السكاكيني والنشاشيبي: مدرستان في النقد الأدبي الصحيح
خضعت فلسطين، هذا القطر الصغير للسيادة التركية، ووقع في ظلام نظام إقطاعي بغيض، وامتدّ الركود الذي أصاب حياة أهله قروناً(1) حتى جاء في نهاية الحكم العثماني أيام السلطان عبد الحميد حيث "التقى العرب والأتراك على هدف واحد الغاية منه تحطيم الحكم الحميدي ممثل الإقطاعية الاستبدادية المطلقة
خضعت فلسطين، هذا القطر الصغير للسيادة التركية، ووقع في ظلام نظام إقطاعي بغيض، وامتدّ الركود الذي أصاب حياة أهله قروناً(1) حتى جاء في نهاية الحكم العثماني أيام السلطان عبد الحميد حيث "التقى العرب والأتراك على هدف واحد الغاية منه تحطيم الحكم الحميدي ممثل الإقطاعية الاستبدادية المطلقة حتى يتاح للعناصر البورجوازية التركية كسر شوكة السلطان المستبد. وكان العرب يرمون من وراء ذلك إلى إيجاد مقوّمات خاصة بالشعوب العربية تضمن لهم السيادة القومية السياسية والاقتصادية"(2) وبدأت طلائع التنبيه واليقظة تظهر على الناس... ولكن بعد إسقاط الحكم الحميدي الإقطاعي داخل تركيا، ورجحان الكفة بجانب الاتجاه البورجوازي، عاد الاتحاديون المنتصرون إلى التمسك بنظام السلطنة الإمبراطوري، إذ رأوا فيه النظام الذي يضمن لهم النهب والاستمرار، فنتج عن ذلك فقدان التقارب التركي العربي، وظهر للعرب أن اضطهادهم انتقل من يد السلطان ممثل الاستبداد الإقطاعي المطلق إلى يد العناصر البورجوازية التركية التي آزرها أول الأمر، وهذا ما دفع العرب إلى مكافحة كل أشكال السيطرة التركية متخذين أهدافاً تتناسب ومختلف الأوضاع التاريخية... لأن النزعة القومية (الطورانية) التي أنتهجها الاتحاديون الأتراك استفزت الشعور القومي في شعوب الإمبراطورية جميعاً. وقد صاحب ذلك ظهور الرأسمالية في التربة العربية، تلك البذور التي نثرها ازدهار الاستعمار الغربي في مطلع القرن العشرين، حيث أخذ يندسّ في الأقطار العربية، وقد رأى في هذه البلاد أخصب الأسواق للرأسمال الغربي(3).
وكما كان العرب بنتهزون فرصة التناقض بين المصالح التركية والمصالح الأوروبية ويجدون في ذلك منفذاً لدعم صفوفهم وتنظيم حركاتهم، كانت الدول الأوروبية ترقب التناقض بين المصالح التركية والمصالح العربية، وتتخذ الحيطة لتوجيهها الوجهة التي تخدم مصالحها الاستعمارية، وأغراضها الاستثمارية(4).
ومنذ أن أنفرد الإنجليز بفلسطين وهم يحاولون إيهام العالم بأن القضية الفلسطينية قضية معقّدة، ويحاولون أن يوجدوا فيها أطرافاً متعددة، ولقد دخل العالم معهم في دوّامة، وكاد العالم العربي يدخل في الدوامة نفسها، مستغلّة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ركّزت، مثل غيرها في الغرب، في صورة الفلسطيني" باعتبارها الأرض المقدّسة نتاج النصوص التاريخية على الفترات التوراتية والصليبية والحديثة (ولا سيما بعد الاحتلال البريطاني سنة 1917م) لأنها عُدّت ذات صلة مباشرة بالتاريخ الأوروبي في الوقت نفسه، ساد تجاهل مئات الأعوام من الحكم العربي الإسلامي"(5).
ولهذا لن نتطرق إلى البحث المعقّد الذي أراده الإنجليز للقضية، ويكفي أن نؤكد "أن تكون قضية نزاع بين شعب أصلي يطالب بحقه الطبيعي في الحرية والاستقلال، وبين سلطة استعمارية مستبدة تسيطر على جميع مقدرات البلاد وتضعها في أوضاع وظروف سياسية واقتصادية تسبب لها الارتباكات والاظطرابات، وقد خلقت السياسة الاستعمارية البريطانية – تدعمها في ذلك السياسة الأميركية – سلسلة من التعقيدات في الحياة العربية الفلسطينية، فجعلت من الولايات المتحدة طرفاً رسمياً في القضية، واتخذت من اليهود وسيلة لترسيخ سيطرتها على البلاد ولخدمة الإستراتيجية الاستعمارية، وجعلت توهم الناس بأنها تعالج القضية وتبغي حلها(6).
وهكذا خرجت فلسطين من قيود الحكم العثماني الاستبدادي الإقطاعي، ووقعت في شباك الاستعمار الانجليزي وضيعته الاستعمار الصهيوني، ومن وراء ذلك كلّه الاستعمار الأميركي، لتكون نقطة ارتكاز يحافظون بواسطتها على مراكزهم الاستعمارية في الشرق الأدنى(7).
يقول الدكتور عبد الرحمن ياغي: "وكل هذه الأدوار التي مرّت بالبلاد العربية، شارك هذا القطر (فلسطين) بنصيبه الوافي: فكان له في الأدوار الأولى ممثلون في عهد التنظيمات، وكان له من يمثّله في كل حزب أو جمعية أو مؤتمر، وكان له نواب في مجلس (المبعوثان) العثماني، يرفعون أصواتهم جريئة في النقد والاحتجاج والمعارضة، ولم يعرف هذا الوطن الصغير طعم الاستقرار السياسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، في هذه العهود، سواء أكان ذلك في عهد الحكم العثماني أم عهد الانتداب الإنكليزي الصهيوني، وقد صبغ ذلك كلّه نضال بلون خاص، ووجّه حياته الأدبية والثقافية وجهة معينة(8). ..
لقراءة الدراسة كاملة، يرجى الضغط على الرابط في الأسفل
الكاتب والباحث جهاد صالح