جماليات المكان في كتاب حسن عبد الله دمعة ووردة على خدّ رام الله

في هذه القراءة، ما زال وباء كوفيد 19 "الكورونا" يحاصرنا، ويداهمنا، ويدعونا إلى الصمت المتأزم

يناير 27, 2021 - 08:19
جماليات المكان في كتاب حسن عبد الله دمعة ووردة على خدّ رام الله
جماليات المكان في كتاب حسن عبد الله دمعة ووردة على خدّ رام الله
جماليات المكان في كتاب حسن عبد الله دمعة ووردة على خدّ رام الله

في هذه القراءة، ما زال وباء كوفيد 19 "الكورونا" يحاصرنا، ويداهمنا، ويدعونا إلى الصمت المتأزم في حجرنا القسري، ونحن نمارس لعبة "خليك في البيت" أسرى أربعة جدران، فقسمنا إلى ثلاثة أقسام، في الأول، خوف وتوتّر على الحياة التي أصبحت في نهايتها. سياسة الدفع عن الحماية المفعمة بالأمل، أما الثالثة، والكتاب من بينها، تدعونا بحذر، لا بد منه، إلى استرجاع ما كنّا فيه، وما وصلنا إليه من سيرة حياة الكاتب، وما واجهه من تداعيات وأحلام. 
في هذا الوقت، وفي ريعان الحجر وانتشار الوباء المجهول الذي لا يرحم، جاءت نصوص الكاتب حسن عبد الله، في كتاب "دمعة ووردة على خدّ رام الله" الصادر عن منتدى العصرية الإبداعي في الكلية العصرية الجامعية، وقد صمم غلافه الفنان "غازي إنعيم" رئيس الفنانين التشكيليين الأردنيين السابق، وقد أهدى الكاتب نصوص كاتبه إلى ابنه "إياس": "كنت في أيام الحجر صديقاً ومعيناً وونيساً".
وفي الوهلة الأولى للنصوص، تكتشف أنها جاءت "موجات متلاحقة من التداعيات والمقاربات" وكأنّها سيناريو فيلم تراجيدي، يجمع بين مرحلتين، "حلم الأمس، وهذا النزيف الذي يوجعنا ويدمينا اليوم. بين الحجر والعودة إلى الذات، وبين التمتع برومانسية خيالاتنا".
مداهمة في النصوص هذه، ربما، جاءته تلبية لدعوة صديقه الكاتب "إبراهيم جوهر" الذي كتب وصيته ليقتدي بها الناس، ما بعد وباء "الكورونا".
وعلى الرغم من أن الرسالة قد وصلت بكل ما فيها من: أمل ووجع وحلم وشوق، إلاّ أنها وصلت بشرف إلى تحديد رؤيتنا إلى الحياة، حيث تغيب حركات الأجساد، وتبقى الكلمة المكتوبة التي يصفها الكاتب: "نكتب وكأننا في سباق مع أقلامنا في سباق مع أنفسنا، لكي نبقى على رصيف الأوراق المكتوبة بعناية وصدق،  كجزء من وصايانا"، فخرجت النصوص من الكاتب، مزيجاً من الواقع والمتخيّل، بين أنا الساردة في سيرة حياته، وحياة الآخرين الذين قابلهم، وأماكن إقامتهم، صادق بعضهم، ومرّ آخرون مرور الكرام، ويصف حالته بقوله: "كلّما بدأت بتوصيف حدث أو مكان، وجدت نفسي واقفاً تحت هطل أفكار وصور وذكريات لا حدود لها".
وهكذا، نجد أنفسنا بين مواقف وحوارات صاغت أهم ما في حياته من تطلعات وأهداف، وما رسخ بذهنه من علاقته بالآخرين، صاغها بلغة أدبية عالية، فيها من الصدق واللغة والمواقف، بأسلوب يدفعنا إلى الإعجاب والانشداد، فما أن يقيم حواراً حول حادثة أو موقف معيّن، حتى تبزع حادثة أخرى تفرض موقفاً آخر ورويّة أخرى، يعتصران تجربة إنسانية بكل أبعادها، وهكذا، حتى تكتمل النصوص دون أن ندري، وبسرعة لم تكن نتوقعها، بسرد فائق الدقة والإتقان، كما يكون السرد في القصة والرواية، وبلغة الشعر الموسيقية ليدخلنا من نصوص الشجن والحنين إلى الاستشرافية في روح النص وأدبياته العالية.
