يوم الخميس يوم المشتري (٧)

يوم الخميس يوم المشتري (٧)
يوم الخميس يوم المشتري (٧)

7


في الاغريقية هميرا ديوس hemera Dios   أي يوم الاله زيوس. وفي اللاتينية dies Jovis يوم جوبتر. وفي الإنجليزية القديمة thunresdæg يوم الرعد. يعني اسم جوبتر لامع ووضاء مثله مثل زيوس قرينه لدى الاغريق، وهو ابن ساتورن (زحل)، وهو أبو الالهة مركوري (عطارد) ومارس (المريخ). وهي انساب أكثر حداثة بوصف زحل أبو الالهة. 
المشتري في السومرية يسمى الكوكب الابيض MUL.BABBAR، وفي الاكدية كوكب الملك kakkab Shari و kakkabu peşû الكوكب الأبيض- peşû  في العربية اخذ اللون الأبيض من هذا الجذر واطلق على البيض – الضاد والصاد من اصل واحد، ومن الصعب معرفة اصله وله صلة بجذور فضح وفصح ..الخ  .تبنت العربية مصطلحا مغايرا واطلقته على الكوكب لبياضه، وفي اللسان الأَحْوَرُ: كَوْكَبٌ، أو هو المُشْتَرِي، والعَقْلُ. الأَحْوَرِيُّ الأَبيض الناعم. وهو والزهرة يوصفان بـ السُّعْدَانِ مقابل المريخ وزحل النحسان. ويرد في التراث ان المشتري السعد الأكبر فيما الزهرة السعد الأصغر وزحل النحس الأكبر والمريخ الأصغر. 
من القاب المشتري Dapīnu  أي المحارب  ويقابله في السومرية Umun-sig-ˆea، ويبدو ان البابليين القدماء رفعوا من شأنه، فبات يدعى بكوكب مردوك kakkab Marduk وأيضا باسم كوكبة الرب   AMAR.UTU. وله من صور الكتابة  UD.AL.TAR وفي الاكدية Šulpaea  أي الفتي المشع بقوة-  قارن   السَّلْفَعُ: الشجاع الجَرِيءُ الجَسُور، وقيل: هو السَّلِيطُ.- ، واحيانا كوكبة     SAG.ME.GAR  . وله من الألقاب أيضا كوكبة العبار او العابر او العبور nēberu. 
واما تسميته بالمشتري فهو من احتمالات عدة ارجح الأول منها :
1-الصلة بالبرق حيث شَرِيَ البرق، بالكسر، شَرىً: لَمَع وتتابَع لمَعانُه- قارن الشرر والشعاع حيث šarūr šanši : شعاع الشمس -، وقيل: اسْتَطارَ وتَفَرَّق في وجه الغَيْمِ. قال ابن عباس: البَرْقُ سَوط من نور يَزجرُ به الملَكُ السحاب، وهي بتقديري صورة مخيلة لإله المشتري. – قارن المشتري هو هدد الارامي وأيضا زيوس الاغريقي إله الرعد والبرق والعواصف-. 
2-الشَّيِّرُ: الجَمِيل. ولدى ابن منظور، نثار الازهار ص 183 اسمه مأخوذ من الشراء وهو الوضوح والظهور لضياء لونه وصفائه وربما يكون محقا باعتبار جمال كوكب المشتري، ويتفق مع القزويني عجائب المخلوقات ص 46 ويقال انه يسمى بذلك لحسنه. المشتري ربما من ذي الشرى المرادف لزيوس الاغريقي المرتبط بالمشتري، ففي بعض المنحوتات النبطية يصور بجمال انثوي.
3-  نسبة الى مصطلح الملك شارو SHARU في الاكدية، ومنه على القياس ما له صلة بالأفضلية قياس من الملك شَرَى المالِ وشَراتُه: خيارهُ.
4-ان يكون له علاقة بالشراء كأن يكون بالأصل لقبا لعطارد الذي له علاقة بالتجارة قبل ان يتحول الى المشتري، فبحسب الدمشقي كان يضحى له بطفل لدى الصابئة الحرانية من امرأة مشتراة يضحى بها للشمس. والقزويني يورد في عجائب المخلوقات ص 46" وقيل لأنه نجم البيع والشراء، وللإشارة فإن يوم السوق لدى العرب في الجاهلية هو الخميس أي يوم المشتري. 
