حول رواية 'جوبلين بحري' لدعاء زعبي 

جوبلين بحري هو النتاج الأدبي الثاني للكاتبة الفلسطينية، ابنة الناصرة، دعاء زعبي، ويأتي بعد كتابها الأول "خلاخيل"، وهو مجموعة نصوص نثرية وشعرية ومذكرات

سبتمبر 23, 2021 - 20:54
سبتمبر 23, 2021 - 20:55
حول رواية 'جوبلين بحري' لدعاء زعبي 

جوبلين بحري هو النتاج الأدبي الثاني للكاتبة الفلسطينية، ابنة الناصرة، دعاء زعبي، ويأتي بعد كتابها الأول "خلاخيل"، وهو مجموعة نصوص نثرية وشعرية ومذكرات. ويلحظ القارئ الجاد المتابع أنه طرأ تطور نوعي كبير على أدوات دعاء الفنية وأفكارها وسردها ونسيجها التعبيري في هذه الرواية الصادرة عن دار ورد للنشر والتوزيع بدمشق، والممتدة على 200 صفحة من الحجم المتوسط، مع تظهير للكاتب والروائي السوري حيدر حيدر، الذي يرى أن "الأهمية في هذه الرواية أنها شهادة رائعة ومستقبلية للضوء والنور في مواجهة الظلام والوحش الاعمى".

رواية "جوبلين بحري" أشبه بلوحة فسفسائية كاملة ومتكاملة، جميلة ومرتبة، كتبت بلغة شعرية وشاعرية، وذات طابع فلسطيني بامتياز، تطرح قضية الصراع الفلسطيني- الصهيوني المتواصل، ومحاورها الأساسية تشكل رؤية دعاء وهويتها وإنسانيتها وموقفها من قضية شعبها والوجود والبقاء في أرض الوطن، إنها تعبر عن هويتنا الجمعية نحن الفلسطينيين المتشبثين والمتمسكين بثرى هذا الوطن الغالي. 

تحكي الرواية قصة التحدي وصراع الإنسان الفلسطيني من أجل البقاء في الوطن، رافضة فكرة الاستسلام والموقف المهزوم والمهزوز غير القادر على المواجهة والصمود والتحدي والكفاح، وهي رؤيتنا جميعًا. 

وتتطرق الرواية لعادات وتقاليد وطقوس اجتماعية متوارثة، وتدور أحداثها في أكثر من مكان، كيافا، الشام، برلين، وجنوب اسبانيا.

واختيار دعاء ليافا المكان الأول لانطلاق أحداث روايتها له أكثر من دلالة ومعنى وإشارة ورسالة سياسية ووطنية. فيافا عريقة بتاريخها، وهي عروس فلسطين وعاصمتها الثقافة التاريخية، وتختصر الجمال والسحر الفلسطيني، والغالبية من أهلها هجروا منها، ومن بقي منهم يصارع من أجل البقاء في أحيائها وأزقتها الفقيرة، ولن يتنازل عن بحرها وشاطئها الجميل.

تدور الرواية حول ميار ابنة يافا، التي تواجه مظهرًا وفصلًا عنصريًا شرسًا في الجامعة في سنتها الثانية وهي تدرس موضوع الإعلام والصحافة، لأنها عبرت عن الأنا الجمعية، عن آلام وعذابات شعبها ومعاناة مثقفيه النازحين، فلم تتوافق أجوبتها مع أيديولوجية أستاذها الشوفيني العنصري، واختيارها للشهيد غسان كنفاني ابن مدينتها يافا المنكوبة مثالًا للصحفي الذي عاش النكبة بكل تفاصيلها، وعانى التهجير والترحيل من أرض الوطن، ورحلة النزوح من يافا إلى دمشق ثم بيروت، لم يعجبه.

وترسب ميار ثلاث مرات وتقدم للجنة تمثلها الدكتورة سارة فلنكشتاين، وتُمنع من اكمال دراستها الجامعية، بالزعم أنها غير ملائمة للعمل الصحفي والإعلامي، فتقترح عليها سارة ترك الدراسة واختيار مشروع الزواج والإنجاب، لكن ميار ترفض بشدة هذه الفكرة، وعدم التنازل عن تحقيق حلمها، فتسافر إلى المانيا وتلتحق بجامعة برلين، وتتمكن من نيل شهادة الدكتوراة، وتحقيق إنجازات مهمة وعالية خلال خمسة عشر عامًا قضتها، حيث عملت بعد حصولها على الدكتوراة مراسلة لإحدى الصحف فكانت سفيرة لشعبها، ومدافعة عن القضية الفلسطينية محققة بذلك حلمها الذي كانت تصبو له "أن يكون قلمها وصوتها سفيريها إلى العالم، قوتها الإنسانية والحضارية لإحقاق الحق والحرية وتوكيد الوجود، ودحر الظلم عن شعب يرزح تحت الاحتلال وطمس الهوية والثقافة واللغة، وسلب مسيجات المكان وانتحال الزمان".

 وفي الرواية أيضًا صراعات داخلية شخصية عصفت بالبطلة جرّاء الغربة وعدم الزواج.

