إضاءة على الشاعر الفلسطيني حنا أبو حنا
حنا أبو حنا هو واحد من شعراء المقاومة والوطن والتراب، ومن طلائع الشعر الوطني الثوري الفلسطيني، والرواد الأوائل، الذين رفدوا حياتنا الثقافية بعد النكبة بأشعارهم
حنا أبو حنا هو واحد من شعراء المقاومة والوطن والتراب، ومن طلائع الشعر الوطني الثوري الفلسطيني، والرواد الأوائل، الذين رفدوا حياتنا الثقافية بعد النكبة بأشعارهم وقصائدهم الوطنية الكفاحية الملتزمة والمقاتلة. ويعتبر المعلم الاول للجيل الأدبي والشعري الفلسطيني، جيل محمود درويش وسميح القاسم وراشد حسين وتوفيق زياد وسالم جبران وحنا ابراهيم ومحمود الدسوقي ونايف سليم وسواهم، وذلك بشهادة درويش، الذي قال :"حنا أبو حنا علمنا ترابية القصيدة". وهو يتميز عن مجايليه من شعراء وأدباء فلسطين بتجدده المتواصل وتطويره للقصيدة الحداثوية، ومعاييره الفنية الجمالية الابداعية، ولونه الخاص، ولغته المتفردة البعيدة عن لغة الخطابية والتقريرية المباشرة والشعارات السياسية.
حنا أبو حنا من مواليد قرية الرينة قضاء الناصرة العام 1928، ويعيش منذ زمن بعيد في حيفا عروس البحر والكرمل. عشق القراءة منذ الصغر وراح يلتهم كتب التراث الأدبي العربي القديم بدءاً بأدب وشعر المعلقات مروراً بالجاحظيات فالجبرانيات وأدب المهجر والرابطة القلمية وصولًا إلى شعر الحداثة والقصيدة الحرة.
كتب حنا أبو حنا الشعر في جيل مبكر وبدأ بنشر بواكيره الشعرية في المجلات والصحف الصادرة في تلك الحقبة منها :"المنتدى" و"القافلة" و"المهماز" و"الأديب".
انخرط في سلك التدريس في ثانوية الناصرة البلدية، وفي العام 1948 أسس مع ميشيل ديرملكنيان جوقة الناصرة، فرعى مسيرتها وكتب لها الأشعار، ثم شارك في انشاء اتحاد الشبيبة الديمقراطية ابان الحكم العسكري البغيض، ثم انخرط في صفوف الحزب الشيوعي، وبسبب نشاطه السياسي والنضالي والحزبي ومواقفه الوطنية والتقدمية تعرض للفصل السياسي التعسفي من السلك التعليمي هو والمرحومين فؤاد خوري وعيسى لوباني ونمر مرقس وغيرهم من المعلمين الديمقراطيين، ثم احترف العمل السياسي الحزبي في اطار الحزب الشيوعي، وشارك في تأسيس مجلة "الجديد" الأدبية الفكرية سنة 1953، كذلك بادر إلى اصدار مجلة "الغد" سنة 1953، التي عنيت واهتمت بقضايا الشباب والتثقيف السياسي، وعمل ايضاً في تحرير صحيفة "الاتحاد" العريقة. وكان له اليد الطولى في اقامة وتنظيم المهرجانات الشعرية في القرى والبلدات العربية، والاهتمام بالمواهب الأدبية الناشئة وتشجيعها. وكان يكتب في "الاتحاد" زاوية بعنوان "وحي الأيام" حول الأحداث والتفاعلات السياسية اليومية .
وفي ايار 1958 اعتقل حنا اداريًا وتنقل بين المعتقلات والسجون، ومن معتقله كان يبعث بقصائده لنشرها في "الاتحاد" و"الجديد" و"الغد". ثم عاد الى سلك التعليم ليعمل مدرساً للغة العربية وآدابها وللأدب العالمي في الكلية العربية الارثوذكسية بحيفا، بعدها أصبح مديراً لها عام 1974 وعمل على تطورها والارتقاء بها من النواحي الثقافية والتربوية. وكان له مساهمة كبرى في ادخال نماذج من الادب الفلسطيني في مادة منهاج اللغة العربية من خلال عضويته في اللجنة المنبثقة عن قسم المناهج، سعيًا لتعميق هوية الطلاب العرب، وبلورة وعيهم، وتعزيز انتمائهم لتراثهم.
