الفجر البدائي البارد بين اللغة العربية والاكدية والسومرية ( ٢ )

من خلال تجربتي مع اللغات القديمة وبالأخص السومرية وعلاقتها بغيرها أستطيع القول إن أساس البحث يعتمد على تمثل الباحث للبيئة البكرية للغة وافتراض معايشتها، ولذلك افترض ان ما في عقل البدائي إضافة لمسميات،

الفجر البدائي البارد بين اللغة العربية والاكدية والسومرية  ( ٢ )
الفجر البدائي البارد بين اللغة العربية والاكدية والسومرية ( ٢ )

الجزء الثاني 

الكلمات الواردة ادناه تعطي صورة عن مصطلحات مشتركة وقديمة تخص الشتاء ولكنها تطورت في استخداماتها واغتربت حتى عن الأصل الذي نشأت منه.
من خلال تجربتي مع اللغات القديمة وبالأخص السومرية وعلاقتها بغيرها أستطيع القول إن أساس البحث يعتمد على تمثل الباحث للبيئة البكرية للغة وافتراض معايشتها، ولذلك افترض ان ما في عقل البدائي إضافة لمسميات، قد لا يزيد عن ثلاثين مصطلحا منها تشعبت اللغات على القياس مثلا جذر gaz [KILL]  بمعني يقتل  الذي تطور في العربية لعشرات الجذور والتي اصلها من عهد الصيد، ومنها ما هو قوامها وحدة وصراع الاضداد مثل فوق وتحت، بعيد وقريب، طيب وضار، داخل وخارج.... الخ، كما في المثال المتعلق بالشتاء والصيف او البرد والحر والذي اغلب قوامه الشدة. 
يرد في القاموس السومري لجامعة بنسلفانيا:  
amagi [FROST]:[ amagi   ؛ amagi2  ؛ amagi3    ] : صقيع، ثلج، جليد. 
المقابل الاكدي:
1-: halpû: صقيع، ثلج، جليد.
2-: mammû: صقيع ثلج، جليد.
3-: šurīpu: صقيع ثلج، جليد.
يتكون الرمز amagi من ذات رموز الرمزamagi2مجتمعة وهو ما يوحي نية الاختصار لدى المدرسة التي اتبعت الرمز -كانت هناك مدارس مختلفة وتتباين في الكتابة أحيانا- ، واما amagi3 فقد استبدل رمز الماء a بـ za أي جوهرة(لؤلؤة). وذات الرمز amagi يعني الشتاء -انظر sed [COLD]  وتماثل الرمز مع sed (še4, šed7). وذات الرموز الواردة أعلاه ترد بثلاث صورة قراءة halba [FROST]  وهي halba2 ؛ halba6 ؛ halba .
اقرأه على الشكل التالي   a تلفظ حاء وهو اسم الماء (حيا،حيان)، واعتقد أن هذا الرمز كانت له صور قراءة هاء وحاء واحيانا عين (شقائق احرف العلة المفتقدة في السومرية بحسب ما وصلت الينا عبر السومريولوجيين). الرمز الثاني يعني شتاء ويبرد، وله من صور قراءة sed6 (šed12) احتفظت به العربية في كلمة شتاء. والرمز الثالث   di وتعني يذهب.
المعني في عقل البدائي احد احتمالين الأول هو ماء + شتاء باعتبار ان الرسمين الثاني والثالث كلمة واحدة من الصعب فهم اصل رابطها كأن تكون قديمة جدا، واحتفظت بها العربية في شتاء (ابدال الدال تاء في العربية لقرب المخارج مع أولوية الدال سواء لوجودها في السومرية او التشديد كناية عن البرد) نظرا لوجود sed6 (šed12)   بمعنى يبرد بالصورة الفعلية وشتاء بالصورة الاسمية؛ والاحتمال الثاني وهو ضعيف ماء+ شتاء او بارد+ يذهب . أي ان الثلج هو الماء في الشتاء او البارد ويختفي (يذهب) كناية عن ذوبان الثلج او اختفاء (ذهاب) المطر بعد هطوله. واما الكلمة التي يستبدل بها الماء باللؤلؤة فهي كناية عن حب الثلج او البرد.
