أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، المأساة المستمرة. (٣)

يبدو سلوك الأونروا من حيث الشفافية ومصداقية الإعلام على النقيض تماماً بالمقارنة مع ما اوجزناه سابقاً، ففي حين تعلن الدولة اللبنانية من خلال مؤسساتها المختلفة وبصراحة تامة عن معظم الثغرات التي تتخلل علاقتها باللاجئين الفلسطينيين وتعمل بإستمرار على وضع الحلول النظرية وإن كانت لا تنفذ على أرض الواقع، في المقابل نجد أن الأونروا تستخدم اسلوب إعلامي منمق وتتحايل في تقاريرها لإخفاء الحقائق. 

أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، المأساة المستمرة. (٣)
أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، المأساة المستمرة. (٣)

في الجزء الثاني أوجزنا الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان من ناحية علاقتها بالدولة اللبنانية، وفي هذا الجزء الثالث نتطرق لمستوى أداء الأونروا في هذا الجانب، ثم بعد ذلك نتابع مع الظروف المحلية والدولية المحيطة بالأونروا. لقراءة الجزء الثاني إضغط هنا.

"وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) تعرف عن نفسها كالتالي: "في أعقاب النزاع العربي الإسرائيلي عام 1948، تم تأسيس الأونروا بموجب القرار رقم 302 (رابعا) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين. وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر أيار عام 1950.

وفي غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران 2023."

يبدو سلوك الأونروا من حيث الشفافية ومصداقية الإعلام على النقيض تماماً بالمقارنة مع ما اوجزناه سابقاً، ففي حين تعلن الدولة اللبنانية من خلال مؤسساتها المختلفة وبصراحة تامة عن معظم الثغرات التي تتخلل علاقتها باللاجئين الفلسطينيين وتعمل بإستمرار على وضع الحلول النظرية وإن كانت لا تنفذ على أرض الواقع، في المقابل نجد أن الأونروا تستخدم اسلوب إعلامي منمق وتتحايل في تقاريرها لإخفاء الحقائق. 

على سبيل المثال تذكر الأونروا في تقريرها السنوي الأخير لعام ٢٠١٩ والذي لم ينشر حتى ٢٦ حزيران ٢٠٢٠ (التقرير السنوي ٢٠٢٠ لم ينشر حتى الآن)، تذكر أنه "حســب نهايــة العــام 2019، وبعــد مــرور 12 عامــاً علــى التدميــر  الكامــل تقريبــاً لمخيم نهــر البــارد، تم الانتهــاء مــن إعــادة إعمــار  المخيم بنسـبة 68 ٪. وعلـى الرغـم مـن هـذا النجـاح، لا تـزال الأونروا  تواجـه عجـزاً قـدره 51 مليـون دولار أمريكـي لاسـتكمال إعـادة بنـاء  المخيم بالكامـل."

إن المتتبع لبيانات الأونروا منذ ١٢ عام سيجد أن الأونروا لم تواجه عجزاً في تمويل المشروع طيلة تلك الفترة، بل أن الأموال التي قدمت من قبل الدول المانحة كانت أكثر من اللازم في كل مرحلة، والحقيقة التي تخفيها الأونروا في هذا التقرير تتخلص في أنها لم تنجز حتى الآن الخرائط الهندسية لاستكمال الإعمار، وبناء على ذلك فهي لا تستطيع طلب المزيد من الأموال من المانحين قبل أن تتمكن من تحديد أوجه صرفها. وإن وصف مبلغ ٥١ مليون دولار المقدرة لاستكمال الإعمار بأنه عجز هو من باب التعمية على الحقيقة ومحاولة لإظهار أن المسؤولية في تأخير المشروع تقع على المانحين وليست على سوء أداء الأونروا وفساد إدارة المشروع. 

وفي حين أن المخطط التوجيهي الوارد في التقرير المقدم من الحكومة اللبنانية للدول المانحة في فيينا عام ٢٠٠٨، والذي شاركت الأونروا في إعداده، يحدد فترة ثلاث سنوات لإعادة إعمار مخيم نهرالبارد، في حين ذلك تعتبر الأونروا في تقريرها الأخير أن إنجاز ٦٨٪ من المشروع خلال فترة ١٢ عام يعد نجاحاً، بدل أن يكون فشلاً ذريعاً، وهذا ينطبق على معظم النجاحات التي تدعيها الأونروا. هذا مع العلم ان فترة الثلاث سنوات المحددة في المخطط التوجيهي تراعي احتمالات التأخير التي يمكن توقعها عادة في مشاريع مشابهة. 

