أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، المأساة المستمرة. (٤)
تختلف ظروف عمل الأونروا في لبنان عن باقي الاقطار التي تعمل فيها وتعد أكثر صعوبة نظراً للظروف الخاصة التي يمر بها البلد المضيف لبنان.
في الجزء الثالث ناقشنا مستوى أداء الأونروا وشفافيتها وما يدور داخل اروقتها، والآن نتطرق إلى الظروف المحلية والاقليمية والدولية التي تحيط بوكالة الأونروا. لقراءة الجزء الثالث إضغط هنا.
تختلف ظروف عمل الأونروا في لبنان عن باقي الاقطار التي تعمل فيها وتعد أكثر صعوبة نظراً للظروف الخاصة التي يمر بها البلد المضيف لبنان.
يعاني لبنان منذ استقلاله عن الانتداب الفرنسي عام ١٩٤٦ من اضطرابات سياسية متواصلة تعود جذورها إلى تركيبته السكانية متعددة الطوائف، مما انعكس سلباً على حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ومرد ذلك إلى تخوف بعض الاقليات اللبنانية من مشاريع قد تؤدي إلى توطين اللاجئين في لبنان وبالتالي الاخلال بالتوازن الطوائفي فيه.
وقدمنا في الجزء الأول والثاني شرحاً لسياسة الدولة اللبنانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين وحرمانهم من الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، وذلك كله ينسحب على علاقتها مع الأونروا التي لم يتم تحديد معالمها بوضوح حتى الآن، فيما تسعى الحكومة اللبنانية منذ سنوات لإنجاز إتفاقية تحدد طبيعة تعاملها مع الأونروا.
بخلاف الوضع في لبنان تقدم الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين مثل الأردن وسوريا خدماتها التي تقارب ما تقدمه لمواطنيها في مجالات التعليم والصحة ولا يوجد فيها تمييز يذكر من ناحية الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، مما يخفف كثيراً من الأعباء الملقاة على عاتق الأونروا.
وقد فرضت أحداث مخيم نهرالبارد عام ٢٠٠٧ والتي أدت إلى تدمير المخيم بالكامل تعاوناً استثنائياً بين الحكومة اللبنانية والأونروا تمخض عن مشروع مشترك لإعادة إعمار المخيم، حيث تقدمت الحكومة اللبنانية بمشروعها إلى الدول المانحة بالتشارك مع الأونروا التي بدورها ساهمت بإنجاز جزء كبير من الدراسات اللازمة للمشروع.
ويتأثر أداء الأونروا بشكل مباشر بالظروف التي يعانيها لبنان، سواء كانت سياسية أو أمنية أو سلوكية، وإن المستوى المرتفع للفساد في لبنان يقابله مستوى أكثر ارتفاعاً في وكالة الأونروا وقد قدمنا لذلك في الجزء السابق.
وبالإضافة، فإن الأحداث التي ما زالت تعصف في الشرق الأوسط، وأهمها ما يحدث في البلد المجاور سوريا، قد أثرت بشكل سلبي وكبير على مستوى الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين في لبنان. فمع نزوح عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى مخيمات الفلسطينيين في لبنان وزيادة الضغط على الموارد الشحيحة المتوفرة فيها تشهد ميزانية الأونروا المزيد من تقليص الخدمات المقدمة لتلك المخيمات.
لقد أنهينا الجزء السابق من هذه المقالة بسؤال هام: هل الفساد في الأونروا هو سياسة دولية عليا مقصودة ومفروضة ولا مفر منها؟ وكان المقصود من السؤال تبيان الأطراف المساهمة في صناعة الظروف المنتجة للأوضاع التي تحدثنا عنها.
وفيما يميل اللاجئ الفلسطيني إلى الاحتجاج ضد ممارسات الدولة اللبنانية وضد إدارة الأونروا، يذهب السياسيون إلى أبعد من ذلك في البحث عن الجذور المسببة لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين لأكثر من ٧٢ عاماً وما زالت.
فقد تأسست الأونروا نهاية نهاية عام ١٩٤٩ بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة ووكلت باغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لمدة ثلاث سنوات ريثما يتم حل قضيتهم. وبغياب الحل لقضية اللاجئين ما زالت الأونروا تحصل على تمديد ولايتها كل ثلاث سنوات. والمسؤولية هنا بالتأكيد تقع على الأمم المتحدة.
ومع تتابع مناشدات الأونروا للدول المانحة بتوفير الحد الأدنى من التمويل اللازم للأونروا للقيام بمهامها، وتخصيص ميزانية ثابتة للوكالة بدلاً عن المبالغ الطوعية والغير ملزمة التي تقدمها الدول المانحة منذ تأسيس الأونروا، وبدلاً من الاستجابة لتلك المناشدات اقدمت الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٨ على حجب كامل تمويلها عن الأونروا وبذلك خسرت الأونروا أكبر الداعمين لميزانيتها.
