الصليب بين السيد المسيح والفلك

لست ممن يخوضون في المعجزات والمعتقدات الدينية، ذلك كار له أصحابه المتخصصين في علومه... ولكن لا أقدر على غض النظر عن الواضح من علوم الفلك القديمة والراسخة على مر التاريخ حتى يومنا... فما هو الصليب بعين الفلكي؟

الصليب بين السيد المسيح والفلك

يحتفل المسيحيون على إختلاف كنائسهم بعيد الصليب في الرابع عشر من أيلول مع اختلافات في المناسك المتبعة لكل كنيسة، ويتميز الاقباط باحياء هذا العيد مرتين في العام الواحد، في السابع عشر من شهر توت (٢٧ ايلول) وفي العاشر من برمهات (١٩ آذار).

ويروى أن القديسة هيلانة، والدة قسطنطين ملك بيزنطة، قد عثرت عام ٣٢٦م على الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح، وجدته مطموراً بالنفايات ليس بعيداً عن سور مدينة القدس القديمة. أي بعد مرور حوالي ٢٩٣ سنة على حادثة صلب السيد المسيح.

ويروى عن العديد من المعجزات المرتبطة بهذا الحدث دون التطرق لمعجزة بقاء الصليب الخشبي كل تلك المدة تحت النفايات وتحت المطر في بيئة رطبة دون ان يتلف ويتحلل... فهذا تحصيل حاصل بالنسبة للمؤمنين فالمعجزات عمل بسيط أمام عظمة القداسة.

ولست ممن يخوضون في المعجزات والمعتقدات الدينية، ذلك كار له أصحابه المتخصصين في علومه... ولكن لا أقدر على غض النظر عن الواضح من علوم الفلك القديمة والراسخة على مر التاريخ حتى يومنا... فما هو الصليب بعين الفلكي؟

ايلول هو الشهر الأول من السنة عند الأقدمين (مع الإختلاف في توقيت أيامه وتسمياته عبر التاربخ)، واختياره أولاً جاء لاحتوائه يوم الإعتدال الخريفي الذي تتساوى فيه مدة الليل مع مدة النهار وبداية هطول المطر. ذلك لم يمنع بعض الشعوب من ابتداء السنة من الإعتدال الربيعي أو حتى من الإنقلاب الشتوي كما حالنا اليوم. وذلك لم يمنع من الإختلاف في تعيين الشهور وأيامها... وهذا مبحث لا يندرج ضمن موضوع هذه المقالة.

التقويم قد بدأ بتعداد أيام القمر من بداية ظهوره حتى افوله، وهو تقويم زاحف عبر فصول السنة، فإثنى عشر شهراً قمرياً تقل بحوالي عشرة أيام  عن دورة واحدة للأرض حول الشمس. تلك الأيام العشرة باتت المتممة للسنة الشمسية وباتت تقام فيها مناسبات الإحتفال بقدوم عام جديد.

لم يتغير الحال مع تقويمنا المعاصر رغم العبث بتعداد أيام الشهور، وبقيت السنة الشمسية كما كانت في الماضي إثنى عشر شهراً قمرياً وعشرة أيام. إلا أن العبث قد جعل الإنقلاب الشتوي في عصرنا يحدث في الحادي والعشرون من الشهر الأخير. وإن أضفنا إليها الأيام العشرة نكون في الحادي والثلاثون من كانون الأول الذي هو نهاية العام. رغم العبث بقي حساب أيام السنة مضبوطاً. 

ومن مظاهر العبث الواضحة أن الشهور من التاسع حتى الثاني عشر بلهجات أوروبا، سبتمبر واكتوبر ونوفمبر وديسمبر، تحمل أسمائها معاني السبعة والثمانية والتسعة والعشرة بحسب تلك اللغات. لقد تم تغيير موعد رأس السنة من الربيع إلى الشتاء واحتفظت تلك الشهور بتعدادها القديم في اسمائها. 

يلي الإنقلاب الشتوي ثلاثة أيام تذكرنا بقيامة المسيح عليه السلام بعد ثلاثة أيام من صلبه (ثلاثة أيام من الإنقلاب الشتوي أو إنتهاء السنة القديمة)، هي أيام موت وسكينة، هكذا نكون في الرابع والعشرون من شهر كانون أول، وفي اليوم التالي يبدأ الإحتفال بيوم الميلاد الجديد والذي يستمر حتى رأس السنة الجديدة. ثلاثة أيام تمر حزناً على موت سنة، يليها أسبوع للاحتفال بولادة سنة جديدة... هي عشرة أيام متممة للأشهر القمرية... وما هذا إلا من علم الفلك.

وقيامة المسيح تتبع أيضاً الإنقلاب الربيعي في ٢١ آذار ولكن بمفهوم متحرك بحسب دورة القمر، يقام فيها عيد الفصح (يسمى أيضاً عيد القيامة) في يوم الأحد الأول بعد اكتمال القمر. هذا يجعل عيد الفصح بتواريخ متغيرة بين ٢٢ آذار و٢٥ نيسان. 

في طقوس إحتفالهم بعيد الصليب في ١٧ توت يردد الأقباط المرد التالي: ("من قبل صليبه وقيامته المقدسة رد الإنسان مرة أخرى إلى الفردوس") وفي ذلك إشارة لقيامة المسيح عليه السلام بعد صلبه أو ربما من قبل ذلك، ويرد مرة أخرى إلى الفردوس، مرة كل عام. 

ثلاث قيامات، شتوية وربيعية وخريفية، ولم تحضر في بالي قيامة رابعة صيفية ولست أدري إن كانت موجودة في التقاليد الدينية. ولكن لو تخيلنا الأرض في دورانها حول الشمس وقمنا بوصل الخطوط بين الانقلابين وبين الاعتدالين لرأينا الصليب لا ريب فيه. 

يحتفل الأقباط بهذا التصالب مرتين، عند الإعتدال الخريفي وعند الإعتدال الربيعي وليس في هذا صدفة فكلاهما عيد الصليب، او عيد التصالب. وإن إختلفت الطوائف في تحديد الأيام والمناسك فهي تبقى مجمعة على جوهر حدث تعامد الخطوط أو تصالبها. وإن قيل أن الصليب هو رمز لجهات العالم الأربع فالعالم قد يكون بالنسبة اليهم هو الأرض والقمر والشمس أو ربما يكون هو الأرض وحدها، وفي كل الحالات يصح مفهوم الجهات الأربع ويترابط. 

ويروى أن المسيح عليه السلام قد أرسل إثنى عشر من التلامذة (بعدد شهور السنة)، ويقال ثلاثة عشر (بإضافة بولس الطرسوسي)... وهذا الأخير الثالث عشر قد إختفى ذكره من تعداد الرسل بعد أن وزعت أيامه العشرة على بقية الشهور. وفي بلاد الحبشة مازالوا يعدون الشهور ثلاثة عشرة شهراً آخرها وأصغرها هو شهر الأعياد.

يبقى أن نقول أن تلك الحسابات لا تشمل الأجزاء العشرية في اعدادها، وأن بعض الشعوب قد ضبطت الفوارق المتراكمة عبر الأعوام وبعضها لم يفعل.