رجال قبل الأوان .

من أغرب الأسئلة التي سمعتها ، كيف يقوم طفل في الثالثة عشرة من عمره بتنفيذ عملية فدائية بهذه الجرأة وهو يعلم أن مصيره الموت ، سؤال مشروع ، بشرط أن لا يكون سؤالا استنكاريا .

رجال قبل الأوان .

من أغرب الأسئلة التي سمعتها ، كيف يقوم طفل في الثالثة عشرة من عمره بتنفيذ عملية فدائية بهذه الجرأة وهو يعلم أن مصيره الموت ، سؤال مشروع ، بشرط أن لا يكون سؤالا استنكاريا . 

من يعش ظروفا استثنائية من القمع والقتل والتنكيل يوميا ، يستطيع الإجابة بسهولة عن هذا السؤال ، ومن يجلس على شرفة منزله يشرب القهوة ، ويمضي حياته متسكعا بين المولات وعلى تطبيقات هاتفه لن يدرك دوافع هذا الطفل ، والظروف التي دفعته إلى هذا الفعل ، فرق كبير بين طفل يعيش طفولة طبيعية ، يذهب إلى مدرسته ويعود دون منغصات ، يتعلم ويلهو ، ويعود إلى بيت آمن وأسرة تتكامل أدوار أفرادها في تربيته وتهيئته لمستقبل مزدهر ، وبين طفل شاهد أخاه يستشهد أو والده يهان ، أو أمه تنتهك أنوثتها وهيبتها إمام عينه ، مثل هذا الطفل تحترق محطات إساسية من طفولته ، ويصبح رجلا قبل أوانه . 

هذا الطفل مهدد يوميا في ذهابه وعودته من مدرسته وإليها .

هذا الطفل تم اقتحام مدرسته عدة مرات وتم سحل معلمه أمام عينيه.

هذا الطفل استشهد رفيقه وهو عائد من مدرسته ورآه ينزف حتى الموت . 

هذا الطفل رأى بعينيه أمه وهي تصلي في الأقصى ، وتسحل وهي ساجدة من جنود قساة لا يعرفون الرحمة ولا يملكون الحد الأدنى من الإنسانية ، واحترام المشاعر الدينية .

هذا الطفل رأى أباه إو أبا زميلة ، يضرب ويكبل وتهان شيبته أمام عينيه .

هذا الطفل اختنق عدة مرات من قنابل الغاز ، سعل واحس بعينيه تحترق .

هذا الطفل رأى بيت جيرانه يهدم ، ليعيش في خيمة على أنقاض المنزل المهم.  

هذا الطفل رأى الانكسار في عيون أصحابه الأيتام أبناء الشهداء ، والوجع في عيون زملائه أبناء الأسرى في يوم العيد .

هذا الطفل يرى في كل دقيقة وفي كل ساعة الخوف والقلق في عيني أمه وأبيه عندما يغادر شقيقه أو شقيقته للعمل . ويتأخرون عن موعد عودتهم ، فقد خرج أبن جيرانهم ألى العمل وعاد شهيدا . 

هذا الطفل لا ينام نوما هانئا ، فقد اعتادت أذنه على سماع الرصاص ، وصراخ الأطفال المفزوعين ، والأمهات الثكالى .

هذا الطفل رأى بعينيه رفاقه يسحلون أو يقتلون أو يسجنون . 

هذا الطفل فقد كل شيء ، فلا تستغربوا ، أن يتجاوز طفولته ويصبح بالغا قبل الأوان .

الطفولة المنتهكة في أوطان مستلبة ، وأمان مفقود ، يتحولون إلى رجال قبل الأوان . 

فيا أيها الجالس على شرفة منزلك تحتسي قهوتك وترى العالم من برجك ، لن تستطيع أن تدرك مثل هذا التحول الذي يحرق المراحل . أكمل قهوتك واستمع إلى أغنيتك المفضله ، ودع الاطفال هناك يستكملون تحولاتهم . 

د. أحمد عرفات الضاوي