ذوبان وجع الحياة في ألم العشق في قصيدة "لا تنحَنِ... انهَضْ

يعد النص الشعري من أكثر النصوص تعقيدا، فهو نص "يتداخلُ فيه الذاتيُّ والموضوعيُّ والفرديُّ والجماعيُّ والواقعيُّ والتخييليّ". (1) ومن الملاحظ إنَّ هناك من الشعراء ما يزالون يكتبون بالوزن والقافية

ذوبان وجع الحياة في ألم العشق في قصيدة "لا تنحَنِ... انهَضْ
ذوبان وجع الحياة في ألم العشق في قصيدة "لا تنحَنِ... انهَضْ

تعريف بالشاعر
أنوار أومليلي - شاعر من المغرب -تاريخ الميلاد: 29_5_1994- من منطقة الريف الحسيمة - يكتب الشعر منذ الصغر بكافّة أشكاله، منه: (العمودي، التفعيلة، والموشّحات) ويميل إلى الموسيقى الشعرية والإتقان في اختيار الألفاظ العذبة - وخبير في ( العروض الشعرية ) حصل على جوائز عدّة، محليّة، وكُرّمت في عددٍ من المهرجانات الأدبيّة والثقافيّة - لديه ديوان شعر على وشك الطباعة بعنوان (تَجَاوِيدُ الْكَلِمَات.) ..
وهذا نقدنا على إحدى قصائد الشاعر أنوار أومليلي المغربي بعنوان " لا تنحَنِ - انهض".


نقد/ أمين دراوشة - وأيمن دراوشة.