في روح النص، يكتب حسن عبد الله عن المكان، بكل تداعياته وأبّهته، ومن عرفه شخصياً، أو قرأ بعض نصوصه، يدرك كم هو مسكون بالمكان الذي نشأ فيه ومسحور بجمالية فلسطين أينما اتجهت عيناه، متداخلة واضحة في نصوصه. منذ أن يستعرض الأشجار والورود والطيور في بستانه في قرية "رافات" القريبة من رام الله، حتى يخيّل لك أنه قد تحوّل إلى "رجل شجري" كما دعاه صديقه "عيسى قراقع" وزير شؤون الأسرى السابق، فيبدو وكأنه خليط من بشر وشجر وطيور، فيقول بألق واعتزاز: "أحيي الأشجار والورود والنباتات بتحية المساء، فترد حفيفاً واهتزازاً وعبقاً وجمالاً، فالبستان يقف على قدميه بكامل ألقه وبهائه بحضوري في الوقت المناسب، ودون تأخير" 
ويقول أيضاً: "تسحرني موسيقى حفيف الأشجار، أحس أنني قدمت من عالم أسطوري". وكأنه يردد باستمرار، تلك الحقيقة التي تعلّمها من والدته المصرّة "أن الشجر يحس بالإنسان، ويحزن إذا غاب صاحبه، ويفرح بمجيئه".
وهو في الوقت نفسه، ما قرأه مبكراً في "جماليات المكان" للكاتب والروائي الفرنسي "غاستون باشلار (1884-1962) الذي قال: "هل كان العصفور يبني عشّه لو لم يكن يملك غريزة الثقة بالعالم؟ وقال أيضاً: "القوقعة تجسّد الإنسان داخل المكان في الزوايا والأركان".
هكذا، أمام "بيوت الطفولة" أقام حسن عبد الله منهجه في الكتابة، وهكذا توقف، وأوقفنا معه، في ولادة صديقه، الكاتب الفلسطيني الذي ولد أيام الهجرة على صخرة صلبة، تحت زيتونة وارفة الظلال، فسرد لنا سيرة حياته في الغربة كما سمعها؛ لكنه رواها لنا برؤية الناقد المتخيّل، منذ الولادة، وتفاصيل الغربة، حتى العودة لمكان الطفولة، الذي لم يعد موجوداً، أو تغيّرت ملامحه. فجاء نص الكاتب حسن عبد الله؛ ليعيد لنا القصة بشجن وحنين، كما حدثت، لكنه وبروح المكان الذي يسكنه، أضاف بألق: "رفع الأب ابنه بين يديه ودار به حول شجرة الزيتون وهو يقول: لا تحزن يا طفلي، ستغدو رجلاً بمعنى الكلمة، لقد ولدتك أمك هنا، أمام عيني شجرة زيتون مباركة، وهل أجمل من ذلك؟".
وفي النصوص، أيضاً، لا تتوقف أفكار المكان، وبيوت الطفولة من التدفق في خيالات الكاتب، يقررها أحياناً، وأحياناً أخرى تأتيه بلا استئذان أو ترتيب مسبق، فإذا هو أمام بستان سامر الشيوخي، رئيس مجلس الإدارة في الكلية العصرية الجامعية، "فارشاً حضوره على ملفات مهماته أيام الحجر، وبلغة أدبية عالية، ينتقل من رومانسية بيت الطفولة في الخليل، حيث اختلطت حلاوة العنب مع زهر اللوز وورق التين وبراعم المشمش وأشتال الخس والبندورة وغيرها، حتى يصل إلى أسطورة المكان الكلي، حيث بدأ سامر يعشق بستانه الجديد، وراح يراقب حركاته ونموّه "حركة أجساد الأشجار وهي ترفع رؤوسها إلى الأعلى، توشوش مجموعة عصافيرية، تنثر زقزقتها على الوردات الجوريات عند مدخل البستان، فتعم رائحة ورد وزقزقة، تصير الوردة عصفوراً، ويصير العصفور وردة جورية، ويتخيّل الكاتب حسن كيف تحوّلت العلاقة بين سامر وبستانه إلى الأسطورة، حيث راح يحدث أشجارها وتحدّثه، ويدلّلها وتتدلّل عليه، وتحتج وتتمرّد عليه ويتحايل عليها، وكشاهد يكتب بخيلاء وإعجاب: "يذهب سامر إلى بستانه ، فيجده في حالة تمرّد واحتجاج، ثلاثة أسابيع لم يزر البستان، وهذا أمر غير محتمل لمجتمع البستان، تدور الأفكار في رأسه، فيذهب إلى الزيتونة الرومية المتوّجة رئيسة البستان، يحاول أن يشرح لها موقفه، فتدير لها ظهرها بدلال مجرد أن تراه قادماً، يقول لها: الطرق مغلقة، فيروس كورونا يهدد البشر، المدينة خاوية، وأنا أحضر هنا رغم كل الإجراءات، وبين دلالها وقسمه، تبتسم، وتمسح بأصابعها الزيت الذي يسيل من عينيها مدراراً من شدّة التأثر، وتردد ما هجس به "والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين" وتخطو خطوتين، وتدخل في عناق مع المهندس... ومعلنة انتهاء الاحتجاج". ويضيف: "يهيج البستان فرحاً... ويجد سامر نفسه محاطاً بمئات أيدي الأغصان تسليماً واحتضاناً وترحيباً". وهكذا، تجد البستان قد أصبح في عروق صاحبة، لا فكاك، كأنهما قدرين لبعضهما.