وتنتمي الرواية للحداثة وما بعدها، وتتكئ على أساليب فنية جديدة، تتمازج فيها فنون وآليات متعددة، كالسرد والمونولوج والرسائل والتناص والرمزية والمجاز الشعري، وفيها تحلق دعاء زعبي في سماء الإبداع والتوهج الأدبي، موظفة كل قدراتها وطاقتها ومخزونها المعرفي والثقافي والفكري، لتتحفنا بعمل روائي مميز ماتع ودهش ومختلف عن أعمال روائية فلسطينية كثيرة.

 "جوبلين بحري" تجمع بين الألم والأمل، وتحمل الكثير من الذكريات والآلام والآمال، ساحتها العامة العلم كسلاح للمقاومة، وهي رواية فائقة السحر والجمال والدهشة، ونص سردي متخيل، ينطلق من النكبة الفلسطينية وما رافقها من عمليات تهجير وترحيل وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين اهل هذه البلاد، وتبرع الكاتبة بتوشيح روايتها بمشاهد وصفية، وفي خلق الشخصيات الإيجابية، والربط بين الأحداث والشخصيات بإحكام سلس من حيث الزمان المكان.

ومن خلال هذه الرواية نكتشف روائية فلسطينية تسير بخطى ثابتة وراسخة لتصنع اسمًا في الحقل الثقافي الفلسطيني، لتكون كاتبة مهمة في التاريخ السردي الروائي، في موضوعات وطنية وسياسية، وننتظر منها الأجمل والأجمل.

أهنئ الصديقة الكاتبة دعاء زعبي، وأشد على أيديها، وأتمنى لها المزيد من النجاحات الباهرة، واترك للقراء الاستمتاع بقراءة روايتها "جوبلين بحري" بحالة من الدفء والانغماس العميق بين مشاهدها المختلفة.

شاكر فريد حسن اغبارية صحفي وكاتب فلسطيني مقيم في فلسطين .. السيرة الذاتية ولدت في التاسع والعشرين من آذار 1960 في قرية مصمص بالمثلث الشمالي، نشأت وترعرعت بين أزقتها واحيائها وشوارعها، أنهيت فيها تعليمي الابتدائي والاعدادي، والتعليم الثانوي في كفر قرع. لم أواصل التعليم الجامعي نتيجة الظروف والاوضاع الاقتصادية الصعبة حينئذ. التحقت بسلك العمل واشتغلت بداية كساعي بريد في قرية مشيرفة، وفي بقالة بمدينة الخضيرة، ثم في الأشغال العامة، وفي مجال الصحافة مراسلًا لصحيفة الاتحاد الحيفاوية، ثم تفرغت للعمل الثقافي والكتابة. شغفت بالكلمة وعشقت القراءة ولغة الضاد منذ صغري، تثقفت على نفسي وقرات مئات الكتب والعناوين في جميع المجالات الأدبية والفلسفية والاجتماعية والتراثية والفلسفية، وجذبتني الكتب الفكرية والسياسية والتاريخية والبحثية والنقدية. وكان ليوم الأرض ووفاة الشاعر راشد حسين أثرًا كبيرًا على تفتح وعيي السياسي والفكري والثقافي. وكنت عضوًا في لجنة احياء تراث راشد حسين، التي عملت على اصدار أعماله الشعرية والنثرية وإحياء ذكراه. وكذلك عضوًا في اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين برئاسة المرحوم سميح القاسم. بدأت الكتابة منذ نعومة اظفاري، ونشرت أولى محاولاتي وتجاربي الكتابية في مجلة " لأولادنا " للصغار، وفي مجلة " زهرة الشباب " للكبار، وفي مجلة " مجلتي "، التي كانت تصدر عن دار النشر العربي، بعدها رحت أنشر في مجلة المعلمين " صدى التربية " وفي صحيفة " الانباء " ومجلة " الشرق " لمؤسسها د. محمود عباسي، وفي مجلة " المواكب ". بعد ذلك تعرفت على الصحافة الفلسطينية في المناطق المحتلة العام 1967، وأخذت انشر كتاباتي في صحيفة " القدس " و " الشعب " و" والفجر " و " الميثاق "، وفي الدوريات الثقافية التي كانت تصدر آنذاك كالفجر الأدبي والبيادر الادبي والكاتب والشراع والعهد والعودة والحصاد، ومن ثم في صحيفتي " الأيام " و " الحياة الجديدة. هذا بالإضافة إلى أدبيات الحزب الشيوعي " الاتحاد " و " الجديد " و " الغد ". وكذلك في صحيفة القنديل التي كانت تصدر في باقة الغربية، وفي الصحف المحلية " بانوراما " و " كل العرب " و " الصنارة " و " الأخبار " و " حديث الناس " و" الآداب " النصراوية التي كان يصدرها الكاتب والصحفي الراحل عفيف صلاح سالم، وفي طريق الشرارة ونداء الأسوار والأسوار العكية ومجلة الإصلاح، وفي صحيفة المسار التي اكتب فيها مقالًا أسبوعيًا، بالإضافة إلى عشرات المواقع الالكترونية المحلية والعربية والعالمية ومواقع الشبكة الالكترونية. تتراوح كتاباتي بين المقال والتعليق والتحليل السياسي والنقد الأدبي والتراجم والخواطر الشعرية والنثرية. وكنت حصلت على درع صحيفة المثقف العراقية التي تصدر في استراليا.