واما ربط ملاكه بـ  صرفيائيل لدى الفلكيين، فالسبب ان معدنه هو القصدير، وفي اللسان  الصرَفانُ الرَّصاصُ القَلَعِيُّ وفي الجامع لمفردات الادوية والأغذية لابن البيطار: الرصاص هو ضربان: أحدهما الرصاص الأسود وهو الأسرب والأنك، والآخر الرصاص القلعي وهو القصدير وهو أفضلها. 
يوم الخميس كان مكرسا عند الصابئة للمشترى، واسمه بحسب ابن النديم بال، وبتقديري ان التسمية هي لذات لقب الاله بعل بمعنى السيد والمرادفة لـ EN في السومرية، وبحسب Eberhard Schrader انظر:
Eberhard Schrader, The Cuneiform Inscriptions and the Old Testament, Vol. 1, pp. 20, 21.
 فإن تسمية الخميس لدى الصابئة كان Bel. وهيكله مثلث ولون هيكله وستائره اخضر، ومن الصعب الجزم سبب ربطه بالأخص، رغم ترجيح ارتباطه الاقدم بالأبيض. وربما لصلة الأخضر بالإله تموز ادون او بعل، وهو اسم مشترك بينهما وربما لوصف شهر نيسان في التراث الشعبي الفلسطيني بشهر الخميس صلة، وللإشارة فإن رب شهر نيسان في البابلية هو بعل. وللإشارة فإن نيسان يرتبط بالزواج المقدس بين مردوك والفتاة او الكاهنة التي تنوب عن عشتار. والدور الذي يقوم به هو دور تموز. وربما على صلة أن كل خميس في نيسان له طقس في التراث الشعبي حيث الأول خميس البنات (النبات) الغرض منه استحثاث الزواج، والثاني خميس الموسم وربما كان التوجه فيه لمقام النبي موسى رديفا لطقس زواج مردوك ممثلا بالملك الى حيث الكاهنة الممثلة لعشتار، والثالث خميس الأموات (البيض) فربما له صلة بالمسيح او تموز وبقيامته، والرابع خميس البقرات حيث تصبغ الأغنام  والماشية بصبغة حمراء ولعله على صلة بموت تموز.
اكثر ما يرتبط بعل بالاله هدد اله العواصف والخصب. وما يوحي بان بعل لقب لهدد ورود صيغة Baʿal Haddu. يظهر في اوغاريت كاله للطقس مرتبط بالبرق والريح والمطر والخصب، وأيضا كابن للإله ايل، واوصاف بعل وهدد توحي بالاستحواذ على سلطات الوالد ايل العجوز. وتظهر الالهة العذراء عناة كشقيقة تارة وكوالدة لطفل منه. 
يرتبط المشتري بمردوك الذي يعني اسمه عجل او ابن الشمس AMAR.UTU -ويقرأه البعض AMAR.DÙG وبتقديري ان العربية احتفظت صور لفظ الاسم كموروث من العهد البابلي القديم واما لفظ الخاء Μαρδοχαῖοςفهو ربما تأثرا بالاغريقية وقلب X لفظا الى الخاء كما هو في الاسبانية. ماروت ومارد الواردان في التراث تصحيف من لفظ سابق لا تلفظ فيه الكاف في نهاية التسمية والأرجح بصورة *عمارود حيث يرد في اللسان العُمْرُوطُ المارِدُ الصُّعْلُوكُ الذي لا يَدَعُ شيئاً إِلا أَخذه، وعمّ بعضهم به اللُّصُوصَ. وهي ليست صدفة ان يرتبط عمروط ومارد معا واما الربط باللصوصية فهو قياس من اجتياحات الجيش الاشوري للقبائل العربية او الاستيلاء على بضائعهم كونهم تجارا كانوا يرفضون دفع الضريبة وهو أساس توغل الاشوريين في مناطقهم لاخضاعهم – وما يزيد تأكيدا أن المارِدُ: العاتي. مَرُدَ على الأَمرِ، بالضم، يَمْرُدُ مُروُداً ومَرادةً، فهو ماردٌ ومَريدٌ، وتَمَرَّدَ: أَقْبَلَ وعَتا. واما نمرود  نُمْرُود اسم مَلِك معروف، وكأَنّ ثعلباً ذهب إِلى اشتقاقه من التَّمَرُّد فهو على هذا ثلاثي. والاصح هو ان الأصل من اسم مردوك بصورة AMAR.UTU. 
