اصل الإنجيل في السماء العالية مروراً باورساليم

السؤال الذي يطرح نفسه، هل بالفعل كانت هناك لغة يونانية قديمة؟ ام هي لهجة عربية سورية نقلها قدموس الصوري إلى المدن التي بناها لشعبه السوري في تلك البلاد؟ أم أن يونان نفسه كان عربياً وناطقاً بلهجات العرب؟

اصل الإنجيل في السماء العالية مروراً باورساليم

سأل سائل عن معنى كلمة إنجيل بالعربية أو بالآرامية، ولماذا تحمل الكلمة معنى البشارة في اللاتينية؟... نحاول هنا وباختصار شديد الإجابة على التساؤل. 

معنى كلمة إنجيل بحسب القواميس الغربية (الترجمة تتبع مباشرة) :

From εὐάγγελος (euángelos, “bringing good news”), from εὐ- (eu-, “good”) +‎ ἄγγελος (ángelos, “messenger”). 

من إيوانجيلوس (إيوانجيلوس، "جلب الأخبار السارة")، من "εὐ" (إيو-، "جيد") + ἄγγελος (آنجيلوس، "رسول"). 

يقولون أن أصل الكلمة مقطعين، "ايو" بمعنى "جيد"، و"آنجيلوس" بمعنى "رسول"، باليونانية طبعاً. ويترجمون كلمة "إنجيل" بمعنى "جلب الأخبار الجيدة"، وكأن المسيح عليه السلام كان يونانياً ولغته كانت يونانية، وكتابه يونانياً. أو كأن "اللغة" كانت يونانية في ذلك الزمان. 

وبداية، لا بد من الإشارة لحقيقة أن اللغات غير العربية لا تصلح لتفسير الكلمات العربية، وكل تفسير من هذا النوع لا يقود إلا إلى مزيد من الإبهام والضياع، هذه فكرة نحاول شرحها في ما يأتي. 

إن كلمة" ايوانجيلوس" لا بد أن تكون قد مرت بعديد من المراحل في تكوينها عبر التاريخ. نحاول تحليل الكلمة التي يُظَن بأنها يونانية بالآتي:

 ايوانجيلوس: ايوان - جيل - وس.

ايوان: تقرأ ايفان (الواو بالروسية وبعدد آخر من اللغات تقرأ فاء مشددة)، وبالعربية "ايوان" تقرأ "يوحنا" (معلوم أن إسم إيفان الروسي هو يوحنا بالعربي)، اي الموحى إليه من السماء. وبحسب الرواية الدينية، يوحنا (المعمدان) هو "المبشر" بقدوم السيد المسيح عليه السلام، ومن هنا يأتي إسقاط معنى البشارة على الكلمة. 

هذا تفسير عجمي، وعلينا هنا أن نتذكر بأن كلمات اللغة هي السابقة وهي المنتجة للاعتقاد الديني وليس العكس، فالكلمات هي التي يفسر بها الاعتقاد، وليس الاعتقاد هو ما تفسر به الكلمات. 

ومع اعتمادنا هنا على نطق الكلمة "ايوان"، لا يغيب عن بالنا أنها ايضاً تنطق يوحانا، وايفان، ويوهان وجوهان وغير ذلك بحسب اللهجات وقواعد النطق في كل منها. 

إن تحليل أصول كلمة إيوان هو كالتالي:

ايو - آن: "ايو" تقرأ في الساحل السوري "أو"، (باللفظ العربي الفصيح تكون الواو في "ايو" وفي "أو" ساكنة وتنطق عند العجم "ايف" و"أف" بفاء مشددة، وفي اللهجات العربيات تمتد اللفظتان بصوت الحرف "O"، والخياران صحيحان)، وباللفظ العربي نرى "او" في كلمات مثل "اوغاريت" و"اورساليم"، وهي تترجم بالعربية إلى "ال" التعريف (اوغاريت - "القرية" ، اورساليم - الرسالي). 

