الأدباء العرب يجتمعون في دمشق

مؤتمر أدباء من أجل العروبة"، الذي عقد في دمشق في الأسبوع الفائت، كان مناسبة لاجتماع أدباء من 12 بلداً عربياً لكسر الحصار الثقافي، والانحياز إلى قلب العروبة النابض، دمشق.

الأدباء العرب يجتمعون في دمشق

مؤتمر أدباء من أجل العروبة"، الذي عقد في دمشق في الأسبوع الفائت، كان مناسبة لاجتماع أدباء من 12 بلداً عربياً لكسر الحصار الثقافي، والانحياز إلى قلب العروبة النابض، دمشق.

• التقى أدباء من 12 بلداً عربياُ في دمشق لحضور فعاليات مؤتمر "أدباء من أجل العروبة"

لم أجد شعاراً جامعاً للأدباء والكتاب العرب الذين التقوا في دمشق، في اجتماع مجلس الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، والنشاطات المرافقة، أكثر توفيقاً وتعبيراً من هذا التعبير الجامع والشامل، تليه عبارة "عاصمة الياسمين تحتضن الأدباء العرب".

"الأدباء من أجل العروبة".. التقوا من 12 بلداً عربياً، بما فيها سوريا، البلد المضيف، المحتضن، المفتوح الذراعين والقلب لأدباء العروبة، وهم بهذا كسروا الحصار الثقافي، وتحدوه، وأعلنوا انحيازهم إلى قلب العروبة النابض دمشق، كما وصفها القائد العربي الكبير جمال عبد الناصر.

أعاد الاجتماع، بحجم حضوره، وباللقاء الشعري المهيب، إلى الشام ألق مهرجاناتها الشعرية الحاشدة، وأعراس أمسياتها. وإذا كنت قد تحديت المخاطر في أيام الشدائد، وذهبت، جواً، إلى دمشق التي احتضنتني في طفولتي، وبراً من بيروت، وجواً على متن الطيران السوري حين كان المطار يتعرض للقصف، ثم براً مجدداً عندما تم تطهير سهل حوران من الإرهاب الوافد الذي صحّر سهل حوران، الذي كتب له ابن الذيب ولحن: عالبال بعدك يا سهل حوران شرشف قصب ومطرز بنيسان عرسك صبايا ولمتك خلاّن..

دُعيت فكيف لا أُلبي؟ وضعي الصحي، رغم مرور 7 شهور على إصابتي بنزف دماغي، لا يسمح بالسفر، برأي الطبيب المعالج، بسبب مشقة الطريق، والطقس الحار، لكنني لا يمكن أن أتقاعس عن تلبية دعوة دمشق إلى لقائها، بذراعيها المفتوحتين للأدباء العرب.

جاء الإخوة من رام الله بقيادة الأمين العام الشاعر مراد السوداني، واصطحبوني من باب بيتي في حي " طبربور" بالعاصمة الأردنية عمّان، وانطلقنا إلى الشام. السيّارة مبردة، والأحاديث حارة، والأشواق متأججة.

الفلسطينيون عندما يلتقون بعد غياب، تتقاطع أحاديثهم، وتتدفق، إذ يفضي كل منهم بكل ما لديه دفعة واحدة، وقد يبكون كثيراً على أحبة رحلوا يفتقدونهم، وقد يضحكون من نوادرهم وطرائفهم. هكذا يستحضرونهم، ويستبقونهم أحياءً حتى يلتحقوا بهم.

لمّا عبرنا الحدود الأردنية إلى الأراضي السورية، رأيت الأرض محروثة، تستعد لاستقبال موسم جديد من العطاء. هذه الأرض كانت توصف بـ "أهراء روما"، أي مُطعمة الإمبراطورية الرومانية، كما أطعمت ملايين العرب، لكن الإرهاب نجح في حرمانها من مواصلة العطاء والخصب، وحرف بعض شبابها، واجتاح حوران الخصب والحضرة والجمال، وهدم البيوت التي كانت تُجمّل الطرق في القرى، وتمنحها مشاهد تريح العيون والنفوس، البيوت التي بناها الحورانيون بكدّهم وجهدهم وحبهم لأرضهم.