 ولما كانت الالهة وصفاتها قاعدة لتطور الالسنة فإن جذر ردك على صلة وان أصله مردوك والدلاله هو اعتقاد الازهري. جارية روْدَكةٌ ومُرَوْدَكة: حسناء، في عُنْفَوانِ شبابهما. المُرَوْدَكة من النساء الحسنة الخلق. خُلُق مُرَوْدَكٌ وخَلْق مُرَوْدَك كلاهما حسن. ورجل مُرَوْدَك وامرأَة مُرَوْدَكة أَي حسنة. قال الأَزهري: ومَرَوْدَك إن جعلت الميم أصلية فهو فَعَوْلَل، وإن كانت الميم غير أَصلية فإني لا أعرف له في كلام العرب نظيراً، قال: وقد جاء مَرْدَك في الأسماء وما أَراه عربيّاً صحيحاً. وعَوْد مُرَوْدِك: كثير اللحم ثقيل، وقيل: مُرَوْدَك، بفتح الدال، وقال كراع وابن الأَعرابي: إنما هو مَرَوْدَك، بفتح الميم والدال جميعاً، وإذا كان كذلك كان رباعيّاً.   يرادف مردوك زيوس وجوبتر واما بال الصابئي فهو ما يدرج على تسميته الباحثون  Bel الذي كان يعبد لدى البابليين في الالف الأخيرة قبل الميلاد  ويتوافق مع مردوك وانليل وتموز الاله الذي يموت وهو يحمل كل القاب انليل وهو والد نابو. 
بحسب بعض الباحثين فهو حسد في شجرة الحياة ورقمه 50- للمقارنة عدد القاب مردوك 50- وفي الرسائل الفينيقية رقم خمسة، ولهذا ليس صدفة ان يرتبط بيوم الخميس. فيما يسمى بالرسائل الفينيقية العشر والتي بها تتحدث الالهة للمؤمنين يأتي أولا ريمون RIMON - Rammanu لقب لهدد  وتعني المرعد، وثانيا حامل الرسالة نبو NEBU ، وثالثا عشتار الخالدة،ورابعا نرجال القاضي المهيب،وخامسا مردوك سيد النماء وسادسااياEA المصور (shaper)،وسابعا انليل الخالق وثامنا أنوANU المصدر. ثم يتبعهم شمش SHEMESH سيد العربة، وعاشرا سن SIN السائق. الثمانية الأوائل لهم علاقة بصيرورة الخلق، EA يسمع،  مردوك يحقق الإمكانيات والفرص، نرجال يحددها، عشتار تديمها، نابو ينسقها ويسميها، ريمون Rimon ينظم العناصر ليعطيها شكلا مظهريا،عربةالهة. ...كل ذلك يعود لـ Anu وهو كل شيء انه هناك وهنا ولا يوجد ما هو سواه كل الالهة هو وهو كلهم وهو المحور والعجلة. وهذا النص السابق يعطي الانطباع بأن الانسان كان موحدا في جوهره. 
واما مؤنس ففي اللسان كانت العرب القدماءُ تسمي يوم الخميس مُؤْنِساً لأنَّهم كانوا يميلون فيه إلى الملاذِّ. والأَنَسُ والأُنْسُ والإِنْسُ الطمأْنينة. وقال مُطَرِّز: أَخبرني الكريمي إِمْلاءً عن رجاله عن ابن عباس، رضي اللَّه عنهما، قال: قال لي عليّ، عليه السلام: إِن اللَّه تبارك وتعالى خلق الفِرْدَوْسَ يوم الخميس وسماها مُؤْنِسَ. ربما للتسمية صلة باللقب الرابع تسلسلا من بين الخمسين لقبا لمردوك BARASHAKUSHU ففي النص غير المكتمل المتعلق بهذا اللقب …..الذي  يقف .... أعنتها ......رحب قلبه، دافئ تعاطفه. ومحور هذا اللقب هو علاقته كمستجيب لدعاء البشر فرحابة القلب ودفء التعاطف مقرون بالانسنة. وبهذا ربما اطلق عليه لقب مؤنس أي الذي يطمئن له القلب. 