وفي سنة 1984 أسس حنا أبو حنا مع المرحومين الشاعر فوزي جريس عبداللـه والدكتور سامي مرعي مجلة "المواكب" الثقافية، التي ساهمت في الحراك الأدبي والثقافي وتنشيط العملية الابداعية والثقافية في الداخل الفلسطيني.
وفي العام 1987 خرج حنا للتقاعد المبكر، وانتقل للتعليم في كلية اعداد المعلمين بحيفا حتى العام 1995، وفي الوقت نفسه أشغل مديراً لمركز الجليل للأبحاث الاجتماعية. وأنشأ مع مجموعة من الأدباء والمثقفين العرب مجلة "مواقف " الأدبية والثقافية، وعندما تأسس التجمع الوطني الديمقراطي انضم الى صفوفه. وتقديراً لنشاطه وإبداعه نال العديد من الجوائز والاوسمة، وتم تكريمه عدة مرات في جامعة تل – ابيب خلال أمسية أدبية نظمتها كتلة "جفرا" التجمع الديمقراطي الطلابي.
صدر لحنا أبو حنا العديد من الدواوين الشعرية والمؤلفات الادبية والمنجزات البحثية وهي: "نداء الجرح، قصائد من حديقة الصبر، تجرعت سمك حتى المناعة، عراف الكرمل، راعي البرعم، ظل الغيمة، ديوان الشعر الفلسطيني، رحلة البحث عن التراث، ثلاثة شعراء، طلائع النهضة في فلسطين، رواية مفلح الغساني، روحي على راحتي، مذكرات نجاتي صدقي، مقالات وابحاث، عالم القصة القصيرة، أوراق خضراء، فستق أدبي، ، خميرة الرماد وغير ذلك من دراسات ومقالات وأشعار غير مطبوعة.
حنا أبو حنا كغيره من الشعراء والمبدعين الفلسطينيين، عاش النكبة وعايشها وذاق على جلده معنى القهر والظلم والاضطهاد العنصري فجاءت تجربته الشعرية والادبية صادقة وحارة وأصيلة. وتدور قصائده حول الارض والإنسان والهوية والقضية الفلسطينية بكل تشظياتها وأبعادها ، وما يميزها تلك الروح الوطنية الصادقة والشعور القومي والرفض للاقتلاع من الوطن والحث على التمسك بالتراب، وتوظيف الموروث التراثي، واستخدام الايحاءات والرموز والدلالات لخدمة اغراضه الشعرية .
ومن جميل اشعاره قصيدة "لن ننسى" التي تحاكي الواقع وتتحدث عن مجزرة كفر قاسم، نقتطف منها هذه الأبيات:
يا اخوتي كيف ننسى مرّ ماضينا
وحاضراً لم يزل يروي مآسينا
ولم تزل حولنا الأغلال تخنقنا
والغدر يسعى الى تشريد باقينا
وحولنا حلقة التهويد مطبقة
ترمي الى سلبنا باقي اراضينا
من يخدعون؟ وقد ذقنا مظالمهم
طوال عشر سنين لم تلن حينا!
واخيراً، حنا أبو حنا شاعر إنساني ملتزم ومرتبط بهموم الشعب وآلام الانسان المقهور والمظلوم وقضاياه وأحلامه وأمانيه في الحياة الحرة الكريمة، ورغم شيخوخته وبلوغه الخامسة والثمانين الا أنه كان قبل سنوات جزيل العطاء ويشارك بفعالية في الانشطة السياسية المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي الندوات والأماسي الشعرية والأدبية في بلادنا.
فتحية من القلب الى حنا أبو حنا ، شاعراً وأديباً مبدعًا صاحب تجربة ابداعية غنية ، وتمنياتنا له بموفور الصحة والعافية ودوام الابداع المتجدد المتميز.
بقلم: شاكر فريد حسن