أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، المأساة المستمرة. (٢)
في الجزء الأول من هذه المقالة قدمنا عرضاً موجزاً لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ احتلال فلسطين وحتى اليوم، وفي الجزء الثاني سوف نتطرق لشرح الظروف المعيشية الراهنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان. لقراءة الجزء الأول
في الجزء الأول من هذه المقالة قدمنا عرضاً موجزاً لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ احتلال فلسطين وحتى اليوم، وفي الجزء الثاني سوف نتطرق لشرح الظروف المعيشية الراهنة للاجئين الفلسطينيين في لبنان. لقراءة الجزء الأول إضغط هنا.
لا تتوفر دراسات دقيقة وموثوقة حول الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، ومرد ذلك إلى ظروف لا تقل تعقيداً عن قضية اللاجئين نفسها. وتختلف الأرقام بشكل ملحوظ بحسب الجهة التي تقوم بالدراسة، وبحسب زمان الدراسة. ومع ذلك فثمة إجماع على سوء الوضع المعيشي للاجئين.
يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين القاطنين (الموجودين في ذلك الوقت) في لبنان ١٧٤ ألفاً بحسب إحصاء لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عام ٢٠١٧، بينما تشير الأونروا إلى أكثر من ٤٨٠ ألف لاجيء مسجل لديها، وفي بعض المصادر تصل التقديرات إلى ٦٠٠ ألف لاجيء. وفي مسح أجرته الجامعة الأمريكية بالتعاون مع الأونروا عام ٢٠١٠ قدر عدد اللاجئين القاطنين في لبنان بين ٢٦٠ و ٢٨٠ الفاً.
إن هذا الإختلاف يعود إلى جملة عوامل أهمها الحركة الدائمة للاجئين وعدم استقرارهم في الدول التي يتنقلون بينها بحثاً عن فرص عمل. فإن الأحداث السياسية والعسكرية التي تعصف بالمنطقة تجبر اللاجئين على تغيير مكان اقامتهم بإستمرار وخلال ذلك لا بد من عودتهم إلى مقر لجوئهم في لبنان بإنتظار فرصة سفر أخرى.
تأثر اللاجئين الفلسطينيين بأحداث حرب الخليج في تسعينيات القرن الماضي، حيث اضطروا باعداد كبيرة لمغادرة كل من الكويت والعراق، يضاف إليهم المغادرين من ليبيا إثر الحصار الاقتصادي المفروض عليها وموقف ليبيا من اتفاقية أوسلو. وقد ترافق ذلك مع إغلاق دول الخليج أبوابها أمام اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
هذه العوامل وغيرها، بالإضافة إلى توقف الإيرادات التي كانت تأتي من تلك الدول، أدت إلى تراكم غير مسبوق لليد العاملة الفلسطينية في مخيمات لبنان وبالتالي زيادة الضغط على الموارد المتاحة لهم. ترافق ذلك مع تصاعد التشديد على اللاجئين الفلسطينيين من قبل الدولة اللبنانية، فكما ورد في "مشروع الخطة الوطنية لحقوق الإنسان" الذي نشر على موقع مجلس النواب اللبناني عام ٢٠١١، فقد فرضت الحكومة اللبنانية "على الفلسطينيين الذين كانوا خارج لبنان بتاريخ 1/6/1995 الحصول على تأشيرة دخول إلى لبنان من السفارات والبعثات القنصلية اللبنانية في الخارج، وقد أدى تطبيق ذلك القرار إلى خلق مآسي إنسانية حقيقية لعدد كبير من الفلسطينيين الذين علقوا في المطارات أو احتُجزوا على الحدود البرية للبلدان العربية...
مع الإشارة إلى أن هذا القرار لم يُنشر في الجريدة الرسمية بحسب الأصول وإنما نشر في الصحافة فقط وتم إلغاؤه لاحقاً في عهد حكومة الرئيس الحص في 12/1/1999."