هذا المشهد الرائع، ينقلنا الكاتب من رومانسية النص حول المكان، بجدارة إلى أسطورة فائقة الدقة والتحفيز للعلاقة بين سامر وبستانه، وكيف رأى أطفاله يتحركون ويلعبون ويحتضون بستاناً بوسع رام الله، وقد تحوّل كل شيء إلى بشر وشجر، كجزء من طبيعة فلسطين.
وإذا اعتقدنا، كما أشرنا، أن ولادة صديق الكاتب تصلح لأن تكون سيناريو فيلم سينمائي، فإننا نعتقد أيضاً بأن بستان سامر تصلح لأن تكون مادة خصبة في أدب الأطفال، التي تصوّر علاقة الإنسان بأرض وطنه.
أما الكاتب حسن عبد الله، فيعود إلى بداية حياته الأدبية، عندما كتب عن أثر المكان في مسيرته: 
"في السنوات الأولى من طفولتي/ حملتني والدتي إلى الكروم/ وهمست في أذن شجرة زيتون، أبشري فقد جئتك اليوم بعزوتي/ وهزت جسمي الغض وقالت:/ وهبتك للزيتون والحنون والفراش/ ثم غاصت في التراب..".  


جهاد أحمد صالح

جهاد صالح جهاد صالح، قاص وناقد وباحث أكاديمى فلسطينى، له العديد من الكتب والدراسات الأدبية المحكمة إضافة إلى العديد من المقالات فى النقد الأدبى والسياسى.حاصل على عدة جوائز عربية وعالمية، وترجمت بعض اعماله إلى لغات عديدة. ولد في قرية دير دبوان قرب مدينة رام الله في 15/5/1948. • عاش في مدينة إربد الأردنية وتلقى تعليمه فيها. • التحق في صفوف الثورة الفلسطينية، ومنظمة التحرير منذ العام 1968 وتدرّج في عدة مناصب منها: الإشراف على مدرسة إعداد الكادر، ومدير عام اتحاد جمعيات الصداقة مع الشعوب. • رئيس تحرير مجلة الثورة الفلسطينية وجريدة التعميم عام 1983. • مدير عام الشؤون الثقافية في وزارة الإعلام الفلسطينية، وهيئة التوجيه السياسي والوطني منذ العام 1998. • رئيس تحرير مجلة الزاوية الثقافية التي صدرت في رام الله منذ العام 2002. • شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الفلسطينية والإقليمية والعالمية. • كتب العديد من الأبحاث والدراسات في الصحف والمجلات المتخصصة الفلسطينية والعربية. • ترجمت بعض أعماله إلى عدد من اللغات الأجنبية. • عضو الامانة العامة السابق في اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينين. • عضو اتحاد الكتاب العرب. صدر للمؤلف جهاد أحمد صالح 1. الجبل والضباب (قصص)، دار ابن رشد، بيروت 1979. 2. الزورق (كتابات)، دار ابن رشد، بيروت 1980. 3. سداسية ماجد أبو شرار (كتابات)، اتحاد جمعيات الصداقة الفلسطينية 1980. 4. رجل بقدم واحدة (قصص)، دار ابن رشد، بيروت 1982. 5. هذه صورة وجهي الأخيرة (كتابات)، دار الجليل دمشق 1985. 6. الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية، دار الصداقة بيروت 1987. 7. خليل بيدس: رائد القصة القصيرة في فلسطين، المركز الفلسطيني، رام الله 2004. 8. عاشقة العرب ليلى الأخيلية (تاريخ أدبي) المركز الفلسطيني، رام الله 2005. 9. روسيا وفلسطين (العلاقات الروحية والثقافية منذ مطلع القرن العاشر الميلادي حتى بداية القرن العشرين)، المركز الفلسطيني رام الله 2005. 10. نزهة النفوس في بلاد الروس (تاريخ أدبي)، المركز الفلسطيني رام الله 2006. 11. سلسلة الروّاد المقدسيون في الحياة الفكرية والأدبية في فلسطين في (عشرين جزءاً)، الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين رام الله 2010. 12. الرواد المقدسيون في الحياة الفكرية والأدبية في فلسطين، الأتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين رام الله، وبيت مال القدس الشريف/ الرباط المغرب 2011. 13. الرواد المقدسيون في الحياة الفكرية والأدبية في فلسطين (طبعة ثالثة) وزارة الثقافة الجزائرية، الجزائر 2011. 