تسييس اللغة .. الوسط هو الاعتدال وجعلناكم أمة وسطا
بين الغلو والتقصير ) وهو موقع بين طرفي الشيء ، بين الجيد والرديء ، ومنها جاءت الوساطة والوسيط الذي دخل المصطلح السياسي . فالوساطة وفق المفهوم اللغوي هو الاعتدال والوقوف على مسافة واحدة
( بين الغلو والتقصير ) وهو موقع بين طرفي الشيء ، بين الجيد والرديء ، ومنها جاءت الوساطة والوسيط الذي دخل المصطلح السياسي . فالوساطة وفق المفهوم اللغوي هو الاعتدال والوقوف على مسافة واحدة من طرفي النزاع والخصومة ، والوسيط الذي لا يتوافر فيه هذا الشرط ، لن يكون وسيطا نزيها ولن يعمل ما يرضي الطرفين ويرضي ضميره هو فقط يسعى لترميم العلاقة بين المتخاصمين ، دون أن ياخذ في الاعتبار الثغرات والفجوات التي قد تعيد الخصومة إلى المربع الأول .
والوسيط ثلاثة انواع :
وسيط متبرع ، ووسيط مكلف ، ووسيط مطلوب .
فإذا كان متبرعا مبادرا ، فعليه أن يكون نزيها وعلى مسافة واحدة من المتخاصمين ، وأن يملك ادوات الضغط على الطرفين ، وان يملك أوراقا ضاغطة لمحاسبة المتمرد والرافض والناكث ، وأن يملك أدوات لعقاب الظالم نصرة للمظلوم .
أما الوسيط المكلف ، فيتم تكليفه من طرف قوي له خصوصية ونفوذ ، ويتم هذا التكليف بناء على رغبة المكلًف في أن يكون بعيدا لعدم ثقة أحد الاطراف المتخاصمين في دوره ، كما إنه يملك نفوذا على من كلفه ، وهو يعلم تمام العلم بان الوسيط المقترح يستطيع الضغط على طرف واحد ، ليصل إلى تسوية غير عادلة ، بينما لا يملك سلطة او نفوذا على الطرف الآخر ، فتنزلق وساطته نحو الإملاء ويصبح طرفا في الخصومة ، مهما كان الاسم الذي يحمله او الصفة التي ينتحلها .
واما الوسيط المطلوب ، فيطلب من طرفي الخصومة او أحدهما ، ثقة فيه وفي نزاهته ، وقدرته على تنفيذ ما يراه مناسبا لانهاء الخصومة ، وعندما يكون الوسيط مطلوبا من الطرفين فإن إمكانية الوصول إلى تسويات عادلة تكون أقوى وأعلى .
لقد دخلت كلمة الوساطة والوسيط إلى المعجم السياسي المعاصر ، وأصبحت بعض الدول لها صفة الوسيط في كل خصومة ونزاع ، ولكن ما يوسف له أن هذه الدول هي وسيط مكلف من سيد أقوى ، ولذلك تنتهي وساطاتها بالفشل الذريع او الفشل السريع ، او النجاح المتواضع الذي سرعان ما تتآكل نتائجه لانه ملغم بالانحياز والظلم والترميم المتسرع ، والضغط على الطرف الأضعف في الخصومة ، وهذا في الواقع ما يريده الطرف المكلف ( بكسر اللام وتشديدها ) لانه في الأساس طرف خفي في الخصومة لم يجد مسوغا لتقمص دور الوسيط .
هل الوسيط العربي متطوع او مطلوب او مكلف ؟؟ سؤال لمن يعنيه الامر .
ان الوسيط الذي يحترم نفسه لا يقبل أن يكون ممسحة زفر لاي طرف من الأطراف المتخاصمة ، وعليه أن يملك أوراقا ونفوذا لالزام الطرف المتفلت والناكث للتعهدات ، وإن عجز ، أن يعلن على الملأ أنه لا يقبل هذا الدور لأن احد الطرفين ( سود وجهه) ولم يلتزم بما وصلت اليه جهود وساطته .
الوسيط العربي في الغالب مكلف . لديه خطوط حمراء لا يستطيع تجاوزها ، ويتلقى التعليمات ممن كلفه بهذه المهمة ، وهي مهمة أقرب إلى ( ...... ) منها إلى الوسطية والاعتدال والعدل .
ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه.
د. احمد عرفات الضاوي .