مخيم نور شمس.. استهداف ممنهج للهوية والجغرافيا
يُشكل مخيم نور شمس للاجئين في طولكرم شمال الضفة الغربية نموذجاً حياً لسياسة تدمير النسيج الاجتماعي والجغرافي التي تتبعها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ التصعيد الأخير الذي بدأ في أواخر عام 2023. حيث تحولت الاقتحامات المتكررة إلى عمليات عسكرية شاملة أدت إلى تغيير جذري في ملامح المخيم وتهجير آلاف السكان
يُشكل مخيم نور شمس للاجئين في طولكرم شمال الضفة الغربية نموذجاً حياً لسياسة تدمير النسيج الاجتماعي والجغرافي التي تتبعها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ التصعيد الأخير الذي بدأ في أواخر عام 2023. حيث تحولت الاقتحامات المتكررة إلى عمليات عسكرية شاملة أدت إلى تغيير جذري في ملامح المخيم وتهجير آلاف السكان.
سياسة الهدم والتجريف: الإحصائيات والأهداف
تجاوزت عمليات الهدم في نور شمس نطاق العقاب الفردي لتحمل طابع التدمير الجماعي للبنية التحتية والمنازل.تشير الإحصاءات في مخيمي طولكرم ونور شمس مجتمعين إلى تدمير حوالي 600 منزل بشكل كلي، وإلحاق أضرار جزئية بقرابة 2573 منزلاً تشمل التخريب والحرق والتدمير الداخلي. كما صدر مؤخراً قرار عسكري بهدم 25 بناية سكنية جديدة قد تضم أكثر من 100 وحدة سكنية، مما أدى إلى تهجير حوالي 500 عائلة فقدت منازلها بالكامل.
وأشار محافظ طولكرم عبد الله كميل إلى أن قرار هدم الـ 25 بناية ليس مجرد إجراء أمني، بل هو استمرار لمنهجية عدوانية إسرائيلية تهدف للسيطرة على الضفة الغربية. وتُعتبر هذه الإجراءات محاولة لإلغاء فكرة المخيم وإزالة هويته الهندسية والاجتماعية المتجذرة.
أما أسلوب التدمير فيعتمد على استخدام الجرافات العسكرية المدرعة لتدمير الطرق والبنية التحتية وشق مسارات داخل أزقة المخيم الضيقة، بهدف كشف أي عبوات ناسفة، لكن النتيجة المباشرة هي دمار شامل لشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي. كما يتم تفجير بعض المنازل كلياً، وبعضها الآخر يتم تجريفه أو تدميره من الداخل بالمتفجرات أو قذائف الدبابات، وحتى تلك التي لم يتم هدمها يتم تخريبها وحرق محتوياتها.
الأثر الإنساني والنفسي: التهجير والوجع
يواجه الآلاف من سكان المخيم تحديات إنسانية كبرى.أدت العمليات العسكرية المتكررة وطويلة الأمد، مثل العملية التي استمرت 55 ساعة في أبريل 2024، إلى نزوح قسري جماعي لأكثر من 47 ألف فلسطيني من مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين، ليصبحوا نازحين داخل الضفة الغربية للمرة الثانية بعد نكبة 1948.
وأسفرت الاقتحامات أيضاً عن استشهاد ما لا يقل عن 14 فلسطينياً في فترة زمنية محددة، من بينهم مدنيون غير مسلحين وأطفال وامرأة في شهرها الثامن من الحمل، بالإضافة إلى قتل فلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة خلال حصار للمخيم، مما يؤكد طبيعة الاستهداف العشوائي للمدنيين.
ويصف الأهالي عملية الهدم بأنها دفن لذكريات العائلات وقصص لجوئهم، حيث تُمحى المنازل ذات الطابع المعماري الخاص بالمخيم لاقتلاع جذورهم وذاكرتهم الجغرافية.
ردود الفعل والمنظور الدولي
أعربت الأمم المتحدة ووكالة الأونروا عن قلقهما الشديد إزاء النمط الجديد والمثير للقلق من هدم المنازل في مخيمات الضفة الغربية.كما أدان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القصف الإسرائيلي على المخيم، مشيراً إلى أن معظم القتلى لم يكونوا مسلحين.
ورغم الدمار الشامل، يصر الآلاف من المهجرين على العودة إلى ما تبقى من بيوتهم، مرددين عبارات تؤكد تمسكهم بحق العودة ورفضهم التهجير المتكرر.
ويبرر الجيش الإسرائيلي عملياته بأنها تهدف إلى القضاء على الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة في مناطق شمال الضفة، بينما يرى الفلسطينيون أنها شكل من أشكال التطهير العرقي لتوسيع السيطرة وتغيير ديموغرافية المنطقة.