لم اعثر لكلمة amagi  في العربية على مقاربة بأحرف العلة بديلا عن a بداية الكلمة، فانتقلت الى حرفين من شقائق أحرف العلة وهما الحاء والهاء، ولدينا ثلاثة جذور ربما على صلة وهي حمق وهمق وحمج. في لسان العرب ورد ما يلي:
حمق: المُحْمِقاتُ من الليالي: التي يَطلعُ القمر فيها ليلة كلَّه فيكون في السماء ومن دونه سَحاب، فترى ضَوءاً ولا ترى قمراً، فتظُنُّ أَنك قد أَصبحت وعليك ليل. ويقال سِرْنا في ليال مُحمِقات إِذا استتر القمر فيها بغيم أَبيض فيسير الراكب ويظن أَنه قد أَصبح حتى يَملَّ، قال: ومنه أُخذ اسم الأَحْمق. واعتقد ان ابن فارس زاغ عن الأصل في مقاييس اللغة الى مقياس ثانوي فبحسبه الحاء والميم والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على كَساد الشيء. 
همق: كُلاٌ هَمِقٌ: هَشٌّ لين. الهَمْقاق والهُمقاق: حب يشبه حب القطن في جُمَّاحة مثل الخَشْخاش.  وفي مقاييس اللغة الهاء والميم والقاف: كلمة واحدة. يقولون: كَلأٌ هَمِقٌ: هَشٌّ. 
حمج: التَّحْمِيجُ: فتح العين وتحديد النظر كأَنه مَبْهُوتٌ. وعند ابن فارس "فحمج جنسٌ من التّشديد، نحو حَمّج الرّجلُ عينَيه إذا حَدَّق وأحَدَّ النّظَر". هذا الاحتمال ضعيف الا اذا كان على القياس من النظر للثلج والانبهات به، وبتقديري انه اقرب لصلته بالعين والانبهار بضوء الشمس الساطع خاصة صيفا، اخذا بعين الاعتبار ان اغلب الجذور بالاصل هي مضاف ومضاف اليه. واميل الى ان الجيم هي igi [EYE] السومرية التي تعني العين، وللاشارة فإن عشرات الأمثلة في العربية توضح ان igi كانت مصطلحا قبل سيادة مصطلح عين الموجود في كل اللغات السامية، وهي مصطلح قريب من okw- الهندواوروبية بمعنى يرى. 
ما اريد قوله هو أن الليالي المحمقات وصف دقيق لليالي الثلجية. واما همق فيحمل مواصفات هشاشة الثلج، واما حب القطن فهو شبيه بحبيبات الثلج والبرد، وهذا الأخير هو الأصل وهو سابق على معرفة او أهمية القطن  او حبه الذي ارجح انه قياس، لأن علاقة الانسان البدائي بالثلج كانت قبل فجر الحضارة التي انطلقت ربما في كوبكلي تبه قرب الرها قبل نحو 11500 نتيجة ارتطام جرم سماوي بالأرض .