14. الجزائر وتلمسان في كتابات المؤرخ الفلسطيني نقولا زيادة، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله 2011. 15. أسمى طوبي: رائدة الكتابة النسائية في فلسطين، إصدار وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله 2012. 16. القوى الشعبية وقياداتها المقاومة من أجل القدس بعد حرب حزيران 1967، إصدار جمعية يوم القدس، عمان 2012. 17. عبد الرحيم محمود: جزالة الشعر وروعة الاستشهاد اصدار الكلية العصرية الجامعية رام الله 2013. 18. تاريخ أفلمة الرواية وواقع السينما الفلسطينية، ورقة عمل في ملتقى وهران الدولي للسينما والرواية، وهران 2015. 19. موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين" الجزء الأول 1829-1880م – إصدار دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2016م، تقع في (788 صفحة من القطع الكبير). 20. موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين" الجزء الثاني 1882 -1892م – إصدار دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2016م، تقع في (812 صفحة من القطع الكبير). 21. موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين "الجزء الثالث 1894-1904م – إصدار دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2017م، تقع في (780 صفحة من القطع الكبير). 22. موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين "الجزء الرابع 1905-1908م، إصدار دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2017م، تقع في (828 صفحة من القطع الكبير). 23. موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية في فلسطين" الجزء الخامس 1909 – 1916م، إصدار دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2017م، تقع في (875 صفحة من القطع الكبير). 24. موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية في فلسطين" الجزء السادس 1917-1921م، إصدار دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2019م، تقع في (855 صفحة من القطع الكبير). 25. خازن نمر عبود: شاعر حمل جرحه الفلسطيني وتألق في لبنان، إصدار دار ادم للطباعة والنشر، رام الله 2019م 26. صفحات من حياة رفعت النمر، إصدار وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله 2019م. 27. موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية في فلسطين" الجزء السابع 1922 – 1926م، إصدار دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2020م، تقع في (857 صفحة من القطع الكبير). 28. موسوعة "روّاد النهضة الفكرية والأدبية في فلسطين" الجزء الثامن 1926 -1930م، إصدار دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2020م، تقع في (920 صفحة من القطع الكبير). أعمال إذاعية وتلفزيونية 1. مسلسل إذاعي "حكايات أبو أحمد" (30 حلقة) لإذاعة منظمة التحرير الفلسطينية بُثّ في الإذاعات التابعة للمنظمة: بيروت، الجزائر، اليمن، بغداد في العام 1989م، أشرف عليه "نبيل عمرو" مدير الإذاعات، وأخرجه خالد مسمار. 2. مسلسل تلفزيوني "الصرخة" من (15 حلقة) انتجه التلفزيون الأردني بدعم من منظمة الصحة العالمية، أخرجه المخرج "عروة زريقات" ومثله كبار الفنانين الأردنيين. 3. مسلسل تلفزيوني درامي "الرّواد" حول اعلام الموسوعة، انتجه التلفزيون الفلسطيني حول موسوعة الروّاد، (180 حلقة، كل حلقة عشرة دقائق) ويبث يومياً في حلقات حتى الآن. الجوائز والدروع التي منحت للمؤلف منح للمؤلف مجموعة من الشهادات والدروع والجوائز منها: 1. جائزة "زهرة المدائن" عن ملتقى المثقفين المقدسيين كأفضل كتاب تاريخي عن القدس "الروّاد المقدسيون في الحياة الفكرية والأدبية في فلسطين" عام