شتات مركب .

أنا فلسطيني في الشتات منذ عام 1967. لا أنسى ذلك اليوم : الثالث والعشرين من آب ، عندما غادرت وطني لطلب العلم

أغسطس 16, 2021 - 20:20
أغسطس 16, 2021 - 20:22
شتات مركب .

أنا فلسطيني في الشتات منذ عام 1967. لا أنسى ذلك اليوم : الثالث والعشرين من آب ، عندما غادرت وطني لطلب العلم ، كانت يومها الحسابات عاطفية ، وكأن العودة بديهية في وقت لاحق ، فراق الأوطان مثل فراق الاولاد والاحفاد ، مهما ابتعدت عنهم فانك لا تكاد تتصور ان لا تلتقيهم مرة أخرى. 

شربت عيناي تفاصيل الطريق حتى مقبرة الشهداء ، ثم غابت تلك التفاصيل في غيمة من الدموع التي لم تستأذن وغالبتها ولكنها غلبتني ، اربع سنوات قاسية سرقتني من وطني الا من بعض الحنين في لحظات الشبع القليلة ، وفي ايام الدفء الربيعية ، كان الطموح خلالها مهر للعودة الموعودة ، وخابت الظنون وتخلى من كان عليهم الرهان ليستمر الشتات وانتهي تائها بين الموانىء والمطارات في بلاد اكلت من شبابي سنوات ، وبدأ الامل يتضاءل يوما بعد يوم حتى شارفت على السبعين.

تكرس الشتات في الاولاد والاحفاد ،لاكون فلسطينيا بامتياز يعاني من شتات مركب ، فالاولاد ضربوا في الأرض وسعوا في مناكبها شرقا وغربا ، وفلسطين في تجربتهم وتجربة أولادهم حالة ذهنية ، لا استطيع جمع شملهم جميعا ولو على أرض محايدة ، لم يحدث ان تمكنت من ذلك بالرغم من أمنياتي ، دائما ، هناك غائبون يكسرون دهشة " اللمة" ، ليبقى بعض الوجع والفقد حاضرا حتى في اللحظات التي تقتضي الدهشة والفرح .

لاني فلسطيني ، عانيت من هذا الشتات المركب ، كل شعوب الأرض تستطيع العودة الى ترابها ، وان تعذر عليهم ذلك فإن املهم يظل معقودا ، وشغفهم وحنينهم لاوطانهم لا تلغيه المسافات ولا المعوقات الطارئة . اما انا الفلسطيني، فإن من احتل وشرد وقتل ونكل ، يستمتع بشتاتي وشتات أبناء وطني .

غدا تتفرق اسرتي الصغيرة شرقا وغربا ، قبل ان تترسخ صورة احفادي في ذاكرتي ، وقبل ان اترك في ذاكرتهم ما يثير حنينهم ليتذكروا الجد الذي لم يشبع من كركرتهم وعناقهم . ايها الحزن لقد شبعنا منك حد التخمة . ايها الشتات هل انت مسجل في الأمم المتحدة على اسمنا فقط ؟؟! 

شتات شعبي مركب ، طال الاولاد والاحفاد ، ولا يهمس احد بوجع المشتتين ، حتى من يسمون انفسهم ولاة أمرنا تركونا دون أفق ومن غير امل ، في المخيمات وفي الفيافي وعلى هامش برامجهم التي قتلت فينا الامل ، ولم يعد للاحفاد امل في عودة قريبة او بعيدة . 

الوجع الفلسطيني لا ينتهي ، له الوان وأشكال ، اعلاها الثكل والترمل ، وادناها الفقر ، وبينهما حنين وامنيات لا تتحقق .

سحقا لمن قتلوا الامل في عودتي .

د. احمد عرفات الضاوي

د.احمد عرفات الضاوي احمد عرفات الضاوي كاتب فلسطيني من الاردن. صدر له : دراسة في ادب احمد فارس الشدياق وصورة الغرب فيه . مطابع الدستور . عمان الأردن 1994، مجموعة كهف الارانب وقصص أخرى للفتيان . رابطة الكتاب الاردنيين . 1994، التراث في شعر الرواد . دبي . مطابع البيان .1998 .، المسرحية الشعرية احلام الطفل العربي وزارة الثقافة .عمان .2003، رواية للفتيان بعنوان خذوني إلى السماء .امانة عمان الكبرى عام 2003، بوح الزيتون .سيرة وزارة الثقافة .عمان 2019.، الرواية المنشورة . الدلال حسن . دار يافا للنشر . عمان .2018.