الفجر البدائي البارد بين اللغة العربية والاكدية والسومرية (١)

كم كان حزينا ان مر يوم اللغة العربية، وكأنها في طريق الانقراض والزوال

الفجر البدائي البارد بين اللغة العربية والاكدية والسومرية (١)
الفجر البدائي البارد بين اللغة العربية والاكدية والسومرية (١)


الجزء الأول 

طلب زميل مني المشاركة في الموقع بمادة لها صلة بالحضارات القديمة، ولما كنا في ذروة الشتاء، لم يتفتق ذهني، وقد هجرت منذ فترة سنوات كنت قضيتها بحثا في اللغات لما خلفه واقعنا العربي من احباط بعد احتلال العراق، سوى تقدمة شيئا عن الربط بين الحاضر والماضي السحيق العائد لفجر اللسان السامي شقيق الحامي ميثولوجيا وعلميا (الآفرو-اسيوي). 
وكم كان حزينا ان مر يوم اللغة العربية، وكأنها في طريق الانقراض والزوال حتى ان بعض متحدثيها في عالمنا اخذ يقفز من سفينتها المهترئة بدعم غربي مشبوه لتفكيك الامة وكأنها امة بلغة وثقافة صحراوية بلا تاريخ، في حين انها وريث اهم الحضارات في العالم، فلا غرو انها امة لم تزل في ذات بيئتها ونسلها من ذات دمها.   
قوام مدرسة الاستشراق التي لا تنطق الا عن السياسة في التعاطي مع عالمنا في الحاضر والماضي هو القانون الروماني فرق تحكم او فرق تسد  divide et impera منذ العهد الاغريقي مرورا بالروماني وصولا للحديث. وفي قراءتهم لتراثنا فأهم ما يرتكزون عليه هو التفريق فمثلا يخرجون بمصطلحات سامي غربي وشرقي ..الخ، وكأنما كان سايكس وبيكو حاضرين قبل الاف السنين ...الخ تجاهلا لوحدة المنطقة المنفصلة عن الهندو أوروبية بسلسلة جبال زاغروس شرقا والاناضول شمالا. والغرابة انهم مثلا يسعون نحتا لتخليق لغة هندو أوروبية بدائية. ان اهم ابداعاتهم في قراءة تاريخنا ليس اكتشاف اللغات القدمية فحسب وهذا يقر لهم به ولكن استطاعتهم فصل السومرية كلسان أعظم الحضارات في التاريخ دون منازع عن اللغات السامية وعلى رأسها الوريث الشرعي لهذه اللغات لا اقله لأنها استمرت حية ونعرف لفظها وليست ميتة جرى احياؤها كالعبرية او لهجات مختلفة لا تعطي بالضرورة الصورة الاصلية للسان كما هو حال الآرامية. 
العربية هي خلاصة الثقافة في المشرق العربي، وهي تطور حثيث خرج من رحم اللغات السامية القديمة وعمل على قولبتها قواعديا العديد من الفقهاء في فترات مختلفة اخرها في العصر العباسي، ولهذا فهي أحدث اللغات السامية، وبتقديري ان بيئة إرساء قواعدها اللغوية كان في الانبار وتخوم الموصل (مملكة الحضر) والمناطق الحضرية الممتدة على الفرات جنوب العراق (الحيرة)، وليس جزيرة العرب كما هو الاعتقاد السائد.
مئات الكلمات في لسان العرب دون جدال تجد في السومرية تفسيرا لها، وايضا مئات الكلمات تتفق في القياس. سأناقش هنا امثلة على القياس، وهو المدخل الفعلي لفقه السومرية، لا على طريقة مدرسة فرق تسد الاستشراقية التي لا ترى في العرب سوى امة بدوية، وليست وريثا لكل الحضارات التي سبقت في عموم الهلال الخصيب. والمشكلة ان جامعاتنا تتبغبغ بما يشيعون دون نقد او بحث في حين ان الاجدر بباحثينا ان يغوصوا في لغتهم ليكتشفوا الصلة، ونحن عمليا الاقدر على فك الكثير من الالغاز اللغوية إذا ما اعيد اكتشاف لساننا العربي وتطوره ولكن للأسف تنقصنا الثقة. والمشكلة لدينا ان تاريخنا اللغوي توقف عند الفترة العباسية حيث قام فقهاء اللغة وللأسف ان اغلبهم فارسي بوضع قواعدها وتفسيرها دون وعي للتواصل التاريخي مع الأمم السالفة ولهذا فإن أكبر الأخطاء التي وقع بها دارسونا هو الاعتماد على التصنيف القديم ومقاييس اللغة. والاجدر هو إعادة تصنيف المعاجم بصورة تتفق مع المقاييس الحديثة لإيجاد الصلة التاريخية بمن سبق. ومما يؤسف أن كثيرا من فقهاء اللغة القدماء اعتبروا أيضا فارسية كثيرا مما هو رافديني اصيل وهم معذورون في ذلك بحكم جهلهم بما سبق من حضارات على هذه الأرض وخاصة جنوب العراق التي توحي بأنها بيئة تشكل جزءا هاما في بيئة العربية. والمثير للهزل ان تجد اثناء البحث على دراسات اكاديمية لدرجة الماجستير مثلا عن المقترض من الفارسية دون معرفة ان هذه الجذور اكادية (سامية) اصيلة اما انها انتقلت للفارسية من خلال العلاقات التاريخية بحكم الجوار او للاندماج عبر التاريخ منذ القدم، او انها انتقلت للفارسية خلال فترة الحكم الفارسي للعراق التي تزيد عن الالف سنة من 539 قبل الميلاد حتى 633 ميلادي، ناهيك عن أن الأبحاث الجينية بحسب ناشيونال جيوغرافيك تشير الى ان 56% من الإيرانيين من أصول عربية. 
البحث في اللغة السومرية كقالب مصمت لا يعطي نتيجة، الا اذا تعاطينا بمرونة في مخارج الحروف، وبحسب علماء السومرية فإن حروفها 21 حرفا وهي: A، B،D،E،G، Ĝ، H،I، K،L، M،N، P،R،S، 