الأرض المحروثة تعد بموسم خصب مستعاد، والفلاح الحوراني يعود إليها، وأنا أتمتم: "عالبال بعدك يا سهل حوران"، والأصدقاء يطالبونني "سمّعنا أبو الطيّب" وأنا أرد: "يا أصدقائي، صوتي أجش".

تأخذنا الطريق والأحاديث وبهجة الأرض المحروثة التي تبشّر بعودة الخصب والحياة إلى سوريا العروبة. توافد الجمهور إلى مكتبة الأسد، في الافتتاح، مصغياً للشعر العائد إلى موئله في دمشق، مدينة الشعر والياسمين، واستذكرت أيام الشعر المرافقة لمؤتمرات الكتّاب العرب في شام العرب، منذ عام 1971.

أذكر عندما حمل الجمهور الشامي شاعر العرب الكبير العراقي محمد مهدي الجواهري، وهربوا به من قاعة جامعة دمشق إلى الشارع العام وهم يرفعونه على الأكتاف، ويتدافعون لحمله، يا لها من أيام، يا لها من أيام يا شام. هي حتماً عائدة بفضل عنادك ومقاومتك أنت وحلب وكل المدن السورية. حقاً، كانت أيام عيد للثقافة في دمشق.

حضر الوفد الليبي المكوّن من اثنين من بنغازي بطائرة سورية أُرسلت خصيصاً لاصطحابهما، ولإرجاعهما في يوم الختام، ولو كان مسموحاً بهبوط الطيران في مطار صنعاء لأرسلت سوريا طائرة لاصطحاب الوفد اليمني، ولكن اليمن محاصر من قوى الشر، ولهذا أعتبر أن كتّاب وشعراء اليمن حضروا، ومن ينسى حضور الشاعر اليمني الكبير البردوني وقصيدته المبهرة صنعاء؟

اللقاء بالسيد الرئيس كان حميماً ومفتوحاً، وبين أصدقاء. ومنذ البداية ومع الترحيب، أبلغ الرئيس الوفود بأنه متفرغ للقائهم، وليس عنده تحديد للوقت، وقدّم مداخلة مستفيضة، ولعل أبرز ما جاء فيها أن سوريا غير معنية بالمشاركة في مؤتمر القمة العربية والالتحاق بتلك الدول المعروفة بتوجهاتها، فخيارات سوريا معروفة، وهي لن تحيد عنها، ولم تتنازل عنها في أصعب الظروف. وهكذا، حرّر السيد الرئيس الشقيق الجزائري من الحرج، وجدد عهد سوريا، ونهجها، وخيارها المقاوم.

ساعتان ونصف من الإصغاء لوجهات نظر وفود الأدباء والكتاب والشعراء العرب، الذين وفدوا إلى دمشق منحازين إلى ثقافة المقاومة التي تمثلها سوريا وقلبها دمشق.

يوم الجمعة 30 تموز/يوليو: حضرت الدكتورة بثينة شعبان، الكاتبة المثقفة مستشارة الرئيس، إلى الفندق وودعت الوفود وأكدت على موقف سوريا ورؤيتها، وأهمية المعركة الثقافية التي تجمعنا في مواجهة قوى التخلف والتبعية.

وبعد، فقد تبين حجم الدول الرجعية ودورها، فهي منعت حضور الكتاب في بلاد يتحكمون فيها، في البحرين، والإمارات، أما قطر فبإمكانها شراء بعض الكتاب كما تشتري الرياضيين. ولكن الثقافة لا تشترى بالمال. المجد لثقافة المقاومة. المجد لعاصمة الياسمين وفيها يرتفع شعار: أدباء من أجل العروبة*.