وفي نفس الوقت يغفل تقرير الأونروا مئات التحركات الشعبية من قبل المستفيدين خلال تلك السنوات احتجاجاً على فساد إدارة المشروع وعلى المماطلة المملة التي تسببت بخسائر مادية ومعنوية فادحة للسكان الذين لم يعودوا إلى بيوتهم بعد ١٢ عام من التهجير، وفي نفس الوقت عادت بالفائدة على الموظفين العاملين في المشروع.

وفي موضوع آخر يذكر تقرير الأونروا أنه "خـلال الفتـرة المشـمولة بالتقريـر، واصـل أربعـة موظفيـن محليـين مــن موظفــي المســاءلة أمــام الســكان المتضرريــن، يعملــون فــي  أربــع مــن المناطــق الإداريــة الخمــس فــي لبنــان، جمــع التعقيبــات  مـن اللاجئـن الفلسطينيين مـن خـلال مناقشـات فـي مجموعـات  تركيـز وإجـراء رصد منتظـم لوسـائل التواصـل الاجتماعي. سـاعدت  هــذه الآليــات مكتــب إقليــم لبنــان علــى بنــاء علاقــات قويــة مــع  مجتمعــات اللاجئـيـن قائمــة علــى أســاس الثقــة، ممــا شــجع  اللاجئين علــى توجيــه بواعــث قلقهــم وطلباتهــم وتعقيباتهــم  إلــى الأونــروا."

هذه الصورة الراقية في أداء الأونروا تناقضها المواقع الإخبارية التي تزخر بتغطيات الاحتجاجات الشعبية والرسمية ضد الممارسة السيئة للأونروا في كل مجالات خدماتها والتي تظهر إنعدام كامل للثقة بين الطرفين.

ورغم تواصل موظفي المسائلة مع عدد من أهالي مخيم نهرالبارد وحصولهم على كم جيد من المعلومات، لم تفتح الأونروا أي تحقيق بالفساد في مشروع إعادة الإعمار. ولكن، وفي ظروف ملتبسة، تم إقالة المدير الذي "فرض" عليهم التحري عن عمليات فساد في المشروع. 

تعتبر إدارة الأونروا أن مجرد استماعها لشكاوى المتضررين هو إنجاز يجب ان تشكر عليه، دون أن تتخذ أية إجراءات لمعالجة تلك الشكاوى. بل هي تستغل المعلومات التي تحصل عليها للتستير واخفاء الأدلة على وجود الفساد. 

وفي تقرير آخر بعنوان "إطار الأونروا للمساءلة أمام السكان المتضررين" نشرته الأونروا عام ٢٠١٧ تدعي فيه أن "مشاركة فئات اللاجئين الفلسطينيين بشكل فعلي في مختلف مراحل دورة البرامج.... تستند إلى الأرضيات الفريدة التي توفرها: (١) طواقم الوكالة المكونة من أكثر من ٣٠٠٠٠ موظف، والذين يشاركون في غالبيتهم العظمى في التنفيذ المباشر للعمليات وهم أنفسهم يأتون من مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين الذين يخدمونها، (٢) وشبكة الوكالة الواسعة من مكاتب المناطق ومكاتب خدمات المخيمات والمدارس والمراكز الصحية وغيرها من المنشآت. يكفل ذلك حصول اللاجئين على إمكانية الوصول المباشر والمنتظم إلى طواقم الأونروا."

وبهذه الصيغة تضع إدارة الأونروا موظفيها المحليين على شكل متراس بينها وبين اللاجئين. فمن جهة يخشى الموظف على ضياع فرصة عمله التي لا يستطيع إيجاد بديلاً عنها إن هو خالف إملاءات الإدارة، وفي نفس الوقت عليه أن يقف في مواجهة المجتمع الذي أتى منه لتنفيذ ما تمليه الإدارة. إن هذه السياسية الإملائية القهرية القمعية قد ولدت نظرة سلبية للاجئين تجاه موظفي الأونروا المحليين وخصوصاً هؤلاء الذين هم على تماس مباشر مع المستفيدين من الخدمات.

