قضايا أدبية: ماذا لو أقصينا الصور البيانية من النص الأدبي؟

يبدو العنوان غريبًا، وربما تعرضت لهجوم قبل قراءة المقال كاملًا، لكن الحقيقة لا تحجب بغربال، فالنص الذي يمتلئ بالصور البيانية والوصف المقيت ليس دليلا على براعة كاتبه..

قضايا أدبية: ماذا لو أقصينا الصور البيانية من النص الأدبي؟
أيمن دراوشة

يبدو العنوان غريبًا، وربما تعرضت لهجوم قبل قراءة المقال كاملًا، لكن الحقيقة لا تحجب بغربال، فالنص الذي يمتلئ بالصور البيانية والوصف المقيت ليس دليلا على براعة كاتبه، وكلنا يعرف الانتقادات التي وجهت للشاعر أبي تمام الشاعر العباسي غلوه وصناعته في استخدام الصور البديعية، وإن استثنينا الشعر من هذه الحقيقة، فنحن مرغمون على ذلك، فالشعر قضية أخرى، ومن خلال صوره الفنية يتم حكم النقاد. لكن قصدت بكلامي فن القصة والرواية على وجه الخصوص، والذي دفعني لكتابة هذا المقال الغريب هو قراءتي الثانية لرواية الروائي اليمني أمين باجنيد المدينة الفاضلة، حيث لن تحتاج إلى ساعات لتقرأ أوصافا مكررة مبالغ فيها لمكان أو لأحد الشخوص خاصة إذا كانت الشخصية امرأة، إلا أن الروائي اليمني الرائع استطاع أن يلغي نهائيًا تزاحم الصور والأوصاف، وأوصل الفكرة بأقصر الطرق " وبدون لف ولا دوران" ربما لم يقصد ذلك، وهذا ما يسمى بالكتابة العفوية البعيدة عن الصناعة والزخرفة اللفظية واللغة الفائقة ، بل هي الكتابة الشعورية الحقيقية الصادقة.
زمن المبالغات والصناعة اللفظية تحت مسمى الصور الفنية انتهى، وحل محل ذلك الإيجاز أو ما يسمى بالتكثيف، خاصة في الروايات القصيرة والقصص القصيرة جدًّا، فالكتابة شعورية وهدف، قبل أن تكون صورًا وإبداعًا.
إذًا المعادلة:
نص خالٍ من الصور الفنية تمامًا يساوي متعة وإيجاز وتوصيل الفكرة المبتغاة.


عزيزي القارئ الأديب:
لا تستطيع مناقشة ذلك أو الاعتراض، فأنت نفسك لا تستخدم الصور البيانية عندما تطلب من ابنك بأن يحضر لك كأس ماء، وهذا ينطبق على جميع معاملاتك اليومية، فأنت لست بجاجة للصور البيانية عندما تذهب لإصلاح السيارة أو الموبايل، ولست بحاجة للصور البيانية عندما تذهب لصديق تستلف منه مبلغًا من المال، لأنك قادر على إقناعه بدون صور بيانية.
حتى مقالي هذا يخلو من الصور الفنية ومع ذلك تقرؤه وتستمتع به.
المقالات والبحوث العلمية تخلو من الصور الفنية، ومع ذلك نقرؤها ونستمتع بها، وكذلك قصص الأطفال وإن استخدمت بعض الصور فهي قليلة جدًّا وسهلة على الطفل.
قديما كانت أمهاتنا وجداتنا يسردن لنا الحكايات قبل النوم، وكنا نرفض النوم حتى يقال لنا حكاية سواء عن الغولة التي أكلت البلد، أو عن سعسع ومعمع وأبو رمادي، أو حتى ليلى والذئب... فهل يا ترى كانت جداتنا ملمات بالتشبيه التمثيلي والضمني والكنايات والاستعارات والاطناب والإسهاب... بالكاد يفككن الخط، وأعتى جدة لن تنهي الصف الثالث الابتدائي.
عندما تتحول الصور الفنية لاستعراضات، وحشو لا ضرورة منه، فإقصائه أولى من وجوده، وفي النهاية فاللغة بصور أو بدون صور هي اللغة العربية شئنا ذلك أم أبينا، فما المشكلة بنص خالٍ من الصور الفنية، لكنه ممتع سردًا وطرحًا، وأوصل فكرته دون أي خطأ نحوي أو إملائي يُذكر، مع التركيز على علامات الترقيم التي حتمًا ستحل محل البيان.
هناك روايات تتكون من 300 صفحة لو حذفنا الصور الفنية، والوصف الممل من بين ثناياها؛ لكان الحاصل لدينا خمسون صفحة وربما أقل.
لا شك أنَّ لغتنا العربية الجميلة مقامة أساسا على البيان، والقرآن الكريم خير دليل على ذلك، وشتان بين نصوص البشر ونصوص القرآن.


المسابقات الدولية ودورها في قتل الإبداع:
تتحفنا المسابقات إلا القليل منها بشروط أقل ما يقال عنها بأنها شروط سخيفة، فعندما تطلب مني قصة قصيرة بأن لا تقل عن 15 ألف كلمة، فماذا أفعل بقصة لدي لا تتجاوز الـ 500 كلمة، ماذا أصنع بتلك القصة المكثفة سوى الإطالة بدون داع، وحشو مقيت لا يقدم ولا يؤخر.

بقلم / أيمن دراوشة