يعد النص الشعري من أكثر النصوص تعقيدا، فهو نص "يتداخلُ فيه الذاتيُّ والموضوعيُّ والفرديُّ والجماعيُّ والواقعيُّ والتخييليّ". (1) ومن الملاحظ إنَّ هناك من الشعراء ما يزالون يكتبون بالوزن والقافية بأسلوب حداثي رشيق، وليس الشعر وزن وقافية، فهناك مقطوعات شعرية ترتكز على الإيقاع الداخلي، في قصيدته ينجح الشاعر الشاب بإيقاعاته المتنوعة، إيقاعه اللفظي، والحسي، والخارجي، ولكنه يمنح أبياته إيقاعا داخليا حقيقيا، والإيقاع الداخلي هو "نبض التصور الإبداعي عند الكاتب ومدى الحرارة ومدى الصدق الفني ومدى الفيض الوجدني الذي يعبر به كتابةً". (2) 
ولا ننسى اللغة الشفافة الموحية التي استخدمها الشاعر ليعبر عن "هذا الفيض بصورة فنية جميلة عالية المستوى". (3) 
آثر الشاعر في مقطوعته الابتعاد عن غموض الحداثة، وغريب الألفاظ فجاءت المفردات واضحة، ولم يمنع ذلك عند التحديق في الأبيات أن نرى شاعرا قديرًا، يبحث عن أسلوبه الخاص. 
يقول في استهلاله على الكامل وهو من البحور الصافية متفاعلن – متفاعلن - متفاعلن
"قالتْ أحبّكَ: قلتُ حبّكِ خنْجَرُ
قالتْ: لمـاذا؟ قلـتُ: لا أتذكَّـرُ
هذَا شُعوري،، هكَذا أحسسْتُ لَا
تسْتَغْربـي،، إنّـي أحـسّ وأشعُـرُ".
فالحبيبة تحس بتغير الشاعر نحوها، وعن طريق الحوار الذي هو من أصعب الأساليب التي ينتهجها الشاعر العمودي والحاذق الخبير في الوزن الشعري، إضافة إلى المراوغة في اللغة، وهو الأسلوب الذي اعتمده الشاعر أنوار أومليلي في كتابته هذه القصيدة الوجدانية، والتي اتخذها نهجًا له، كما أنها الجواب لسؤال الحبيبة عن تجاذب أحاسيسه تجاها، فهو يشعر بتغير نحوها، بل إن حبَّها تحول إلى أداة لتعذيبه، وتستغرب هذا القول منه، وتذكره بأيامهما الجميلية، التي كانوا يغرقا فيها في اللذة، ويشربا من نهر الغرام الدافق.
"قالتْ لديْـكَ سرائـرٌ مـدفـونَــةٌ
لكــنّ عيْنَــكَ بالحقائــــقِ تجهَرُ
مَاذَا هُنَاكَ،، ألسْتَ تـذْكُـرُ عِزَّنَا
ومخَـابئًـــا كنّـــا بهَــــا نتـستَّـرُ
كنّــا نشــاركُ سـرّنَـا وغـرامَنـا
مـعَ بعضِنـا فيهَـا،، وحينًا نسهَرُ
لِلَّهِ يا أنــوارُ كيـفَ نسيْتَـنِي
أتـــوَدّ تعـذِيـبِـــي،، ألَا تتأثّـرُ؟".
وتعاتبه على تغيره، فهو أيضا قادر على إصابتها بالوجع، فهل هذا ما يبحث عنه؟ ويتصف الشعر بالصفاء والانسيابية، والتدفق، فالقارئ سيشعر بانجذاب قوي يجبره على القراءة دون توقف، للوصول لمرحلة النشوة أو نهاية الدفقة الشعرية، ومما يشد القارئ لغة الحوار التي تعتمد على صوتين يتجادلان.
"فأجبتُها والدّمعُ يلسَعُ وجنَتِي
- هيفَـاءُ: يـا روحِـــي،، أنَـا لَا أنكُرُ
لكنّنِـي مـنْ هـذِهِ الدّنيَا أنَـا
جـدًّا تعبْـتُ،، مشَاكلـي لا تُحصَرُ
ونسيْتُ أصحَابي،، نسيْتُ سعادَتِي
ونسيْــتُ كُـلّـي،، والزّمــانُ مُكدّرُ
لا نـوْمَ هـدْهـدَنـي،، وأنتِ حبيبَتي
لمْ تسأَلِي،، وتركتِني أتحسّرُ
فبكيْتُ والأوجَاعُ تنخُرُ أضلُعِي
والنّزْفُ منْ قلْبِ الهوَىٰ يتقطّـرُ".
يخبرها الشاعر عن همومه التي لا تنتهي، فالحياة أخذته يمينًا وشمالا بمشاكلها ومصاعبها، حتى إنه نسي نفسه في خضم هجمات الزمان الغادر، فهجرة النوم، واجتاحه القلق، ونظر حواليه فلم يجدها، وهي الوحيدة القادرة على إطفاء نيران أوجاعه وهمومه.
فمن قلب الحب يولد حزن أصيل، ورغم العتاب لا يجد من يلجأ إليه سوى صدر الحبيبة الدافئ، وإن الضعف لا يستويه بل الحياة بمباهجها، ولا علاج لشقاء الحياة إلا بالقتال والحب، والاعتصام بجسد الحبيبة، فتجيبه بأسى:
"وأتتْ وقالَتْ والأنينُ يُذيبها
أنوارُ!! ما بِكَ يا حيـاتِـي تجْأَرُ
أَوَلَمْ تقُلْ لِي أنّ قلبَكَ عـزمُهُ
كاللّيْــثِ،، لا يَعنـو ولا يتقهْقَـرُ
أوَلَمْ تقُلْ لِي أنّ صبرَكَ صامِدٌ
كالقدْسِ،، رغمَ ظروفهَـا لَا تُكسَرُ
أيْنَ الشّموخ وأينَ قوّتُكَ الّتِي
لَا تنثَنــي للنّائبَـــاتِ وتقْهَرُ
آهٍ عليْكَ غضنْفَرِي ومُشاغبي 
لا تنْحنِ انْهضْ،، دعْ طموحَكَ يثمِرُ".
لا شيء أكثر من عاطفة الحب شغلت الشعراء منذ القدم ولغاية الآن. ويكاد لا ترى ديوانًا لا يحوي الكثير من قصائد الحب وما يرافقه من وصال ولوعة الفراق. والحب هو "هذه القوة السحرية التي تنبثق من أعماق الذات فتضيء جوانبها فتجعلنا نرى العالم حلمًا جميلا". (4)
فلا مجد أو نهضة أو رقيا أو حرية بغير الحب.


