الفاقد التعليمي الجامعي
من يرصد مستوى الخريجين الجامعيين وبخاصة في التخصصات الانسانية ، تنتابه دهشة بل صدمة . لان الخريج لا يملك الحد الأدنى الذي تشير اليه شهادته الجامعية
من يرصد مستوى الخريجين الجامعيين وبخاصة في التخصصات الانسانية ، تنتابه دهشة بل صدمة . لان الخريج لا يملك الحد الأدنى الذي تشير اليه شهادته الجامعية ، ويكاد بعضهم يكون اميا في أساسيات تخصصه .
لقد واكب أبناء جيلي نظاما تعليميا جامعيا سنويا . وكان بعض الأساتذة يظلون مع طلبتهم عدة سنوات يوجهون ويدعمون ، ويبنون مهارات الطلبة وفق منهج واضح تترابط فيه المساقات وتكمل بعضها . وتتدفق المهارات بشكل بنائي ، وكان البحث وتقديمه ومناقشته من أهم البرامج التي تلزم الطلبة بجدية الأداء ليقدموا انفسهم بشكل مشرف امام الزملاء والاساتذة ، كان دور الاستاذ ان يوجهك الى المصادر والمراجع وعليك أن تبني قدراتك الذاتية . بل ان بعض الأساتذة كانوا يعقدون امتحانا شفويا للطلبة للاطمئنان على مهاراتهم الأساسية في الاستماع والتحدث والقدرة على توصيل ما استوعبوه في مسيرتهم . لم يكن اي طالب استثناء في هذه المعادلة . لذلك كانت المفاضلة والتقييم ذات مرجعية ومعايير واضحة .
من أسباب تراجع مخرجات التعليم الجامعي نظام المساقات التي لا تاتي بشكل بنائي او تراكمي، بل انها عامل تشتيت يعود إلى ماهو متاح في نظام التسجيل الحاسوبي ، فيقبل الطالب مكرها احد المساقات قبل أوانه . ويكون هاجسه الاول كيف ينهي المساقات المطلوبة ، وليس كيف يختارها بشكل بنائي ويبني عليها . نظام التسجيل الحاسوبي في الغالب . يقدم الفتات للطلبة المتأخرين في التسجيل تحت ذرائع مختلفة . من أبرزها. انتهى التسجيل لهذا المساق واكتمل العدد . والاعداد الهائلة للطلبة في الجامعات تحولهم الى قطيع يلهث وراء إنجازات كمية ، مع تراجع محزن في المخرجات النوعية .
وبعد كل ذلك يحمل الطالب شهادة ويحمل لقب خريج ، وفي هذه الحالة أمامه طريقان :
الاول : ان يجد عملا في تخصصه ، ولكنه لا يملك مهارات تؤهله للنجاح ، لان الجامعة التي تخرج فيها لم تعمل على تدريبه وتاهيله وفق تخصصه . وهنا تبدأ المعاناة . فإما ان ينكسر امام متطلبات المهنة ، واما ان تعمل المؤسسة التي التحق بها على تدريبه وفي كل الأحوال فالفاقد التعليمي المتمثل في التدريب يعد هدرا اقتصاديا وهدرا للوقت والطاقات .
الثاني : ان يعمل في غير تخصصه بسبب الحاجة ، ويفقد لياقته ، وعندما تحين فرصته للعمل في تخصصه يكون قد أصبح اميا . واعادة بناء الذات مكلفة نفسيا وماديا.
فإذا وجد وظيفة حكومية بعد انتظار طويل ، يحال الى المنافسة ، وغالبا ما تكون المنافسة بين خريجين متقاربين في المستوى ، والفاقد التعليمي لديهم واحد ، وربما يلعب الحظ فقط في تقدم احدهم على الآخرين. ومع الايام يتراكم الخلل والانتاجية في المؤسسات التي يعمل بها هؤلاء .
جامعاتنا فقط تخرج الطلبة من مختلف التخصصات ولا تدربهم او تضع برامج لتدريبهم بالتعاون مع المؤسسات المختلفة الموجودة في سوق العمل .
يحضرني في هذا المقام مقولة لاحد الأساتذة المخضرمين : خريجو اليوم مثل الفلافل اقلي وبيع .
لو أحيل هذا الموضوع عل بعض الخبراء لتقدير الخسائر المترتبة على الفاقد التعليمي الجامعي . لوصلت الخسائر الى المليارات . ونتشدق باننا نستثمر في الإنسان.
د. احمد عرفات الضاوي