مخيم جنين تحت النار: عدوان إسرائيلي ممنهج لطمس رمزية الصمود
يشكل مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية بؤرة مركزية لعدوان إسرائيلي ممنهج، لا يستهدف الأفراد والمباني فحسب، بل يطال رمزية المخيم كقلب للصمود والمقاومة وشاهد حي على حق العودة. وهو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى طمس معالم هذه المخيمات الرمزية وتشريد سكانها.
يشكل مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية بؤرة مركزية لعدوان إسرائيلي ممنهج، لا يستهدف الأفراد والمباني فحسب، بل يطال رمزية المخيم كقلب للصمود والمقاومة وشاهد حي على حق العودة. وهو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى طمس معالم هذه المخيمات الرمزية وتشريد سكانها.
وقد تحول المخيم إلى ساحة لعمليات عسكرية واشتباكات مستمرة، تاركًا وراءه آثارًا مدمرة على كل المستويات، في ظل تدهور إنساني ومعيشي بالغ.
تكشف التطورات الميدانية الأخيرة عن صورة قاتمة للواقع اليومي في المخيم. فمن ناحية، تتوالى الحملات والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق بشكل شبه يومي، والتي تتجاوز الرد الأمني المزعوم إلى عقاب جماعي واستهداف متعمد للبنية المجتمعية. وغالبًا ما تتصاعد هذه العمليات إلى معارك ضارية تشمل استخدام الطائرات المسيرة والقوات الخاصة والآليات العسكرية الثقيلة مثل الجرافات بهدف التدمير الشامل. أدت هذه الحملات المكثفة إلى ارتفاع حاد في عدد الضحايا.
تشير التقارير إلى تصاعد الخسائر البشرية بشكل ملحوظ، حيث سقط عشرات الشهداء من سكان جنين ومخيمها خلال التصعيدات الأخيرة. ضمت قائمة الضحايا مدنيين من بينهم أطفال وعاملون في القطاع الطبي، إلى جانب مسلحين. ووصلت حصيلة القتلى في إحدى الفترات إلى ستين فلسطينيًا منذ بداية حملة عسكرية واسعة ضد المدينة والمخيم.
كما خلفت العمليات العسكرية دمارًا هائلًا في البنية التحتية والممتلكات، في إطار يبدو موجها لهندسة ديموغرافية جديدة. أدى تجريف الأراضي واستخدام المتفجرات إلى تدمير مئات الوحدات السكنية بشكل كلي أو جزئي، وتعرضت شبكات الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي لأضرار جسيمة. وُصف حجم الدمار بأنه يجعل عودة الحياة إلى طبيعتها في أجزاء كبيرة من المخيم مهمة شاقة للغاية، في إشارة إلى نية إفراغه من سكانه على المدى الطويل.
أدت حدة المواجهات إلى موجات نزوح جماعية قسرية للسكان. ففي أعقاب إحدى العمليات الكبرى، نزحت حوالي ثلاثة آلاف ومئتي عائلة من المخيم والمناطق المحيطة به، بينما ذكرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مناسبات أن جميع سكان المخيم تقريبًا قد نزحوا في فترات الحصار الشديد. لا تنفصل معاناة النازحين هذه عن سياق أوسع من الاعتداءات المتكررة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية، والتي تشمل الاعتداءات على الأفراد والممتلكات والتهديد اليومي، مما يزيد من حالة الخوف وعدم الاستقرار ويضغط نحو مزيد من التهجير.
إلى جانب الصراع الخارجي مع الجيش والمستوطنين، شهد المخيم فترات من التوترات والاشتباكات الداخلية بين أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ومجموعات من المقاومين. دارت هذه الاشتباكات حول محاولات بسط نفوذ السلطة ونزع السلاح داخل المخيم، وهو ما قوبل بالرفض من قبل فصائل المقاومة، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والمعيشية داخليًا.
كما واجه السكان شحًا حادًا في الخدمات الأساسية، حيث توقفت خدمات الأونروا الحيوية في أوقات متفرقة، وتم منع دخول المواد الغذائية والإمدادات الطبية خلال فترات الحصار المشدد، بالإضافة إلى انقطاع متكرر وشامل للمياه والكهرباء عن أحياء المخيم، في سياسة حصار جماعية.
على الصعيد الدولي، أعربت مؤسسات أممية ودولية، بينها الأمم المتحدة والأونروا، عن قلقها العميق إزاء استمرار العنف والتبعات الكارثية للعمليات العسكرية في جنين. وحث أمين عام الأمم المتحدة جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، واحترام القانون الدولي الإنساني، وحماية المدنيين. وصدرت إدانات دولية لعمليات القصف الإسرائيلية.
وبالنظر للمستقبل، يبقى مخيم جنين، برمزيته التاريخية، هدفًا تحت الضغط في محاولة لتفريغه من مضمونه الوطني والإنساني. ويشكل إعادة إعمار ما تم تدميره وإيواء النازحين تحديًا جسيمًا في وجه سياسة التهجير الممنهج، في ظل استمرار الاشتباكات الدائرة والممارسات الاستيطانية العدائية، مما يحافظ على المخيم في قلب دائرة صراع وجودي لا تبدو له نهاية في الأفق القريب.