أم الزرازير : حكاية من الواقع والخيال
هادئة مثل ام الطنافس لا يعكر صفوها سوى هدير البوسطة بين الحين والآخر. صافية مثل عين الديك . لا يضبب اجواءها سوى دخان الطوابين. ومع كل ذلك تراها بعين..
أم الزرازير : حكاية من الواقع والخيال . أعيد نشرها لأنها ملائمة جدا لهذا الواقع.
هادئة مثل ام الطنافس لا يعكر صفوها سوى هدير البوسطة بين الحين والآخر. صافية مثل عين الديك . لا يضبب اجواءها سوى دخان الطوابين. ومع كل ذلك تراها بعين الرضا اجمل بقعة في الكون. ولكن لشهر نيسان وايار مفاعيل متطرفة لا يعرف اسرارها إلا ابو عسكر. الذي يمتلئ صندوقه بكتب الاساطير الصفراء. ومع ذلك لم يتجرأ ان يقول للقوم يا ايها الناس هذه شهور الخصب ومن الطبيعي ان تتلاقى الحمير والخيول. حتى انه لم يتجرأ ان يمتدح البغال المحايدة في معادلة التزاوج. وهي الأغلبية الصامتة في ام الزرازير.
الربيع في اوجه . الدواب تاكل في كل مكان ومن كل زاوية رزقها بين ارجلها وتحت عيونها. تعنفص وتنهق وتثغو وتصهل في سمفونية تزيد القرية جمالا لا يحسه ولا يستمتع به الا ابو عسكر. الذي يجلس عند الضحى على ظهر العلية فيرى حتى الحراذين. وطقوسها وفراخ اليمام التي تتدرب على الطيران. بينما تتركز عيون النساء على امواسهن تبقل وتجمع لطبخة العيال. واما الرجال فكل في واد يهيمون. منتشرون في الارض بين حراث وراع وصياد. وفي ام الزرازير تجتمع حمير النور بحمير القرية دون حواجز او حسابات . لا بل ان حمير القرية اكثر فضولا واجرا على التواصل. فهي التي تهرول غالبا إلى حرم الضيوف تغازلها وتستدرجها مع حرص النور على تجنب هذا الاختلاط العبثي.
حمارة المختار الأمي تتفاعل بشكل مشبوه مع جحش النور القوي الذي لم يستطع كبح جماح غريزته. ويحدث مالم يكن في الحسبان. فيضج الاطفال بالضحك وتنظر النساء باطراف عيونها ثم يغادرن المكان محملات بالخبيزه . وبقصه يتسلين بها. وما ان يحل المساء حتى تنتشر فضيحة حمارة المختار مع جحش النور. فيرفع المختار عقيرته بالوعيد والتهديد. وقبل العشاء يهرول مع حاشيته نحو النور ويهدم عليهم بيوت الخيش ويطلب منهم الرحيل فورا. بعد ان يسلموه الزاني. ارتفعت اصوات الاستغاثة بابي عرب فهم يحطون في ارضه . وصلت اصوات الاستغاثة الى مسامع الرجل فامتشق دبسته واستنفر حاشيته وكان في لحظات امام المختار وحاشيته. كان شيخ النور حكيما. فطلب مهله للرحيل حتى ضحى الغد. اذ ليس من عادة النور الرحيل في الليل. وهذه قصة طويلة لا يملك الشيخ وقتا لسردها. وافق المختار على العرض ولكنه اصر على تسليم الجحش الزاني. فرد شيخ النور . تاخذون حمارنا وتعطونا حمارتكم . تفعلون بحمارنا ماشئتم لتلموا الفضيحة وناخذ حمارتكم ونستر عليها بطريقتنا. وهكذا لا غالب ولا مغلوب وكفى الله الاغبياء القتال.
تمت الصفقة وفي اليوم الثاني رحل النور عن ام الزرازير. وبدأ الفيلسوف عسكر يدون احداثها بشغف وشماته. واصبحت قصة الحمير متداولة على الألسنة يزيد الناس عليها كما يشتهون. ومع كل زيادة في الرواية تشتعل الحرب بين الصبية والشباب. حتى كان يوما والاطفال عائدون من المدرسة فقال عرب لابن المختار ابو خنانة شو اخبار حمارتكم . سمعنا انها خلفت. عندها مسح ابو خنانه بربوره وبطح عرب وعضه في اذنه وانتزع شحمتها . وشبت نيران الحرب في القرية من جديد. ولم يطفئها الا فرسان الحكومة.
صار القوم عندما يلتقون في مسجد القرية يعود اللاحق ويترك المسجد للسابق. صاروا يتنافسون في التبكير . ولكن امام المسجد المتطوع نصح المختار باستجلاب امام رسمي والاستحواذ على المسجد والفتوى. فهداهم عسكر الى امام مفوه اسمه الخباص. الذي باشر عمله قبل عيد الفطر بقليل.
طارت الاخبار الى ابي عرب. الذي اقسم بالطلاق ان لا يصلي وراء امام المختار ولا أي احد من عشيرته. فتمت المقاطعة بجلسة رسمية. وثقها عسكر على مهله في دفتر ام الزرازير.
كان لا بد ان يؤدي الناس صلاة العيد في المسجد كما تعودوا. ولكن يمين ابو عرب يصعب التضحية بها الا باستصدار فتوى. فقام تيس من تيوسه وفي حضرة الكبار والصغار واقسم ان ينتحر لو صلى احد خلف امام الخصم. وان يلقي بنفسه في الهربه الي على البيادر. وهو يعلم انها عميقة وخالية من الماء ليضفي الجدية على تهديده. وقال بصوت جهوري. عندي الكم حل. فاشرابت الاعناق نحوه وانتظروا الفرج من بين شدقيه. انتظر حتى صمت اخر متكلم وقال: بنجيب راديو عسكر وبنحطوا وسط العقد وبنصف وراه . ولما تبدأ الصلاة بالاقصى بنصلي وراء امام الاقصى. وربع المختار بصلوا وراء الخباص. استحسن القوم الفكرة وصلى كل وراء امامه. وظلوا على هذا الحال زمنا. وما زال ابناء ام الزرازير يعودون الى بيوتهم مقطعة ثيابهم بسبب المعارك التي ما زالت قائمة بسبب قصة حماره المختار. وما زال كل واحد يصلي وراء امامه. لا يلتقون ولا يتصالحون ولا يتزاوجون ولا يبيعون لبعضهم ولا يشترون.
الغريب ان اغنام القرية كلها تسرح معا وتعود معا وراعيها واحد. ولم تكترث لما تحمل صدور اصحابها من ضغائن. واكثر المرتاحين في هذه المعادلة هي البغال التي ليس لها في قضايا العشق والنزوات. وما زال عسكر يراقب ويدون ويقهقه على اهل ام الزرازير.
د. احمد عرفات الضاوي