شين Š، T،U،W،Y،Z. واما الاحرف الاكدية 22 حرفا وهي: ِA، B،D، E،G،H،I،K، L، M ،N،P،Q،R،S،Š شين ،T، Ţطاء ،U،W،Y،Z. فيما العربية 29 حرفا بضمنها الهمزة، حيث يقول ابن أبي مريم في الهداية "وحروف المعجم عند جميع النحويين تسعة وعشرون حرفا"، وبتقديري ان عدد حروف العربية لم يأت صدفة وله صلة ميثولوجيه فالرقم له صلة بعدد أيام الشهر القمري اخذا بعين الاعتبار ان فقهاء اللغة الأوائل تحدثوا عن 35 حرفا فقد ورد في المقتضب للمبرد وهو الوحيد الذي اعتمد 28 حرفا لما لها من صور فيما نصه " اعلم أن الحروف العربية خمسة وثلاثون حرفا، منها ثمانية وعشرون لها صور". وبتقديري ان هذه الإشكالية افقدتنا خيطا مهما في التواصل ما بين العربية وما احاطها من لغات قديمة. ولكن اذا ما أعاد باحثون جادون لدراسة المعاجم وجدولتها مقارنة باللغات القديمة في المنطقة فانهم سوف يقدمون خدمة عظيمة ليس للعربية فحسب وانما للإنسانية لأن اللغة تاريخ تسجيلي كما هي الوقائع التاريخية والوراثية. 
بداية لم يأت أحد من الماضي ليقول لنا كيف كانت تنطق اللغات ومثلا في الاكدية كانت هناك لهجات ولا استبعد ان صور القراءة تختلف عما يكتب وان ما لم يدرجه الغربيون قد يكون بالأصل كما هو في العربية، واقرب مثال لذلك هو تصور قراءة اللغة العربية بما وردنا من مصاحف قبل التنقيط ووصل الحروف. ناهيك عن ان الأوروبيين قرأوا تاريخنا بمعزل عن القدرة على لفظ العديد من الحروف الاصيلة المرتبطة ببيئتنا كالعين والضاد والظاء وصعوبتهم في التمييز بين الهاء والحاء والخاء. وبحسبهم فإنه لا توجد في السومرية حروف الجيم والهاء والحاء والطاء والعين والغين والصاد والضاد والظاء والثاء والذال. واذا اعتبرنا ان احرف العلة في العربية هي الالف والواو والياء فإنها في السومرية AوEوUو WوY. واما حرف الفاء فهو باعتقادهم غير موجود وبديله الP. واغلب اللبس في السومرية الذي يجعلها مجهولة عن اللسان العربي هو حرف Ĝ الانفي الحلقي الذي يرمز له  ŋالذي يلفظ بصورة نغ engكما في KING، ولهذا فإنني اقترح لدى دراسة اللغة تسمية لحروف الحاء والعين والهاء هي شقائق احرف العلة. والتي تساعد على اكتشاف القرابة بين الجذور العربية والسومرية. 
ومنوط بالباحث ان يدرك قوانين أساسية سواء من دراسته العربية واللغات الأخرى ظواهر الابدال والقلب. مثلا ابدال النون بالميم وبالعكس واللام والراء أحيانا، والفاء والثاء، والثاء والشين حيث ربما نتيجة تشوه في الفم اواقتلاع الاسنان ظهر حرف الثاء غير الموجود في اللغتين السومرية والاكدية ومثلا في السومرية  šum [GARLIC]  التي في الاكدية šūmū  تعني ثوم  وهناك امثلة في اللسان على ذلك وابدال بين الفاء والثاء مثل فومها بمعنى ثومها، في العامية البعض يقول ثُم بمعنى فم. ايضا الاخذ بعين الاعتبار الابدال بين الباء والميم. والدال والذال، والشين والذال، والجيم والقاف والكاف، والضاد والصاد، والضاد والزاي....الخ. وكذلك الابدال بين الشين والجيم، فمثلا تبدو أحيانا الجيم وكأنها مرت عبر لفظ حرف CH بالإنجليزية، وأيضا اخذ الاعتبار إبدال الجيم من الياء (العجعجة).  
استوقفتني ذروة الشتاء القارس قبل أيام ودفعتني لأنبش اوراقي بحثا عن الصلة مع البرد في ذهن انسان العصر الحجري اثناء العصر الجليدي الصغير قبل نحو 12 ألف سنة -ثمة اعتقاد ان نيزكا ضرب الأرض في تلك الفترة وكان السبب في تغير المناخ- وهي الفترة التي بدأ يدق جرس الحضارة في انحاء كوبكلي تبه Göbekli Tepe جنوب الاناضول وأدى التجمع ومحاولة تفسير ما يجري لتطور في الاعتقاد الميثولوجي والذي بدوره اعطى الضوء لانطلاق الثقافة الزراعية التي تطورت مع تحسن المناخ وانحسار البرد الشديد وذوبان الثلوج حيث انطلقت هجرات للشرق والجنوب منها من استقر عند مصاب الأنهار ومنها من استمر على حياة الصيد والرعي والقطاف...نهاية الجزء الأول