ما دوَّنه الغُبار .. رواية الكاتبة دينا سليم حنحن
ما دوَّنه الغُبار، هو عنوان الرواية التاسعة للكاتبة الفلسطينية المغتربة الصديقة دينا سليم حنحن، الصادرة في أواخر العام الماضي 2021، عن دار ومكتبة كل شيء في حيفا لصاحبها الناشر صالح عباسي، وتقع في 500 صفحة من الحجم الكبير
ما دوَّنه الغُبار، هو عنوان الرواية التاسعة للكاتبة الفلسطينية المغتربة الصديقة دينا سليم حنحن، الصادرة في أواخر العام الماضي 2021، عن دار ومكتبة كل شيء في حيفا لصاحبها الناشر صالح عباسي، وتقع في 500 صفحة من الحجم الكبير.
ودينا كاتبة وروائية غزيرة النتاج، ولدت في مدينة اللد، عاشت في بيئة مختلفة، وحارة تعاني من الحزن والصمت، وتقيم منذ فترة طويلة بمنفاها الاختياري في استراليا، وهجرتها الأسترالية فجرت ينابيع الأدب والالهام والإبداع لديها. كتبت القصة القصيرة والرواية، فضلًا عن السيرة الذاتية فأبدعت، واستطاعت إثبات حضورها المستحق في المشهد الثقافي والإبداعي الفلسطيني، وما يميزها الجرأة في كتاباتها، ونجد هذه الجرأة ماثلة للعيان في قصصها ورواياتها. صدر لها ثمان روايات، هي: "الحلم المزدوج، تراتيل عزاء البحر، سادينا، الحافيات، قلوب لمدن قلقة، ربيع المسافات، جدار الصمت، ونارة".
تقول الكاتبة والناقدة نجمة خليل حبيب على الغلاف الخارجي للرواية: "من يتابع رحلة دينا سليم حنحن، الروائية المؤلفة من ثمان روايات، يشهد التطور الكبير الذي جرى في قصّها الذي تدرجت فيه، من رومانسية حالمة، مترفة، شاكية باكية منظلمة، مندهشة، إلى كتابة الرواية التاريخية الموثقة بالمصادر، دون أن تفقد رومانسيتها الشعرية التي تدهش وتلذ".
الرواية تسجيلية تصور ما تبقى مما دوَّنه الغُبار على مر السنين في الذاكرة الفلسطينية، وخاصة ما جرى من أحداث في مدينة اللد، وفيها تحكي تاريخ فلسطين، من ذاكرة المغلوبين، وبلسان أبناء اللد، التي ولدت فيها، وما أصاب أهلها مثلما أصاب غيرها من المدن الفلسطينية إبان النكبة، كما تصور معاناة شعبنا الفلسطيني، وما واجهه من تشريد وتهجير وترحيل غير حياته ومصيره للأبد.
إنها تقص وتسرد حكايا المقيمين في اللد سنة 1948، وما قبل ذلك وما بعده وفيه، وتحكي عن دفاع اللداويين المستميت عن مدينتهم، والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في مسجدها وتجميع الناس في كنيسة المدينة، والذين دفنوا أحياءً ومن بقي بين فكي المقاومة والاقتلاع.
والجدة جميلة هي بطلة الرواية الرئيسية التي تقص لحفيدتها حكاية أسرتها وعائلتها، حبها لرشدي ووقوفها إلى جانبه في معارك 1948 ووفائها اللامحدود له حتى وفاتها المأساوية المريرة، وتسرد جميلة لها قصة اللد ما قبل النكبة حين كانت الحياة بسيطة هادئة وهانئة، والعلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية متينة، فيما يروي سارد آخر ما كان في المجتمع اللداوي من فوضى وانتهازية وتسوّل وبطالة وسرقات وتهريب بضائع.
وفي سردها للأحداث تلجأ دينا إلى تقطيع الحدث الروائي من خلال أسلوب سردي تصويري رشيق، وجاءت عناوين الأحداث والامكنة في الرواية لتعبر عن شوق عاصف وحنين دفين له رائحة تشبه رائحة البلوط المشوي في المواقد وكوانين الحطب، وتمسح الغبار عن تلك العناوين المنسية واستحضارها ليتعرف عليها النشء الصاعد والأجيال الفلسطينية الجديدة.
وتحلق دينا بروايتها في سمو اللغة، وتواجه المكان وتيه الزمان، برواية تاريخية تعيد رسم المكان واستذكار الماضي وتشكيل الحاضر، وهي تريد أن تقول لنا في ملحمتها ان الرواية الفلسطينية أقوى من آلة التدمير العسكري الإسرائيلي.
لقد قدمت لنا دينا سليم حنحن رواية تسجيلية/ تاريخية ناجحة تجسد مأساة شعبنا الفلسطيني ومعاناته الإنسانية واختارت مدينتها اللد لتعبر عن هذه المأساة، التي تناولتها بقدر ما تمكنت معرفته سماعًا أو حضورًا وممارسة، فكانت صادقة ناطقة بواقعية تلامس الضمير والوجدان، وأعادتنا إلى الوراء وهي تحكي عن التاريخ الفلسطيني فنقلت الاحداث وكأنها تعيشها أو تراقبها بعينها، فعبرت بصدق عن الواقع والمعاش، وباعتقادي أن القصد ليس مجرد السرد والوصف والتاريخ بل أبعد من ذلك.
أنني إذا ابارك للصديقة الروائية دينا حنحن بصدور روايتها، وارجو لها النجاح والمزيد من العطاء والتطور والتفرد.