفاقهم الاقل حظا ما يمتلكونه من منتج ثقافي. ربما ليتاح لهم التشارك في النقاش انسجاما مع الطبع الانساني السوي. لذلك قرا الجميع لهؤلاء الكبار. وتعرفنا الى التوجهات الفكرية للكثيرين من الكبار مثل جورجي زيدان الذي كان موضع خلاف بين الفئات الفكرية المختلفة في بيئتنا الجنينية حيث جماعة الاخوان وحزب التحرير والقوميون العرب. ومع ذلك لم نشهد صداما واحدا ينحرف الى العداء الشخصي او التكفير او الاضطهاد. كان التعايش والاحترام سمة المرحلة. كل ينهل من ثقافة المرحلة ويمارس قناعاته دون رقابة مجتمعية صارمة. وان كانت هناك رقابة رسمية صارمة بل قامعة احيانا.
كانت الرموز الفنية المصرية حاضرة بكثافة وكان لسينما جنين ومن قبلها سينما العرابي اثر ايجابي في تعريف ذلك الجيل بالحركة الفنية في مصر. وبشكل تراكمي تشكلت ثقافة فنية لدى الشباب بخاصة والمجتمع عموما. كان محمود المليجي ورشدي أباظة وفريد شوقي نجوم المرحلة بجداره وكنت ارى الشباب من رفاق المرحلة يدافعون عن نجمهم المفضل بما يمثل نقدا تلقائيا لاداء هؤلاء النجوم. حتى ان بعضهم كان يقلد نجمه المفضل بشكل لافت.بما يشي بامتلاكهم موهبة التمثيل واحترامهم لها . واذكر ان بعض شباب جنين اتيح لهم زيارة مصر .وعادوا الى جنين يحملون معهم صورا تشاركوها مع ممثلين مصريين. وكان هذا الانجاز مبعث دهشة لنا. اذ كنا نتصور ان هؤلاء النجوم لا ينزلون الى الشارع ولا يتفاعلون مع الناس مما احدث دهشة وغبطة لدى جيلنا.
كان لكل واحد منا مطربه المفضل بل ويملك من الادوات النقدية ما يؤهله للدفاع عن هذا المطرب او تلك للمطربة . كان لي صديق من جلقموس رحمه الله لا يفوت فرصة للاستماع لمحرم فؤاد. ولا يقبل مقارنته باي مطرب آخر. كنا نسمع ام كلثوم يوميا عند الرابعة عصرا من اذاعة اسرائيل وقد احدث ذلك جدلا طويلا حول اهداف ذلك البث اليومي. ومع كل التحليلات ظلت ام كلثوم قاسما مشتركا . بل ان ابناء جيلي يؤرخون لمحطات حياتهم باغاني ام كلثوم . فالاطلال تقترن بحالة عشق بريئة. وانت عمري مرتبطة بخيبة كبيرة على المستوى العاطفي..... . ومع هذه الخصوصية لام كلثوم . فقد استحوذت نجاة الصغيرة وشاديةوعفاف راضي على اهتمام. فلكل لون ولكل خصوصية
لا تسل عنا ولا كيف لقانا
واسال التاريخ عنا والزمانا.
اخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدا.
حفظنا شعرا وطنيا كثيرا من خلال الاغاني. وساهم ذلك في تشكيل هويتنا الوطنية. وتدفقت مواهبنا لمحاكاة النمادج العليا. من الكتاب والشعراء في محاولات كانت لبنات أساسية في تشكيلنا ثقافيا.
صوت العرب كانت محظورة. ومخالفة الاستماع اليها خمسة دنانير. هي ثروة بمعايير المرحلة. ومع ذلك لم يتردد ابو الدوم من فتح مذياعه على صوت العرب. حيث كنا نسترق السمع لاحمد سعيد عند باب المحمص الاول . كان الناس يهرولون نحو ابو الدوم لتبليغه بوجود شرطي على مقربة فيبادر الى خفض الصوت او اغلاقه. كان للمجتمع في معظمه ولاء لمصر سياسيا وثقافيا. ولم ينج احد منا من تاثير هذه الثقافة التي ما زالت تعيش معنا وتشكل اسس ثقافتنا. لذلك يحس جيلنا بولاء واحترام لمصر . لا تحسه الاجيال الحالية.
وهنا انا اتحدث عن:
مصر التي في خاطري وفي دمي
من منكم يحبها مثلي انا ... مثلي انا؟
د. احمد عرفات الضاوي