يعبِّر شعر أنوار عن العاطفة الإنسانية والإحساس المرهف، والموسيقى العذبة، لتخلد الشعر وتلذ النفس سماعه. وكما يقول وردزورث: "الشعر هو التعبير الخيالي لشعور عميق داخلي يكون موسيقى الأداء لأنه فيض عفوي للعواطف القوية تنساب للشاعر بهدوء". (5) فهو يرى أنَّ الشعر يعبر عن العاطفة الصادقة، والإحساس العميق...يتمتع به البشر لأن صورة تنساب إلى القلب بخفة...ويثير العواطف ويبهجها.
حاول الشاعر المحافظة عى البناء المحكم للقصيدة، فهي تدور حول موضوع واحد، رغم إيحاء بعض التشبيهات، فالقصيدة وجدانية خالصة، تتناول علاقة الشاعر بحبيته، التي تطالبه بعد لخضوع للواقع والصمود، فإذا كان الواقع لا يرضيك، عليك أن تقاتل لتغيره.
نجح الشاعر في خلق عالم شعري رمزي يحاكي الواقع المر، ويفارقه، وبتعبير آخر "تنقّح هذا الواقع، وتنفي عنه دمامته، وتعبر عن الناهض فيه، وتتنبأ بالقادم، فكأنها مزيج من الواقع والحلم معا". (6)
وهذا حال الشاعر، فهو لا يعرف السكون والاستسلام، ويناضل من أجل غد أفضل، والحب وحده لا يكفي، ينسى الشاعر والنسيان دواء، يخفف الآم الذكريات، وتزدهر أحاسيسه
"فتجمّدَ الدّمعُ الغزيرُ بقولِهَا
ونهضْتُ،، والشّجعَانُ مثلِي تصبِرُ
وإذَا انْحنيْتُ فكبـريَـائِـي شأنهَا
مثْـلَ الجبَـالِ الشّاهقَــاتِ وأكبَـرُ
وإذَا انْثنيْتُ كرامَـتِي لَـا تنـثَـنِـي
صلْدٌ عـلَـى كـلِّ الكسُـورِ وأوعَـرُ".
فالشاعر يشعر بدفقة قوة، تمنحه التماسك، ويقف كالجبل في مواجهة نوائب الدهر، تعبر القصيدة عن حياة أثر فيها الزمن، وعلى الرغم إنها تعبر عن تجربة ذاتية إلا أنها تسقط الضوء على مساحات معتمة في داخل الإنسان، وعن سعيه من أجل الخروج من ضائقته، وتحقيق ما يصبو إليه. يطمئن الشاعر محبوبته، بثائه على جمالها وسحرها، يقول: 
"فأجبتُهَا مـنْ بعدِهَا بقصيدَةٍ
فيهَا ثنـاءٌ،، والقـوَافِـي عنبَـرُ
- عينَاكِ تخدِيرٌ وصوتُكِ غفوَةٌ
وهوَاكِ سلسَالٌ وحبّكِ سُـكّـرُ
وكذلِـكَ المسـوَاكُ فـاحَ نسائمًـا
مـنْ فِيـكِ أنفاسًـا،، أَشُــمُّ وَأُكْثِـرُ
أمّا خدودُكِ ذقْـتُ مِنْ فردَوْسهَا
شهْـدًا وأعنَابًـا،، ومنْهَـا الكـوْثَـرُ
لِلَّهِ يا هيفـاءُ،، وجهُــكِ مـشـرِقٌ
نـورٌ عـلَـى نـورٍ،، وكلّكِ جـوهَـرُ
والقـدّ لا يحتـاجُ أوصـافًـا،، ولَا
سـرْدًا،، ولـي في النّفْسِ ما لا يُنثَرُ
فتقرّبَتْ شـوْقًا إلـيّ وعانقَتْــ
ــنِي ثـمّ قالـتْ: هـلْ تـرَاكَ ستهجُـرُ
هـلْ سوْفَ تتـركـنِـي وتذهَـبُ مطلَقًا
وأنـا أرَىٰ كـهــوَاكَ لَا يتكـرَّرُ".
فأجبتُهَـا: لا تحـزَنِـي،، لا تقلَقِـي"
فالحقيقة أنَّ لا شعر دون امرأة، حتى وإن مثلت في القصيدة بصورة القسوة والغدر والخذلان، فالمرأة في النهاية هي مصدر الحب والحنان، وفي قلبها الواسع يمكن للغضب أن يرافق الوداعة والنعومة والصفاء. 
ففي القصيدة يعاني الشاعر من الأرق بسبب حبه العاصف، لدرجة عدم استمتاع الشاعر بمباهج الحياة. فحبه جعله يسير كالتائه في دروب الحياة. ولا يخرجه من ورطته سوى أن تطل كالنجمة ليأخذ ما يتزود به في حالة غيابها.
ويصل الشعر في وصف حبيبته إلى جعلها نموذجًا للجمال في وصفه لعينها وخدودها وفمها ووجها المشرق.
إنَّ الشاعر في هذه القصيدة  يفيض عذوبة، وكلماته كالنبع الذي يتدفق وجدانًا، فهو يعبر عن مشاعره بسلاسة لا يخالطها تكلف، فالصدق يسري في قلب القارئ، ويشارك الشاعر في كل ما مر به.
ونلخظ على شعره من السمو والعذوبة الصافية ما تعشقه النفوس الطاهرة، فغزله يدفعه إلى البحث عن الجمال الروحي، وما يرافقه من وجع ولذة.