إن ترجمة كلمة "اورساليم" إلى "مدينة السلام" هي بالتأكيد ترجمة مغلوطة وغير مبنية على أسس لغوية، إن الترجمة الصحيحة كما ذكرنا هي "الرسالي" (الميم حذفت من اللفظ العربي الحديث، والميم تشبه التنوين في العربية المعاصرة) ويقصد بذلك البلد الذي نزلت فيه الرسالة، وهذا واضح من خلال الرواية الدينية نفسها والتي لم تسمِّ بلداً محدداً له وجود في جغرافيا محددة ووارد ذكره في سجلات تاريخية، بل قدمت وصفاً لذلك البلد بأن نزلت فيه الرسالة، وبالتالي فلا وجود لمدينة تاريخية بإسم اورساليم، وإنما كل بلد أو مدينة نزلت فيها رسالة سماوية هي اورساليم وصفاً وليس إسماً. هذا يشبه تسميتنا لكل مدينة مركزية في أي دولة في العالم بالعاصمة بغض النظر عن إسم أو موقع تلك المدينة. وهذا يقود أن لكل رسالة سماوية اورساليمها الخاصة، وربما اكثر من اورساليم واحدة، فرسالة الإسلام مثلاً نزلت في مكة المكرمة كما في المدينة المنورة من بعد. 

الجزء الثاني من "ايوان"، كلمة "آن"، يأتي من السومرية بمعنى "سماء"، وبذلك نحصل على ترجمة كاملة لكلمة "ايوان" بمعنى"السماء". واذا استخدمت الكلمة كصفة ومحملة بمفاهيم وتصورات دينية فهي تأتي بمعنى السماوي والمقدس والمبشر وما إلى ذلك من معاني اضيفت إلى المعنى الأصلي، خصوصاً عندما يكون الإستخدام في مناطق خارج النطاق الجغرافي لبيئة الكلمة حيث تختلف قواعد البناء والنطق. 

جيل: من كلمة "جال" بالسومرية، ومعناها العالي، السيد، العظيم... ومنها بالعربية كلمة الجليل، وقد ناقشتها في مقالات سابقة. 

وس: إضافة اعرابية يونانية للكلمة. ليست من أصل الكلمة. نقول إضافة يونانية مع العلم أنها كانت موجودة في لهجات عربية قديمة. 

بذلك يكون المعنى الأقدم لكلمة ايوانجيل هو "السماء العالية"، او "أعالي السماء". وقد حُمِّلت الكلمة بمعاني دينية لتصبح (وحي السماء، اي الكتاب المقدس المنزل من السماء) أو (بشارة، من السماء)... وما إلى ذلك من تحميلات لمعاني تكونت خلال القرون. 

وكلمة إنجيل العربية هي كلمة أصيلة وليست معرَّبة أو مقتبسة من لغات أخرى، بل هي وليدة البيئة العربية التي طورت مفرداتها عبر العصور منذ ما قبل السومرية وصولا إلى العربية الحديثة بلهجاتها العديدة. وكلمة "ايوانجيلوس" ليست يونانية بل تطابق بالضبط وفي بنائنا كلمة "الإنجيل" العربية ولكن بالنطق وبالبناء السوري الساحلي القديم، وبدون أي تحوير. 

وكلمة إنجيل العربية هي كلمة أصيلة وليست معرَّبة أو مقتبسة من لغات أخرى، بل هي وليدة البيئة العربية التي طورت مفرداتها عبر العصور منذ ما قبل السومرية وصولا إلى العربية الحديثة بلهجاتها العديدة. وكلمة "ايوانجيلوس" ليست يونانية بل تطابق بالضبط وفي بنائنا كلمة "الإنجيل" العربية ولكن بالنطق وبالبناء السوري الساحلي القديم، وبدون أي تحوير.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل بالفعل كانت هناك لغة يونانية قديمة؟ ام هي لهجة عربية سورية نقلها قدموس الصوري إلى المدن التي بناها لشعبه السوري في تلك البلاد؟ أم أن يونان نفسه كان عربياً وناطقاً بلهجات العرب؟