وفي ما يتعلق بحق العمل ورد في المشروع آنف الذكر أنه "في حين أعفت التعديلات الأخيرة العامل الفلسطيني اللاجىء من رسم إجازة العمل إلا أنها أبقت على شرط حصوله على إجازة العمل باعتباره أجنبياً في نظر القانون اللبناني، في حين يظل القانون غامضاً في ما يتعلق بآلية الحصول على إجازة العمل والمستندات المطلوبة للحصول عليها مما يعرّض معظم العاملين الفلسطينيين إلى استغلال أصحاب العمل."
وتعليقاً على حرمان اللاجئ الفلسطيني من حقه في تملك العقارات في لبنان تقول الوثيقة: "كما أن القانون رقم 296/2001 ينتهك بشكل صريح التزامات لبنان الدولية لأنه يخالف الأحكام الأساسية التي التزم بها لبنان بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، والمعاهدة الدولية لاستئصال كافة أشكال التمييز العنصري..."
الدولة اللبنانية، بكل مكوانتها، تعترف صراحة بكل تلك الحقائق، وترفع التوصيات تلو التوصيات لاقرار الحلول اللازمة لاقرار حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ولكن تسير الأمور عكس ذلك. ففي ١٠ تموز ٢٠١٩ وتحت شعار "خطة تنظيم العمالة الأجنبية" أصدر وزير العمل اللبناني كميل أبوسليمان تعليمات لملاحقة العمال الأجانب الغير حاصلين على إجازات عمل بدون أن يستثني من ذلك العمال الفلسطينيين. ولما كان العامل الفلسطيني عاجزاً فعلياً عن الحصول على إجازة العمل بسبب عدم وجود المراسيم التطبيقية لقانون العمل المعدل عام ٢٠١٠، وهذا ما حذر منه مشروع مجلس النواب عام ٢٠١١ كما ذكرنا سابقاً، فقد اندلعت تحركات شعبية واسعة النطاق في المخيمات الفلسطينية وبعض المدن اللبنانية شارك فيها فلسطينون ولبنانيون.
تميزت التحركات الشعبية ضد إجراءات وزير العمل اللبناني بالحشد الشعبي الكثيف والغير مسبوق وبحسن التنظيم والانضباط والالتزام بحدود التحرك الاحتجاجي السلمي، وبالإستمرارية حيث أنها لم تتوقف إلا مع بداية الحركة الاحتجاجية اللبنانية التي مازالت مستمرة حتى اليوم.
إن احتجاجات المواطنين اللبنانيين القوية على أوضاعهم الإقتصادية الصعبة والتي تلت الاحتجاجات الفلسطينية على إجراءات وزير العمل، يمكن اعتبارها مؤشراً مهماً على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين الأكثر صعوبة، والتي تصل لدى عدد كبير من العائلات الفلسطينية إلى حد فقدان القدرة على تأمين الحد الأدنى من الغذاء وحليب الأطفال.
وإن أكثر ما ميز تحركات اللاجئين الفلسطينيين احتجاجا على إجراءات وزير العمل اللبناني هو انطلاقها من أرضية شعبية غير مسيسة، وكان على المرجعيات السياسية الفلسطينية أن تلحق بالركب الشعبي الهادر... وهي ظاهرة لم يشهدها المجتمع الفلسطيني من قبل، وهذا بحد ذاته هو مؤشر آخر على مستوى القهر الذي وصل إليه اللاجئ الفلسطيني في لبنان.
وفي كل ذلك تبدو علامات النضج والوعي الشعبي واضحة جلية للعيان، في الحراكين اللبناني والفلسطيني على حد سواء، فثمة أوجه شبه كثيرة في الأداء، ولا أحد يريد العودة إلى أنغام الحرب الأهلية ومآسيها. وهذا الفهم هو ما أوقف الاحتجاجات الفلسطينية فور ابتداء الاحتجاجات اللبنانية حتى لا يكون هناك تداخل واستغلال للأحداث. وربما هو نفس الفهم الذي ابقى الفلسطينيين واللبنانيين بعيداً عن حمى الربيع العربي.
-يتبع-
حسام شعبان