عندما أطلق زهير بن أبي سلمى معلقته الشهيرة
كان وقتها قد بلغ من العمر ثمانين حولا ، ربما لم تكن بهذه الدقة ، ولكن رجلا مثل زهير يعلم مفهوم الأعمار وكيف يتم حسابها ، بل ويمتلك من القرائن ما يثبت صحة تقديره
عندما أطلق زهير بن أبي سلمى معلقته الشهيرة :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
بحومانة الدراج فالمتثلم .
كان وقتها قد بلغ من العمر ثمانين حولا ، ربما لم تكن بهذه الدقة ، ولكن رجلا مثل زهير يعلم مفهوم الأعمار وكيف يتم حسابها ، بل ويمتلك من القرائن ما يثبت صحة تقديره .
اللافت في هذه المعلقة أن رجلا بلغ الثمانين من عمره يمتلك الحكمة وبعد النظر وتحليل واقع زمانه بهذه الدقة ، فهذا يعني انه شاخ ولكن عقله لم يشخ ، وان قلبه كان ينبض بالحياة واحترام الانسان ، وان هذا العقل كان في رياضة مستمرة فلم يصدأ ولم ( يخرفن ) بل كان من اكثر اهل زمانه بصيرة بحقيقة الكون والانسان .
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
والسأم هنا ليس كما نفهم ، اي ليس الملل ، وانما ضاق الرجل ذرعا بما يحدث حوله من أهوال ومصائب وقتل ، كان يرى اليتم والثكل حتى فاض كيله فصرخ في معلقته محتجا على الموت المجاني والفتن التي تحصد الأرواح دون طائل ، وخاطب الجهلة والعابثين بمنطق الحجة :
وما الحرب الا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم .
لم يخرج احد في ذلك الزمن ليتهم زهيرا بالخرف او الجنون ، فقد كانت حجته قوية واضاء على المحسوس من الوجع .
لقد استجاب راس المال في ذلك الزمن لصرخة زهير ، وقدم المال لانهاء كارثة انسانية اجتاحت المجتمع ، ولأول مرة في التاريخ يسجل راس المال هدفا انسانيا في مرمى الموت ليبعث الحياة . فكان ما نعرف من مواقف للحارث بن عوف وهرم بن سنان في التدخل بالجهد والمال لانهاء كارثة انسانية وحرب طاحنة استنزفت الأموال والارواح . فهل كان الرجلان على وعي بعمق المأساة؟ بالتأكيد والا لما قدما المال الوفير كديات للقتلى من عبس وذبيان من جيبهما الخاص لانهاء الصراع . ولذلك استحقا اطراء زهير :
يمينا لنعم السيدين وجدتما
على كل حال من سحيل ومبرم .
تداركتما عبسا وذبيان بعدما
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم.
فخلدها بيت شعر واحد ، لأن المواقف النبيلة لا تنسى وتبقى في الذاكرة عبر جملة شعرية واحدة .
كم عبس وذبيان في زمننا ، لم تجد زهيرا واحدا يحتج عليها ؟؟
وكم عبس وذبيان في حياتنا اليوم تدخل فيها راس المال النظيف لحسم خلاف وحقن دماء ؟؟
على الرغم من انه ينطبق على حالنا ما قال زهير :
وما الحرب الا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم .
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضر اذا ضريتموها فتضرم .