ومنذ بداية أزمة كورونا وقفت الأونروا على الحياد ولم تقدم أية معونة للاجئين الفلسطينيين في لبنان لمساعدتهم على الوقاية من انتشار الفيروس، سوى أنها بذلت جهداً كلامياً كبيراً وأكثرت من المنشورات التي تحث على الوقاية دون إخبار اللاجئين من أين يأتون بثمن الكمامات والمعقمات ومن أين يحصلون على الطعام إن هم التزموا بعدم التجوال ولم يخرجوا للعمل. 

وبناء على بيانات الشهر الماضي بلغت نسبة الوفيات بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ٣.٦٣٪ من المصابين، في الوقت الذي بلغت فيه عالمياً ٢.١٣٪ وفي لبنان ٠.٧٦٪ فقط. اي نسبة الوفيات بين اللاجئين تعادل ٤.٧٧ أضعاف ما يعانيه البلد المضيف. 

هذه الأرقام تناقض بشكل واضخ ومخيف إعلانات الأونروا الدعائية، كما وتوحي بأن إدارة الأونروا تمارس سياسة الإتجار بأرواح اللاجئين. والاسوأ من كل ذلك أن هنالك من موظفي الأونروا من يصرح مبرراً هذه الأرقام بأن غالبية المتوفين هم من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وكأن هؤلاء أشياء منتهية الصلاحية ولم يعد ثمة مبرر لوجودها. 

إن الأونروا وبدلاً أن تدق ناقوس الخطر وبقوة تروج لمراكز عزل صحي هي في الحقيقة صفقة تجارية ولم تستخدم إلا لإيواء عدد قليل من المرضى أكثرهم من الأجانب غير الفلسطينيين. هكذا تهدر الأموال المخصصة لحماية اللاجئين الفلسطينيين. 

إن هذه الممارسات للأونروا تعود بالضرر على اللاجئين الفلسطينيين بوجهين، الأول يتعلق بتدني مستوى ونوعية الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين، والثاني يتعلق بتضليل المجتمع الدولي والدول المانحة وفقدان الثقة وبالتالي انخفاض مستوى التمويل، هذه مسألة سلوكية للأونروا، قديمة العهد ولا ترتبط بما سنتحدث عنه لاحقاً حول خفض التمويل لأسباب سياسية.

ومما يثير القلق أن الأمين العام للأمم المتحدة قد أوقف التحقيقات التي طالت المفوض العام وفريقه بشأن الفساد في الأونروا العام الماضي دون نشر نتائج التحقيقات ودون اتخاذ إجراءات مناسبة للمعاجة، إن اختزال المسألة بعدم وجود فساد مالي وأن الأمر يتعلق فقط بسوء إدارة بسيط وان ثمة إجراءات إدارية إضافية كان يجب على الإدارة القيام بها يثير الاستغراب وكأن الأمين العام يقول ان تبقى الأونروا على ما هي عليه عصية على الإصلاح. 

ويتسائل المراقب، إن كان المفوض العام وفريقه أبرياء من التهم التي وجهت إليهم كما أفاد الأمين العام، فماذا عن الفريق الآخر الذي وجه إليهم الإتهام، وهل يجب اخضاعهم هم ايضاً للتحقيق، أم أن هؤلاء يتمعون بحصانة لا يمكن المساس بها؟ ولماذا إقالة المفوض العام من منصبه بسبب قضايا إدارية عادية وبسيطة ولم تلحق الضرر باللاجئين الفلسطينيين؟ في حين يترقى بالمناصب من يلحق الضرر باللاجئين. 

إن عدم وجود إجابات على مثل تلك الاسئلة (بغض النظر عن سلبيتها أو إيجابيتها) هو بحد ذاته نوع من انواع الإمعان بالفساد، وهذا يجعل من المنطقي طرح السؤال: هل الفساد في الأونروا هو سياسة دولية عليا مقصودة ومفروضة ولا مفر منها؟

-يتبع-

حسام شعبان