أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، المأساة المستمرة. (٥)
يعيش اللاجئ الفلسطيني في لبنان مأساة متعددة الأوجه، فمن ناحية هو محروم من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية من قبل الدولة اللبنانية، ومن ناحية ثانية تبدو الأونروا مهتمة فقط بضمان مصالح موظفيها، ومن ناحية ثالثة تحتكر الفصائل الفلسطينية الأموال لمصلحة من يواليها. إن هذه القطبية المثلثة تترك جزءاً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في مساحة التجاهل والحرمان والفقر المدقع.
في الأجزاء السابقة تطرقنا لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والعلاقة مع الدولة اللبنانية والأونروا، وبقي أن نغطي ما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل، لقراءة الجزء الرابع إضغط هنا.
كان الهدف الرئيس لإجتياح لبنان من قبل جيش الاحتلال عام ١٩٨٢ ضرب البنى التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يشمل كل البنى الخدمية والمؤسسات التابعة لها. وشهدت المرحلة انقساماً فلسطينياً بين مؤيد ورافض لخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان أدى لإنشقاق داخل حركة فتح أكبر فصيل فلسطيني تبعه إنقسام الفصائل الفلسطينية إلى تكتلين على أرضية المواقف من مشاريع التسوية المطروحة آنذاك.
ومنذ ذلك الوقت أخذ الإنقسام الفلسطيني اشكالاً وتموضعات مختلفة مازالت متواصلة حتى اليوم، مع التدحرج من مبادرة بريجنيف إلى مؤتمر مدريد ثم اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية تحت الاحتلال والتي لا تملك حتى السيادة على الأراضي القليلة المتاحة لها.
وشهد المجتمع الفلسطيني في لبنان خلال تلك الفترة عدداً من الانتكاسات الإقتصادية المتتالية بداية من انهيار العملة اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي وصولاً إلى الانهيار الراهن هذه الأيام.
فقد فقد الفلسطينيون التقديمات المادية التي كانت توفرها منظمة التحرير الفلسطينية، في حين لم تكن التقديمات الموازية التي قدمتها الدول العربية للفصائل غير المنضوية في منظمة التحرير بالمستوى الكافي لسد الحاجات الضرورية، مما أدى إلى تراجع متزايد لمستوى المعيشة وصولاً إلى تخطي الحدود الدنيا لخط الفقر في مخيمات لبنان في وقتنا الحاضر.
لقد شهدت المرحلة عودة تدريجية لمؤسسات منظمة التحرير مع تراجع تدريجي ايضاً للتقديمات الموازية حتى تلاشت تقريباً بشكل كامل بعد الحصار الإقتصادي على ليبيا وبعد حرب الخليج واحتلال العراق.
ومازالت المنظمة حتى اليوم تعيش آثار إجتياح عام ٨٢ إذ أنها لم تتمكن من إعادة بناء بنيتها التحتية إلا بشكل صوري في ظل تشتت الكفاءات الفلسطينية في بقاع الأرض وغياب القيادة الفعلية لجماهير الشعب الفلسطيني وفي كافة ميادين حياته، ومن أبى الشتات ولم تغتاله يد العدو فهو في السجون.
إن أكثر الضرر الذي لحق بالشعب الفلسطيني في لبنان يعود سببه لتولية الأمور لقيادات غير ذات خبرة في مجالات عملها وبالتالي فشلها في إدارة الملفات الموكلة إليها. والقيادات الحالية هي في الواقع من إفرازات إجتياح عام ٨٢ التي أدت إلى تشتيت الطاقات البشرية للشعب الفلسطيني، في حين كانت القيادة قبل الإجتياح من إفرازات حالة المد الثوري التي تستقطب الكفاءات من داخل وخارج المجتمع الفلسطيني.
وليس سوء الأداء المهني وحده هو ما يؤثر على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بل أن حالة الإنقسام قد أدت إلى احتكار الموارد المالية المتاحة من قبل الأطراف المنقسمة، كل لفريقه، مما أدى إلى إهمال وحرمان الفئات التي ترفض الإنضمام إلى الصفوف المنقسمة. ذلك أدى إلى التمييز بين الفلسطيني والفلسطيني على خلفية الولاء السياسي بعد أن بات الإنتماء الفكري والسياسي والمنهجي الثوري ليس ذو قيمة تذكر.
يعيش اللاجئ الفلسطيني في لبنان مأساة متعددة الأوجه، فمن ناحية هو محروم من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية من قبل الدولة اللبنانية، ومن ناحية ثانية تبدو الأونروا مهتمة فقط بضمان مصالح موظفيها، ومن ناحية ثالثة تحتكر الفصائل الفلسطينية الأموال لمصلحة من يواليها. إن هذه القطبية المثلثة تترك جزءاً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في مساحة التجاهل والحرمان والفقر المدقع.
وهذا الحال بات يهدد بشكل مباشر كيانيّة منظمة التحرير الفلسطينية وشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني مع تنامي الأصوات اليائسة التي تنادي بالخروج عن المسلمات الوطنية الفلسطينية والقبول بأي حل يضمن القوت للأطفال المهددين بالجوع. ومما يعزز هذا التوجه تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية أمام تقدم دور السلطة الفلسطينية.
إن عدم النظر إلى هذه الحالة وعدم المسارعة لعلاجها لا بد أن يؤدي لإساءة كبيرة لمسيرة تحرر الشعب الفلسطيني ومسيرة عودته إلى بلاده التي هجر منها عام ١٩٤٨.
تشير الأحداث منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم أن الوضع الفلسطيني القائم هو صنيعة دولية تظافرت فيها جهود الصراع العالمي لإبقاء الخارطة على ما هي عليه، ولم يكن للشعب الفلسطيني إرادة في ذلك إلا ما عبرت عنه مرحلة المد الثوري وتم إخماده، وليس إدعاء المجتمع الدولي بحق الشعوب في تقرير مصيرها إلا كذبة تتداولها دول الخذلان.
وبذلك، فليست المرحلة الراهنة إلا مرحلة تدجين لفعل الثورة الفلسطيني، ومحاولة لإخضاع الشعب الفلسطيني صاحب الحق. ويجري ذلك بإستخدام كل الأساليب غير الشرعية بحسب الأعراف الدولية، من إغتيال وسجون وتركيع إقتصادي والحد من قدرة الفلسطينيين على التجول والسفر ونقض حرية التعبير من خلال حجب المحتوى الفلسطيني عن وسائل التواصل الإجتماعي التي باتت تحتل المساحة الأوسع في وعي سكان الأرض.
ليس الإحتلال وحده هو من يعادي شعب فلسطين، بل هو أقل من يعادي إذا اعتبرنا كل العوامل المؤدية لبقاء الإحتلال، وفي الحقيقة فإن المنظومة الدولية هي من يقرر بقاء الاحتلال أو زواله وليس الاحتلال نفسه هو من يقرر.
ويبقى رهان الشعب الفلسطيني على أمر واحد، فإن الخطيئة لا بد لها أن تتوالد في وعي صاحبها، ولا بد أن تصيبه كما أصابت غيره، ولا بد لكل ظالم لفلسطين أن يظلم نفسه عاجلاً أم آجلاً، ولن تستقيم الأمور في أي جزء من العالم ما لم تستقم في فلسطين.
إن هذا الواقع السلبي ترافقه حالة نهوض شعبي واعادة تشكيل الوعي بين فلسطينيي لبنان وبالتالي إعادة إنتاج للحالة الوطنية الفلسطينية، ملامح ذلك نتحدث عنها لاحقاً.
-يتبع-
حسام شعبان