لا يعرف الشوق إلا من يكابده

صدمت عندما علمت بالصدفة أن مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين دون أي تدفئة حتى على مستوى الصوبا العادية ، بل إنه ممنوع على المعلمين استخدام الكهرباء

لا يعرف الشوق إلا من يكابده

صدمت عندما علمت بالصدفة أن مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين دون أي تدفئة حتى على مستوى الصوبا العادية ، بل إنه ممنوع على المعلمين استخدام الكهرباء لأي غاية غير الإضاءة ، ويمنع المعلمون من شحن هواتفهم من كهرباء المكان . وذلك على سبيل التقنين والتوفير . 

تخيلت الأطفال وقلوبهم ترتجف من البرد القارص ، وسألت نفسي كيف يستطيع المرء ان يفكر ويتعلم وعظامه مسكونة بالبرد ، وكيف لطفل أن يتمكن من التفاعل والتواصل والتفكير والتعلم في ظل ظروف جوية متطرفة ، وأشفقت على المعلمين الذين يقضون نهارا كاملا في الغرف الصفية ، كيف يتسنى لهم التركيز في هذا الزمهرير المتطرف ، وكيف يمضون يومهم الدراسي وهم يشاهدون أطفالهم ينتفضون من البرد ، وقد فقدت أصابعهم القدرة على مسك الأقلام والدفاتر . إنه امتحان مركب لهؤلاء المعلمين بين معاناتهم ومعاناة تلاميذهم . 

قد أتفهم بواعث التقنين والعجز المالي في حالة واحدة فقط ، وهي أن مكاتب الادارات العامة للوكالة من غير تدفئة حالها حال المدارس ، ولكني اشك بأن كبار الموظفين في تلك المكاتب الفارهة يعيشون من غير تدفئة في الشتاء او تكييف في الصيف . 

قد أكون مثاليا وأعيش في أوهام مدينة أفلاطون ، ولكن مثاليتي ليست متطرفة عندما أطالب بتدفئة الصفوف في الشتاء ولو بصوبا واحدة لكل غرفة صفية . هل يعد ذلك بذخا في أي معيار من المعايير الانسانية ؟؟

كم من مسؤول فلسطيني يعلم ما يعانيه أبناء المخيمات في مدارسهم ، من منهم تحركت مروءته ليحتج على ما آلت إليه الطفولة في مخيمات اللجوء ؟ ومن منهم فكر ولو للحظة واحدة بطفولتهم البائسة ، ومن منهم سعى من أجل شتاء دافىء لأبناء المخيمات في مدارسهم . أم إنهم يرون العالم كما يرونه في بيوتهم ومكاتبهم وسياراتهم ، ولكن يبدو أن مخيمات اللجوء وأطفالها خارج حسابات هؤلاء المنعمين الذين نسوا أن شتاء أطفال المخيمات في الشتات زمهرير وأمراض طالما أن ابناءهم وحواشيهم والمقربين منهم ينعمون بالدفء .

قد يسأل أحدهم ويحتج على مقالتي تحت ذريعة لانملك ، او ليس بيدنا حيلة ، ولكن هذه الذرائع لا يسوغها غير العاجزين الذين ركنوا إلى أنانيتهم واكتفوا بما أخذوه باسم القضية من مكاسب شخصية ، ونسوا أن اللاجئين عموما مسؤوليتهم ، وأنهم كما كانوا حريصين على دفء أطفالهم وأحفادهم وخاصتهم في كل شتاء ، فهم مسؤولون عن أطفال الشتات ومخيماتهم ومدارسهم . 

ماهي الإجراءات الاستباقية التي فعلوها لتجنيب اطفال مدارس الوكالة ومعلميها كل هذا العناء . أزعم أن هذه الشريحة خارج حساباتهم وبرامجهم ولو كان الأمر يتعلق بمصالحهم وبرامجهم لسعوا من أجلها شرقا وغربا . 

لكم الله يا أطفال المخيمات ، ويا معلمي الوكالة ، فقد ابتلاكم الله بأمة فقيرة لا مال لديها ولا نفط ولا غاز ، وبأنظمة وسلطات تعيش كما تعيشون وتعاني كما تعانون ، وأنهم لا يملكون لكم إلا الدعاء والدموع . 

د. أحمد عرفات الضاوي .