بتقديري انه اثناء انتقال بعض القبائل التي ظهرت تحت اسم عرب جنوبا الى اليمن تقديرا ما بين الالف الثانية والثالثة قبل الميلاد نتيجة تدجين الجمل الذي كان له الدور الحاسم في انتقال القبائل الرحل (العموريون ومنهم العرب) من الغزو للتجارة وما فرض ذلك من حروب في الفترة الاشورية وبعدها نتيجة احتكار الرحل التجارة ورفضهم دفع الضرائب للخزينة الاشورية-انظر معركة قرقر 853 قبل الميلاد شمال غرب سورية وامتداد الحرب بعد ذلك والاجتياحات الاشورية لجنوب بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية. ما يهمنا هنا هو ان اصل الثلج اختفى نتيجة افتقاده في جزيرة العرب ولكن القياس استمر لأن الليالي المحمقات ليست سوى صورة قياسية لليالي الثلجية حيث يستطيع السائر ان يتدبر طريقه كما لو كان الوقت صباحا. وهو بحد ذاته أيضا تفسير للموطن الأصلي للعرب كما هو عموم القبائل السامية وهو جنوب الاناضول وللنظر الأبحاث الجينية حيث اغلب العرب من حملة الهابلوغروب J1 وJ2 وموطن نشأته الاناضول، وللنظر أيضا الأبحاث الوراثية على مومياءات الفراعنة وعدم اختلافها جينيا عن غيرها في الهلال الخصيب وان التبدل الجيني في مصر طرأ خلال الالفي سنة الماضية بزيادة الجينات الوافدة من جنوب الصحراء. وهو ما يعيدنا الى العصر الجليدي الصغير نحو 12 الف سنة الى الوراء وحينها كانت كل مناطق الجزيرة والعراق والشام متصحرة حسب الدراسات المناخية. بمعنى ان الأصل في جميع الاقوام التي نزحت جنوبا مع تحسن المناخ من اصل عرقي واحد وان اللغة السومرية (ergative-absolutive  الفاعل المعدي المطلق)هي اللسان الأسبق على اللغات الاشتقاقية Agglutinative language كالافرواسيوية والهندواوروبية وهي اللغات الأكثر تطورا في العالم بحكم انها في المنطقة التي شهدت اكثر التبدلات الاقتصادية والسياسية والفكرية، ولذلك فقد انقرضت السومرية لكونها غير قابلة للتطور بحكم انزوائها في جنوب العراق مقارنة بما حدث من تطور على لسان الرحل نتيجة التنقل والصراعات. 
وبالعودة الى حيث ابتدأنا تستوقفنا مجددا كلمة دمق، فهل على صلة بـ amagi مع الاخذ بعين الاعتبار ان وجود الدال يشط من تفكيرنا بالعلاقة، ولكننا نعرف ان أساس اغلب الكلمات هو مضاف ومضاف اليه وهو قوام اللغة السومرية ولكن المضاف والمضاف اليه في اللغة الاشتقاقية قُسِرَ اثناء عكف فقهاء اللغة عبر التاريخ على الاختصار فبات الجذر الثلاثي القسري غريبا عن الأصل. 
في لسان العرب الدَمَقُ بالتحريك: ثلجٌ وريحٌ؛ فارسيٌّ معرّب. يومٌ داموقٌ: ذو وَعْكةٍ، فارسي معرب لأن «الدَّمَهْ» بالفارسية النفس فهو دَمَهْكِر أي آخذ بالنفس. وهو تفسير اراه ضعيفا، وحيث أن دمق تعطي الانطباع انها تعني أيضا الثلج العاصف، وهي ربما من أحد احتمالين اما مركبة من كلمتين احداها تضم الدال واما الثانية فهي حمق او amagi ومن الصعب الجزم بوجود الحاء في فجر اللغة من عدمه. والاحتمال الثاني هو القلب وهو وارد في العربية أي تقديم حروف الكلمة على بعضها وان يكون لفظ الدال (دي) انظر الرمز الثالث   di وتعني يتكلم، يذهب، وربما المعنى الأخير هو المقصود في رسم كلمة amagi  وكان ملفوظا لدى بعض القبائل في اخر كلمة amagi بمعنى amagid *، ولكنها تعرضت للقلب اثناء تطور اللغة بحيث وصلتنا بصورة دمق واذا شط بنا الاشتقاق وحيث ان الجيم من صور لفظ القاف ولكنها اكثرحداثة فبقلب amagid نخرج بكلمة جمد الذي يعني الجليد... نهاية الجزء الثاني