هبّة القدس.. وحدة وطنية في الميادين..ولكن
في حين كانت هناك مناشدات فلسطينية رسمية معلنة وسريّة، تطالب بالتدخل الدولي ( لإقناع) الاحتلال بالموافقة على إجراء الانتخابات في القدس
في حين كانت هناك مناشدات فلسطينية رسمية معلنة وسريّة، تطالب بالتدخل الدولي ( لإقناع) الاحتلال بالموافقة على إجراء الانتخابات في القدس، وكما جرت سابقا، أي عبر مكاتب البريد في القدس الشرقية المحتلة، ولكن المناشدات والمطالبات والوساطات الأوربية وغيرها لم تجد آذانا صاغية لدى نتنياهو وقادة الكيان الصهيوني، وتسرّبت أخبار تقول بأن قادة الكيان أبلغوا الجهات الفلسطينية التي تتواصل معهم برفض إجراء الانتخابات في القدس، لا عبر مكاتب البريد، ولا غير هذه الوسيلة.
في السلطة بدأت غمغمات تصدر: بدون القدس لا انتخابات! وكان هذا يعني مخرجا لمن بدأوا يشكون في النتائج المرجوّة!
فجأة!..ودائما هذه الفجأة يفاجئ بها الشعب الفلسطيني أولاً قياداته، وثانيا أمته، وثالثا العالم، ومن قبل ومن بعد: الاحتلال، الذي أمعن في الأشهر الأخيرة في مصادرات الأراضي الفلسطينية، وهدم البيوت، ووضع اليد على ابنية تسهم في تضييق الخناق على القدس القديمة، دون أن يحسب حسابا للغضب الفلسطيني الكامن دائما في نفوس الفلسطينيين، وفي مقدمتهم المقدسيون.
فجأة هبّت القدس بغضب عات، وامتلأت شوارع القدس القديمة، وباب العامود..بالشباب! وهؤلاء الشباب جيل فلسطيني جديد، وهم تمرّسوا من قبل في هبّة رفض الكاميرات والبوابات الإلكترونية..وانتصروا، واقتلعت، بعد أن وضعوا قادة الكيان الصهيونيين أمام نُذر انتفاضة عاتية تعيد تصحيحي المسار الذي انحرف بعد أوسلو.
لا حواجز في باب العامود، فباب العامود لنا، نلتقي أمامه، ونصلي تحته، ونسهر على ادراجه...
هبّة القدس تجاوزت الجدل حول الانتخابات في القدس إلى الخيار المقاوم للاحتلال، الذي صعّد عدوانه على القدس بمشاركة المستوطنين..ظنا بأن الفلسطينيين المقدسيين استكانوا وأحبطوا، وان الفرصة سانحة للتمادى في مخططات استباحة الأقصى، وتشويه شخصية القدس العربية إسلامية ومسيحية، وهو ما ينسجم مع ( صفقة العصر) الترامبية!
هبّة القدس، وفي أيّام قليلة، أعادت الوجهة، وجددت المفاهيم، فانتظار( الضغط) الدولي على الاحتلال غير مجد لأنه رخو ومائع، وتوقف هذا الاحتلال عن مواصلة نهب الأرض الفلسطينية والتوسع الاستيطاني غير وارد عنده لأنه ينفّذ مخططا واضحا: الاستحواذ على الأرض الفلسطينية، وحشر الفلسطينيين في معازل تمهيدا لاقتلاع أكبر عدد منهم ورميهم خارج فلسطين: ترانسفير..وانظروا إلى ما يدبّر لأهلنا في يافا، وحملة الاحتلال الشرسة لوضع اليد على حي العجمي العريق هناك، ومقاومة أهلنا في يافا ببسالة.
اتسعت هبّة الأقصى وامتدت إلى مدن وبلدات الضفّة الفلسطينية، ولم تعد محصورة في القدس الشرقية وباب العامود، ومع القصف الصاروخي لمستوطنات غلاف قطاع غزة أخذت الأمور بعدا خطيرا بالنسبة للاحتلال: هبّة الغضب الفلسطينية يمكن أن تتطوّر إلى انتفاضة، والقصف الصاروخي من قطاع غزة يمكن أن يتصاعد إلى معركة عسكرية كبيرة...
هبّة القدس قالت: الشعب الفلسطيني موحّد، وهو يعرف عدوه ويعرف كيف يفكّر، ويعرف أن هذا العدو المجرم لن يتراجع لا بالمناشدات، ولا بالمفاوضات، ولا بالعبارات التي يطلقها قادة أوربيون يعبرون فيها عن ( قلقهم) على توسع الاستيطان..وما يجري في القدس!
التناغم الشعبي الفلسطيني، وامتلاء ساحات المدن والبلدات الفلسطينية، من جديد عنت تجاوز الشعب الفلسطيني للقيادات المنهمكة في التنافس على الانتخابات – والتي هدفها التفاوض؟!- وعدد المقاعد، وكيفية مواجهة الانشقاقات الداخلية..وأن شعب فلسطين صاحب الخبرات المتراكمة عبر عقود: موحّد، وبرنامجه الوطني ليس التفاوض، ولا الانتخابات، ولا كراسي المجلس التشريعي، وأن الإنقسام المتواصل منذ سنوات، والذي أضعف القضية الفلسطينية، وأغرى عرب التطبيع بالخيانات العلنية، ومنح العدو المزيد من الوقت لتنفذ مخططاته بدون تكلفة..هو انقسام بين قيادات متنافسة مصلحيا!
شعبنا موحد، وهدفه تحرير وطنه فلسطين، وقياداته مشتتة، متصارعة، متكايدة، وهو في القدس، وغير القدس، لا ينتظر من الاحتلال أن يسمح له بانتخابات في مراكز بريد يسيطر عليها، فأهلنا في القس أرسلوا ببريد تضحياتهم وبطولاتهم رسالة مفادها أن شعب فلسطين لن يتخلّى عن المقاومة لتحرير وطنه، وان مقاومته الشعبية في القدس والضفة، وفي عمق فلسطين..ومقاومته بما تيسّر من الصورايخ التي تنهمر على مستوطنات العدو حول قطاع غزة، والتي تضعها في موضع الرهينة لخوف وقلق دائمين، وعدم ثقة بقيادات الكيان على حمايتهم، وعجز القبة الحديدية عن رد صواريخ الفلسطينيين..هي خياره الذي لا خيار سواه يضمن له تحرير وطنه وحريته.
الوحدة الوطنية الفلسطينية متحققة بين الفلسطينيين، ولكن الخلل سببه قيادات لا تفكّر بغير المصالح الأنانية الضيقة، وهذه اللاكن تجذرت مرضا قياديا فلسطينيا منذ عقود!
لا تضيّعوا هبة القدس كما ضيّعتم الانتفاضة الكبرى في عتمات أوسلو، ولا يزاودن أي طرف على الاخر بالتشبث بالانتخابات، ولا تعيدوا إرباك صفوف شعبنا، ومنكم من استمرأ تضييع الفرص بقصر نظر، ورهانات ساذجة، وربما ابعد وأخطر من السذاجة...
رشاد ابو شاور