محطات العمر . 

منذ نصف قرن او اكثر قليلا ، كان لي وطن ، لم يكن لي ارض املكها ، ولا بيت ياويني ، لكني كنت احس ان جميع فلسطين وطني ، لم يمنعني احد من التنقل بين جباله وسهوله واوديته ، كنت مثل فراشة تحط حيثما تشاء

يناير 30, 2022 - 17:00
يناير 30, 2022 - 17:08
محطات العمر . 

منذ نصف قرن او اكثر قليلا ، كان لي وطن ، لم يكن لي ارض املكها ، ولا بيت ياويني ، لكني كنت احس ان جميع فلسطين وطني ، لم يمنعني احد من التنقل بين جباله وسهوله واوديته ، كنت مثل فراشة تحط حيثما تشاء . ومثل طائر الشحيتي يتنقل بين الاغصان لا يعبأ بما حوله يختفي ويظهر ولا تكاد عينك تبصره الا لحظات .

كنت في مثل هذا اليوم اتسلح بالجزمة الطويلة ، وبمقلاع خشبي يشحذه لي قطروز او اي احد من الكبار ، واضع المخلاة في عنقي واصعد الى الجبال ، زوادتي رغيف خبز طابون مدهون بالزيت ، اجمع الشحيم من الجبال واجدله واجعل في راس الجديلة راسا كبيرا كنا نسميها الطاحونة .

الأرض سخية تجمع دون جهد كمية من اللوف والجعدة اما الفقع فهو الذي يعثر عليك ويناديك من تحت قدميك انتبه انا هنا ، يناديك عبق النرجس فتجلس تتامله ، وتتسلى اثناء التأمل بعروق البسباس والمرار ، ديوك السمن في الارجاء تتنادى ، وطائر السود يتنقل بين الواح الصبر وأشجار اللوز . لا يخفيه شيء ولا يخيفه صياد ، فالفخاخ اغلبها حول القرية، وكثيرا ما تخطى فتعطي هذه الطيور المهاجرة درسا في الحذر . ومن هذا المنطلق سمينا الطير الذي يتعذر صيده ( الحذري ) .

تمتلىء المخلاة بالخيرات فاهبط نزولا ، امر من معناة كانت في العام الماضي مزروعة بالبصل ، فاجد الرؤوس المنسية قد اينعت ورقا ، اخرج الزوادة واتناول أشهى وجبة في العمر . رغيفي المدهون بالزيت مع ورق البصل اليانع ، استلقي تحت الشمس على صخرة رطبة ، وقبل ان تتسلل الرطوبة عميقا في جسدي ، انهض الى أقرب ضحضاح فارتوي ، لا يهمني من شاركني الشرب منه ، فربما شربت منه الطيور ، وربما ثعلب شارد او زاحفة ، فالكل هنا يشرب ويمضي ولا يعكر الماء .

في مثل هذا اليوم كنت اعود محملا من خيرات الأرض، فتبتهج امي وتقول كلمة لا انساها . سبع والله سبع . مع ان كل الأطفال في ذلك اليوم كانوا سباعا مثلي . لكني احظى بهذه الكلمة ولا يحظون بها .

اقترب موسم الزعتر الجبلي والدريهمه وتفاح المجن والبريد والاصيبعة ، افتقد كل هذا ، وافتقد امي وهي تكافئني بكلمة سبع . 

لن تعود امي ، ولكن هل يعود لي وطني ؟؟؟؟

د. احمد عرفات الضاوي

د.احمد عرفات الضاوي احمد عرفات الضاوي كاتب فلسطيني من الاردن. صدر له : دراسة في ادب احمد فارس الشدياق وصورة الغرب فيه . مطابع الدستور . عمان الأردن 1994، مجموعة كهف الارانب وقصص أخرى للفتيان . رابطة الكتاب الاردنيين . 1994، التراث في شعر الرواد . دبي . مطابع البيان .1998 .، المسرحية الشعرية احلام الطفل العربي وزارة الثقافة .عمان .2003، رواية للفتيان بعنوان خذوني إلى السماء .امانة عمان الكبرى عام 2003، بوح الزيتون .سيرة وزارة الثقافة .عمان 2019.، الرواية المنشورة . الدلال حسن . دار يافا للنشر . عمان .2018.