أنـوارُكِ الوضّـاحُ لا يتغيّـرُ
حسنًـا: تأخّرنَا هنَـا يا حـلْـوَتِـي
واللّيل قدْ حجَـبَ النّهارَ وَمُقْمِرُ 
ماذَا نقولُ لأهلِنَا،، هيّا اذهَبِي
قولِـي لأهلِكِ زرْتُ جـدّي فاغفِرُوا ..
ويبث الشاعر في قلب حبيبته السكينة والرضا عندما يخبرها بأنه لا يمكن أن يتغير، فهي نسمة ترطب أيام حياته الشائكة، وتأتي نهاية القصيدة لتعبر عن اشتهاء للعودة إلى الماضي حيث الطفولة التي لا تعرف الألم ولا الهموم، وكذب المجبين للتغطية على حبهم الذي سيزهر يومًا.
تقوم القصيدة على حكاية بسيطة، ومناجاة النفس، ومحاورة الحبيبة، ولها أسلوبها المميز والأسلوب هو : "الذي يجعل الشعر شعرا، وعليه تنعقد آمال الشعراء وأحلامهم. وهو التشكيل الفني للغة، أي هو بنية مكونّة من عناصر شتى تتآزر متفاعله لتحقق شكل المعنى. لنقل...إنها بنية عضوية". (7)
فالشعر في وقتنا الحالي أصبح غريبًا بين أهله، يحتاج إلى معاجم لفهمه، وخسرت الكلمة دقات قلبها. فالكلمة بعد أن كانت الروح والجسد، انهارت في أتون عولمة تفترس لب اللغة، إنَّ المدينة الجديدة تتصف بالعنف، ويبدو أنها استولت على الإنسان وعقله وحريته. 
الصور في القصيدة ممتزجة ومتناسقة مكونة كيانا شعريًا مستقلا، وكل صورة لها نغمتها الخاصة. والنغمات مجتمعة تساهم في خلق عالم شعري، والشعر بالنهاية كما يقول روبتسن: "لغة الإحساس تصور ما لا قدرة لنا على تصويره من حدث لا طاقة لنا على وصفه، وإن علت مرتبة الشعر أو صغرت". (8) 
وهو سحر عذب يأخذنا من عوالم الظلمة إلى عالم النور، والرؤية.
إنَّ الشعر الحقيقي كما يقول أمل دنقل، هو الذي تحسه وتشعر به "عن طريق الوجدان أولا وليس عن طريق العقل. الشعر فن وصناعة في الوقت نفسه، واكتمال الصناعة لا يعني أن الإنسان صار شاعرًا، وكذلك الشاعر الموهوب، فبدون أن تستقيم له أدواته، أدوات الصناعة، يصبح شاعرًا غير مبين، لا يملك الإفصاح الكامل عن نفسه. فالقصيدة هي التي تكشف نفسها". (9)
وفي النهاية، فإنَّ الشعر القريب من القلب والمليء بالمشاعر الصادقة قادر على أن يخرجنا من واقع الحياة اليومي إلى حياة أرحب وأكثر جمالا.

الهوامش 

1- حسن مخافي. حدود الشعر وحدود التربية: التجاور والتنافر. في:الشعر والتربية تنسيق وتقديم خالد بلقاسم، المغرب: منشورات بيت الشعر ، ص 113.
2- مقابلة مع حسين مروة. في: جهاد فاضل، قضايا الشعر الحديث، بيروت- القاهرة: منشورات دار الشروق، د.ت، ص 427.
3- المرجع السابق نفسه.
4- محمد زكي العشماوي. "الرؤية المعاصرة في الأدب والنقد". بيروت: دار النهضة العربية. ط1. 1983م. ص 172.
5- يوسف عزّ الدين. التجديد في الشعر الحديث. دمشق: منشورات دار المدى للثقافة والنشر. ط2. 2007م. ص 46.
6- وهب رومية. الشعر والناقد، الكويت: منشورات عالم المعرفة، عدد 331، أيلول 2006م، ص 73.
7- المرجع السابق. ص 270.
8- يوسف عزّ الدين. التجديد في الشعر الحديث، مرجع سابق، ص 48.
9- جهاد فاضل. قضايا الشعر الحديث. بيروت: دار الشروق. دون تاريخ. ص 357.