رحلة القديسين بطرس وبولس... من بابل إلى الفاتيكان... والطير الأبابيل.

لماذا نجد أنفسنا محكومين لقراءات وترجمات وتفسيرات لتسميات بلادنا نأخذها عن العجم ونحن أهل اللغة، قد غُرسنا ونمونا في بيئتها؟... 

فبراير 15, 2022 - 00:34
فبراير 15, 2022 - 00:32
رحلة القديسين بطرس وبولس... من بابل إلى الفاتيكان... والطير الأبابيل.

يقول اللغيويون أن كلمة "بابل" هي من التسميات الساميّة مجهولة المصدر، ويترجمونها بمعنى بوابة الآلهة، وبعضهم يعتمد على الكتاب المقدس فيترجمها بمعنى "البلبلة"، أي إنتشار الفوضى. 

لماذا نجد أنفسنا محكومين لقراءات وترجمات وتفسيرات لتسميات بلادنا نأخذها عن العجم ونحن أهل اللغة، قد غُرسنا ونمونا في بيئتها؟...

ولا يمكن أن يكون تفسير كلمة ما صحيحاً ما لم يبنى على منطق عربي، فالاعاجم قد أخذوا منا ولم يدركوا معاني ما أخذوه، فالبسوه الكثير من خيالاتهم فعجموه عجناً عجيباً. 

يقولون: لِمَ هو عجيب؟ نقول: لأنه عَجْنٌ لم يعجبنا. فيقولون: اتعجبتم منه؟ ونقول: نعم، تعجبنا منه. فيقولون: إذن هو عَجْنٌ قد اعجبكم!!!..، 

فأنَّا لعجم أن يفهموا ما نقول ونحن قوم إن لم نُعجب نتعجب، وعندما نُعجب لا نَعجب. 

وكلمة بابل، إن كان أصلها في مقطعين صوتيين، فهي إما باب-إل، أو با-بيل. ومن هذين الافتراضين تتشعب الاحتمالات. 

وفي الافتراض الأول، باب-إل، لسنا ملزمين بمعنى البوابة، اي مدخل الدار، بل أيضاً لدينا الباب بمعنى الكاهن الأكبر أو الحبر الأعظم، ومنها عند المسيحيين البابا بهذه الصفة تماماً. ربما هي قد سميت بابل بمعنى البابوية، كما هو حال الفاتيكان في أيامنا، وهذا ما سنعود إليه في خيارنا الثاني. 

وحرف الباء يتحول لفظه عبر اللهجات إلى واو ساكنة، أو إلى فاء، أو إلى باء مخففة (P) اذا جاء التحول عبر الفاء، او إلى فاء مشددة (V) إذا جاء التحول عبر الواو. فبابل قد لفظت "باول" في سوريا، وبابا تلفظ بوب (pope) بالباء المخففة في أوروبا أو (bishop). 

ويرى اللغويون أن اسم "بولس" هو من أصل يوناني ومعناه "الصغير"... ولكن بالنظر إلى الألفاظ المختلفة لإسم بولس تبدو لنا صورة مختلفة. فبالروسية يلفظ "بافل" (Павел)، وبالانكليزية "باول" (Paul)، وباليونانية "بافلوس" (Παύλος)، وبالاسبانية "بابلو" (Pablo)... وهكذا.... تلك الألفاظ تشير إلى أن الإسم يعود إلى كلمة "بابل" ومن خلال لفظها السوري"باول" الذي تحول بالعربية إلى "بولس". 

أما الافتراض الثاني، با-بيل، فيبدو منطقياً أكثر، فالاصل من كلمة "بابا" هو "با" ومنه الكلمة العربية "أب"، منها اشتقت كلمات مثل بطرس وبيتر وبطريارك وغيرها كثير.. وبطرس هو ليس إلا الكاهن الأكبر قبل أن تتحول الكلمة إلى إسم لشخص...