في اللسان البِرْجِسُ والبِرْجِيسُ: نجم قيل هو المُشتري.  اعتقد بصحة ما ذهب اليه Sir Walter Raleigh من ان بار كوش Bar-chus  أي ابن كوش هو اسم النمرود في الثقافة العبرية بمعنى ان برجيس على الأرجح مركبة من بار بمعنى ابن في السامية مضافا اليها كوش بركوش -برجوس. وربما  تبلبل اسمه في التراث بوصفه اله الرعد او ابن الرعد وان يكون جذر رجس مستحدث من اسمه وان يكون شخصا بالاصل حقيقيا من بار كيش؛ حيث الرَّجْس صوت الرَّعد. بعير رَجَّاس ومِرْجسٌ أَي شديد الهَدير.- قارن الميم كصورة من مار بمعنى السيد وبمعنى ابن māru-  ولا استبعد ان ثمة صلة بين التسمية وارتباطها بالخميس في قول رؤبة: بِرَجْسِ بَخْباخِ الهَديرِ البَهْبَهِ وهم في مَرْجُوسَة من أَمرهم وفي مَرْجُوساء أَي في التباس واختلاط ودَوَرانٍ؛ وأَنشد: نحن صَبَحْنا عَسْكَرَ المَرْجُوسِ، بذاتِ خالٍ، ليلةً الخَمِيسِ. 
ولما كان الخصب من الصفات التي ترتبط بالمشتري (النمرود) ناقة بِرْجِيسٌ أَي غزيرة.  وينسب لابن الكلبي ذكره ان المشتري هو برجيس.  وعلى علاقة بصفاته الْمُبْرَنْقِشُ : الْفَرِحُ الْمَسْرُورُ . -قارن باخوس- وَابْرَنْقَشَتِ الْعِضَاهُ : حَسُنَتْ . وَابْرَنْقَشَتِ الْأَرْضُ : اخْضَرَّت -ربما على صلة باللون الأخضر لهيكل المشتري وستائره لدى الصابئة ولعل الصوفية اعتمدت هذا اللون كموروث- . 
بحسب SIR WALTER RALEGH  النمرود هو ذاته باخوس الروماني المصحف من تسميته، انظر: 
SIR WALTER RALEGH .History of the World, B. 1. ch. 10. sect. 1. p. 109.
ولا استبعد ان يكون باخوس بالاصل بار خوس أي ابن كوش، اذا ما اخذنا الميل للاختصار كما هو الحال في الارامية التي تختصر كلمة بيت في الباء وحدها في عشرات البلدات مثل بعقوبة وبكفيا وبكركي وبرطلة ..ألخ. 
وما يؤكد على ارتباط تسمية باخوس بالمشتري واصولها المشرقية البَخْسُ أَرض تُنْبِتُ بغير سَقْي. وهو يتفق مع تسمية المشتري بعل. -قارن انغماس هوية باخوس اله الخمر الروماني ونظيره ديونيسيوس الاغريقي بالاله النبطي ذو الشرى النبطي-.
ويبقى احتمال آخر له صلة بالسومرية فالعربية في كثير من جذورها تبدو قريبة من السومرية بوصفها اقرب للسان البدائي الجمعي.  في  السومرية يكتب الرعد بصورة  gu3-an-ne2-si (gu3 تعني صيحة وan سماء وsi يتذكر  ) مع احتمال ان العربية اسقطت  gu3 وابقت على  an-ne2-si ومنه اقحمت بصيغة مفعل مؤنس. 
وربما اقترن ربط المشتري بالملذات قياسا من ربط الاله ذو الشرى الذي لم يقترن فحسب بزيوس الاغريقي، وانما أيضا بديونيسيوس اله الخمر الاغريقي وربما للربط صلة بتوطن الانباط واشتغالهم في الزراعة ومنها الكرمة مصدر الخمر والدلالة شهرة منطقة استقرارهم حوران امتدادا من جرش حتى جنوب دمشق وهي المنطقة الشهيرة بالكرمة، ولاقتران اليوم التالي الجمعة بيوم عشتار والذي احسبه كان يوم فرح استشفافا من طقوس الصابئة الحرانية.  وربما ربطت تسمية جبال الشراة بذي الشرى وتقمصه الحجر الأسود لدى الانباط يوحي باعتقاد انه الشمس التي تلد من الجبال التي شرقهم. والمفارقة ان زيوس يقطن أيضا جبال الاولمب.
وما يدلل على ان الخميس كان يوم الملذات والقصف والحبور عند العرب ما أورده نيلوس Nilus 395-400  ميلادي الذي اقام في سيناء فترة وذكر ان العرب تعبد نجمة الصبح (الزهرة) ويضحون لها. وذكر ان ابنه ثيودولوس Theodolus اعتقله العرب في سيناء وارادوا التضحية به لنجمة الصبح قبل شروق الشمس، ولكن تعتعتهم ليلتها من القصف والسكر فوتت عليهم استمرار اليقظة فخلدوا للنوم، وفاتهم تنفيذ الطقس مع اشراقة الشمس، ولذلك بدلا من التضحية بالولد قاموا ببيعه.