قطان زريفة : الاسماء مستعارة

قطان : مصطلح يعرفه الفلاحون . يلفظ بتسكين القاف . وهو قطعة ارض صغيرة غير متصلة بغيرها غالبا ما تفصلها عن القطاين الاخرى الصخور او السناسل ( سور حجري من عمل الانسان )

قطان زريفة : الاسماء مستعارة

قطان زريفة : الاسماء مستعارة .
قطان : مصطلح يعرفه الفلاحون . يلفظ بتسكين القاف . وهو قطعة ارض صغيرة غير متصلة بغيرها غالبا ما تفصلها عن القطاين الاخرى الصخور او السناسل ( سور حجري من عمل الانسان )
اما زريفة فهي أمرأة تغدو الى قطانها وتعود بصمت ، ليست كالنساء ، فلا تتوقف في الازقة وعند البوابات حيث تتجمع النساء يثرثرن في شجونهن الخاصة والعامة ، تلقي التحية وتمضي ، لها هيبة الفارس حيث تصمت النساء عندما تقترب من مجالسهن العبثية ، ويتوقف الاطفال عن اللعب بالكرة حتى تمضي مبتعدة ، بعد ان تمنحهم ابتسامة حانية ، لكنها لا تتكلم معهم ولا تداعبهم ، لم تتوقف عندهم إلا مرة واحدة ،  عندما صادف مرورها والاطفال يتحلقون حول احدهم ، وهم يثرثرون سمعت كلمة عقربة ، فاقتربت فوجدت ابن سعدة في حالة اغماء ، ادركت بغريزتها وبخبرتها ان الطفل قد تعرض للدغة ، فقامت بخلع قميصه وسرواله والاطفال يكتمون ضحكاتهم وبخاصة ان خلع السروال سيكون علامة فارقة في حياة ابن سعدة ، وربما يكبر ويتزوج وهو يحمل لقب ابو سروال كما يحدث في القرى ، كانت تفتش في ملابس الطفل وتنفضها عندما سقط عنكبوت من كم قميصه ، رات علامة اللدغة في كتفه ، اخرجت موسى صغير من زنارها ، واحدثت جرحين متعاكسين وبدات تمص الدماء وتبصقها ، وطلبت من الاطفال ان يذهبوا لإحضار حليب من الغنام ابو سعود ، فجرى الاطفال كلهم وهم يصرخون ، يا ابو سعود بدنا حليب ابن سعدة قرصه شعشبون كبير .
عاد الاطفال يحملون الحليب وابو سعود يركض وراءهم دون ان يعتمر كوفيته وعقاله .
كان ابن سعدة في هذه الأثناء قد استعاد وعيه يجلس على الارض ويلقي راسه المترنح على صدر زريفة ، شرب الحليب غصبا وراجعه على الفور على شكل لبن متخثر ،  ومع كل جرعة تبتسم زريفة ، وظلت على هذا الحال حتى استقرت جرعة الحليب الاخيرة في معدة الصبي ، فقرصته في خده وطلبت منه ان يلبس ملابسه وطلبت من الاطفال ان لا يقتربوا من الرجم الملاصق للهربة (البئر ) المجاورة ، ومضت نحو قطانها .
لقد حظي الاطفال هذا اليوم بثلاث قصص ، سروال ابن سعدة ، وقرعة ابو سعود التي يراها الاطفال لأول مرة ، وبطولة زريفة .
قطان زريفة طويل ولكن عرضه لا يتجاوز اربعة امتار ،  ملكيتها تمتد الى ماهو اكثر من الامتار الأربعة ، كانت تترك فأسها وطوريتها في القطان ، في كل يوم تتعامل مع صخور القطان وتصنع من الحجار ( سنسلة) تؤسس لحدودها مع الجوار ، تعمل ساعات طويلة دون كلل ، وتزرع شجرة في كل مساحة اضافية منحتها لها الفاس والطورية والعرق ، كان قطان زريفة له هيبة وقدسية عند الاطفال الذين يتسللون اليه لاكتشاف انجازاتها ، وفي كل مرة يجدون اضافات جديدة على الجدار ، وأشجار جديدة غرستها  ، وفي اخر تسلل راوا ادوات جديدة الى جانب الفاس والطورية ، عتلة كبيرة يراها الاطفال مع الحجارين. ومهدة لتكسير الصخور مستلقية في آخر فجوة احدثتها زريفة تحت صخرة كبيرة . 
يتسع قطان زريفة كل يوم ، وفي الشتاء الأخير خصصت مساحة لزراعة الحلبة ، ومساحة اخرى لزراعة القزحة ، وهي اول من اكتشف زراعة اليانسون قبل ان تنتقل العدوى الى الاخرين ويعرفون قيمة ما تزرعه زيفة .
في اول الصيف تقلع وتدرس محصولها على شادر مستخدمة عصا طويلة ، ولا تطلب مساعدة من احد ، كان بيتها صيدلية القرية ، تعرف من الاعشاب مالا يعرفه احد ، لديها جرنان تربي فيهما النحل وعلى مدار سنوات اصبحت اربعة ، هي الوحيدة التي لديها طاسة الرعبة ، وعندها ذيبة معلقة بخيط ، تنقلت في رقاب معظم اطفال القرية وشبابها عندما كانوا يصابون بالسعال ، نمت اشجارها بسرعة ، وبدات تثمر وهي غرسات صغيرة ، لوزة ومشمشة وبضع زيتونات ، كنا نحس بقداسة هذا المكان وصاحبته التي تمتلك هيبة واحتراما لم تمتلكها أي امرة اخرى غير الداية ام صابر .
مازالت زريفة في ذاكرتي طويلة منتصبة القامة ، لديها وشم على جبينها وتحت ذقتها ، تبتسم ولا تقهقه ولا تظهر اسنانها ، فارقت المكان وما زلت اراها تبتسم لي وحدي دون اترابي ، فقد حملتني امانة في يوم من الايام وقمت بادائها دون سؤالها عن شيء . 
كانت الامانة مرطبان قزحة وكيسا صغيرا من حبوب الحلبة لامراة تبيع اللبن للجيران في المدينة ، ولم اعلم ان تلك المراة كانت شقيقتها الا بعد سنوات ، فهي لا تثرثر ولا تنشر ولا تتذمر . رحم الله زريفة التي كنت ارى في عيونها حنان الدنيا كلها دون ان تلمس او تثرثر .


د. احمد عرفات الضاوي