رسم للقديسين بطرس وبولس

يقول اللغويون ان إسم بطرس معناه الصخرة أو الحجر، وهذا فهم عجمي وليس لغوياً. هو الأباتي، وبلهجات أخرى تضاف الراء لتصبح الكلمة أباتير دون تغيير بالمعنى، ويحور اللفظ بحسب اللهجات وحالات الاعراب إلى بيتر وبطرس وبطريارك. 

أقباط مصر يستخدمون كلمة أباتير بهذا المعنى، ولا بأس أن يزعم اللغويون العجم ان الكلمة جائت من الأصل اليوناني "ابادير"، فكل شيء عندهم يوناني، وهذا ما يجعلهم عجماً. 

وأتسائل، لماذا العرب يجمعون كلمة إمبراطور على "أباطرة"؟ هل بسبب إعادتهم إياها إلى كلمة أباتير؟ 

ويقولون أن اسماء مثل باتريس وباتريك وباتريخ هي من مصدر واحد ولها معاني مثل النبيل أو الحاكم، وهذا يتفق مع معنى الأباتي دون شك، فالأباتي هو نبيل، وهو حاكم لرعيته. ولكننا لا نَفصلُ هذه الأسماء عن بطرس وبيتر وبطريارك، او بطريارخ. كلها مشتقة من ذات المصدر. 

وكما تقول ويكيبيديا، كلمة بيل أو بِل (بالأكادية بيلو) ، تشير إلى "الرب" أو "السيد"، وهي لقب وليس اسماً حقيقياً، ينطبق على مختلف الآلهة في ديانة بلاد ما بين النهرين في أكاد وآشور وبابل.

بذلك، با-بيل هو الحبر الأعظم (البابا) [خادم] الرب، وبالتالي يكون إسم المدينة مشتق من كونها مركز عبادة وخادمة للرب، اياً كان ذلك الرب.

وربما أن طيراً أبابيل يقصد بها طيراً ربانية، مطيعة وخادمة للرب، والله أعلم. 

ولأن حرف الفاء يتحول إلى حرف باء في بعض اللهجات، فإن فاتيكان تصبح باتيكان، وتقطيعها با-ت-يك-ان. "با" بمعنى (البابا) والتاء هي للتأنيث في العربية، ولتكوين مصدر الكلمة في لغات أخرى، والباقي (يكان) إضافات مفهومة لمن يعرف لغات أوروبية. تعريب الكلمة هو "البابوية" (اي مكان إقامة وخدمة البابا)، وإن قلنا "بابوية بيل"، أي "بابوية الرب" بمعنى مكان خدمة الرب، فإننا نصل إلى "با-بيل". ومعنى فاتيكان اليوم يوازي بالضبط والتمام معنى "بابل" في تلك الأيام من حيث كونهما مركزان دينيان رئيسان مكرسان لخدمة الإله. 

 و تؤكد الرواية الدينية طرحنا هذا، فسمعان تلميذ المسيح أصبح لقبه بطرس، وشاول الرسول أصبح لقبه بولس بعد اتباعهما ديانة المسيح عليه السلام وليس قبل ذلك، مما يدل على المعاني الدينية لهذه الألقاب من حيث كونهم من "الآباء" أو الاباتيين أو الأباترة (جمع أباتير) أو البطارسة (جمع بطرس) أو البطارقة المؤسسين لنشر الديانة.

ولما كان حرف السين في "بطرس" هو إضافة يونانية، كما يقولون، فلهجة أخرى قد استبدلت السين بالكاف فصار البطرس بطركاً، وغيرهم استبدله بالقاف فصار بطرس بطرقاً. 

حسام شعبان ولد عام ١٩٦٢ في مخيم نهرالبارد من أسرة فلسطينية لاجئة إلى لبنان. حاصل على ماجستير في هندسة الكمبيوتر من معهد فينتسا للعلوم التقنية. ساهم في تأسيس العديد من الهيئات والحركات الشعبية المساندة لحقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. حالياً ناشط في الحراك الشعبي في لبنان. له اهتمام باللغات القديمة وترجماتها من باب كونها مدخلاً لإنتاج الذكاء الاصطناعي.