شتات مركب .

أنا فلسطيني في الشتات منذ عام 1967. لا أنسى ذلك اليوم : الثالث والعشرين من آب ، عندما غادرت وطني لطلب العلم

شتات مركب .

أنا فلسطيني في الشتات منذ عام 1967. لا أنسى ذلك اليوم : الثالث والعشرين من آب ، عندما غادرت وطني لطلب العلم ، كانت يومها الحسابات عاطفية ، وكأن العودة بديهية في وقت لاحق ، فراق الأوطان مثل فراق الاولاد والاحفاد ، مهما ابتعدت عنهم فانك لا تكاد تتصور ان لا تلتقيهم مرة أخرى. 

شربت عيناي تفاصيل الطريق حتى مقبرة الشهداء ، ثم غابت تلك التفاصيل في غيمة من الدموع التي لم تستأذن وغالبتها ولكنها غلبتني ، اربع سنوات قاسية سرقتني من وطني الا من بعض الحنين في لحظات الشبع القليلة ، وفي ايام الدفء الربيعية ، كان الطموح خلالها مهر للعودة الموعودة ، وخابت الظنون وتخلى من كان عليهم الرهان ليستمر الشتات وانتهي تائها بين الموانىء والمطارات في بلاد اكلت من شبابي سنوات ، وبدأ الامل يتضاءل يوما بعد يوم حتى شارفت على السبعين.

تكرس الشتات في الاولاد والاحفاد ،لاكون فلسطينيا بامتياز يعاني من شتات مركب ، فالاولاد ضربوا في الأرض وسعوا في مناكبها شرقا وغربا ، وفلسطين في تجربتهم وتجربة أولادهم حالة ذهنية ، لا استطيع جمع شملهم جميعا ولو على أرض محايدة ، لم يحدث ان تمكنت من ذلك بالرغم من أمنياتي ، دائما ، هناك غائبون يكسرون دهشة " اللمة" ، ليبقى بعض الوجع والفقد حاضرا حتى في اللحظات التي تقتضي الدهشة والفرح .

لاني فلسطيني ، عانيت من هذا الشتات المركب ، كل شعوب الأرض تستطيع العودة الى ترابها ، وان تعذر عليهم ذلك فإن املهم يظل معقودا ، وشغفهم وحنينهم لاوطانهم لا تلغيه المسافات ولا المعوقات الطارئة . اما انا الفلسطيني، فإن من احتل وشرد وقتل ونكل ، يستمتع بشتاتي وشتات أبناء وطني .

غدا تتفرق اسرتي الصغيرة شرقا وغربا ، قبل ان تترسخ صورة احفادي في ذاكرتي ، وقبل ان اترك في ذاكرتهم ما يثير حنينهم ليتذكروا الجد الذي لم يشبع من كركرتهم وعناقهم . ايها الحزن لقد شبعنا منك حد التخمة . ايها الشتات هل انت مسجل في الأمم المتحدة على اسمنا فقط ؟؟! 

شتات شعبي مركب ، طال الاولاد والاحفاد ، ولا يهمس احد بوجع المشتتين ، حتى من يسمون انفسهم ولاة أمرنا تركونا دون أفق ومن غير امل ، في المخيمات وفي الفيافي وعلى هامش برامجهم التي قتلت فينا الامل ، ولم يعد للاحفاد امل في عودة قريبة او بعيدة . 

الوجع الفلسطيني لا ينتهي ، له الوان وأشكال ، اعلاها الثكل والترمل ، وادناها الفقر ، وبينهما حنين وامنيات لا تتحقق .

سحقا لمن قتلوا الامل في عودتي .

د. احمد عرفات الضاوي