وترافق ذلك مع حملة تشهير بالأونروا ودعوات لانهاء خدماتها واعتبارها عاملاً من عوامل ادامة الصراع في الشرق الأوسط.
وترافق ذلك ايضاً مع محاولة تمرير صفقة تسوية سميت بصفقة القرن يتم بموجبها التخلي كلياً عن قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها قسراً عام ١٩٤٨.
وترافق ذلك ايضاً مع ضغوط وتهديدات أمريكية إرهابية لحكومات عربية لاجبارها على تطبيع علاقاتها مع كيان الاحتلال في فلسطين والتنازل عن كل الحقوق المعترف بها دولياً للشعب الفلسطيني. وكان من نتائج ذلك قيام دولة الإمارات العربية بحجب تمويلها المعتاد عن الأونروا في العام الأخير.
وفي هذا المجال تتعرض الدولة اللبنانية حالياً إلى حصار اقتصادي ومالي غير مسبوق أدى إلى انهيار عملتها لمستويات خطيرة، وتبدو التدخلات الخارجية بشؤون الدولة اللبنانية واضحة وعلنية، وما زالت الحكومة اللبنانية تتمسك بمواقفها الرافضة للتسوية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
هذا العرض السريع يشير بوضوح إلى سياسية دولية تستهدف وجود الأونروا، وإلى أن العديد من الدول المتنفذة في السياسة العالمية تنظر إلى الأونروا من باب تحقيق مصالحها السياسة وليس من باب كون الأونروا مؤسسة إنسانية دولية إغاثية وتشغيلية.
ومن هنا فلا بد أن نعيد النظر إلى تحقيقات الفساد والإقالات لكبار الموظفين في الأونروا من مدخلها السياسي، حيث لم يعد مسموحاً لأي موظف حتى مجرد التفكير باصلاحات بنيوية في هياكل الأونروا ومفاصل عملها، ناهيك عن إعلان المواقف الجريئة في ما يخص المظالم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
وبكلام آخر، ما تطلبه القوى المتنفذة من إدارة الأونروا هو رعاية الفساد وتنميته للحد الذي يؤدي بالأونروا إلى الموت السريري والتحلل التلقائي.
وهذا ليس ببعيد عن ما يحدث حول القضية الفلسطينية بشكل عام من تدمير بنية الدول الداعمة لحق الشعب الفلسطيني بشتى الطرق العسكرية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية.
هذه السياسة الرعناء تقابلها سياسة أكثر عقلانية من دول مؤثرة في السياسة العالمية تنظر إلى العواقب التي يمكن أن تنتج عن زيادة تأجيج الصراع في الشرق الأوسط، وبالتالي تلك الدول تحشد لدعم الابقاء على وجود الأونروا، ولكن في المقابل لا تقدم ما يكفي من الدعم المادي لتمكين الأونروا من القيام بدورها الإنساني بشكل أفضل.
وهنا لا بد أن نشير إلى تكامل العاملين، الداخلي والخارجي، لإنتاج أسوأ وضع تمر به الأونروا منذ تاسيسها. وإن كان موقف الدول المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني مفهوماً في سياق الصراعات العالمية فالغموض الكثيف يكتنف ممارسة إدارة الأونروا والاطراف المؤيدة.
إن تثبيت أقدام الأونروا والحفاظ على استمراريتها يتطلب جهداً استثنائياً من إدارتها والاطراف المؤيدة للأونروا لتحصين وضعها الداخلي ورفع مناعتها، وهذا يتطلب تغييرات جذرية في أساليب عملها وسياساتها التقليدية المتبعة، ولا يمكن تحقيق ذلك بدون مساعدة وتعاون الأطراف الصديقة المحيطة بالأونروا.
وأسوأ أوجه الفساد هو ذلك الذي يحاول استغلال الوضع القائم حول الأونروا للتغطية على فشله وإهماله وسوء اداءه بحجة أن التطرق لمثل هذه الأمور يسيء إلى سمعة الأونروا، بل أن مثل هؤلاء هم من جعل سمعة الأونروا على المحك، والداء لا يداوى بالداء وإنما بالدواء.
وفي وسط هذا كله تبقى معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على وتيرة متزايدة، يزيد من وطأتها انتشار فيروس كورونا وحصاد نسبة عالية من أرواح اللاجئين الفلسطينيين بعد التخلي عنهم من قبل جميع الجهات المسؤولة عن حمايتهم.
كل ذلك يحدث في ظل ضعف فلسطيني شامل وغياب أصحاب القرار عن مسرح الأحداث، وهذا فيه حديث لاحق.
-يتبع-
حسام شعبان