هذا هو الوقت لكسر الجمود بين الفلسطينيين والإسرائيليين

بقلم: دينس روس*

هذا هو الوقت لكسر الجمود بين الفلسطينيين والإسرائيليين
هذا هو الوقت لكسر الجمود بين الفلسطينيين والإسرائيليين

بقلم: دينس روس*

عندما أعلن أرئيل شارون عن نيته الانسحاب من قطاع غزة، قبل بضعة اشهر من عمل ذلك في 2005 القيتُ خطابا في موضوع العلاقات الخارجية امام اعضاء السلطة الفلسطينية، وأمام جمهور من 200 الى 300 شخص وشددت على حقيقة أنه نشأت للفلسطينيين هذه الايام فرصة حقيقية: أن يستغلوا الانسحاب الاسرائيلي من اجل تطوير وتنمية الاقتصاد والحكم في غزة، واذا فعلوا ذلك، فستتمكن الاسرة الدولية (والجمهور في اسرائيل) ان يقولوا انه اذا نجح هذا في غزة فله فرصة في أن ينجح في الضفة الغربية ايضا. من جهة اخرى، اذا ما اصبحت غزة منصة لانطلاق الهجمات ضد اسرائيل وأرضا خصبة لتنمية منظمات الارهاب فإن أحدا لن يحاول الاقناع بتطبيق هذا النموذج الفاشل في أي مكان آخر.

عندما طرحت حججي هذه، لم أتوقع تغييرا فوريا في وعي الجمهور، ولكني اردت أن اعرض عليه الفرص والاحتمالات التي توجد امام الفلسطينيين. لم يسارع جمهوري للبحث في الموضوع الذي طرحته وفضل التركيز على مسائل وحجج تقضي بان أمريكا لا يمكنها أن تعتبر وسيطا نزيها. وكممثل عن الرئيس بيل كلينتون لمحادثات السلام حرصت على أن اشير الى أني لست جزءا من ادارة جورج دبليو بوش الذي أبعد امريكا عن مكانة الوسيط، سواء كان نزيها أم غير نزيه. وبدلا من ذلك فضل الوقوف جانبا ليس مثلما في عهد ادارة كلينتون.

سألت الجمهور هل وضع الفلسطينيين افضل الان، في السنوات الاربع الاخيرة، حين تكون الولايات المتحدة تحرص على الا تشكل وسيطا بين الطرفين في النزاع؟ في أوساط الناس في الجمهور، الذين لم يبدوا حتى الان اكتراثا زائدا، لم يرفع أحد يده.

هذا ليس مفاجئا حقا. فالانتفاضة الثانية وان كانت خبت قليلا الا انها لم تصل بعد الى منتهاها، وجبت في حينه ضحايا في الارواح لقرابة 4 الاف فلسطيني (واكثر من الف اسرائيلي ايضا). اضفت وقلت انه حتى في الوقت الذي لم تبذل فيه ادارة بوش اي جهد للتوسط بين الطرفين فانها لن تحاول ايضا منع اي جهة اخرى من أن تؤدي الدور. ولكن أحدا لم يعرض نفسه – لا الاوروبيين، لا الروس ولا اي طرف آخر. لقد فهم الجميع بأن على الوسيط ان يكون من لديه الوسيلة والقدرة على التأثير على الطرفين، وحقيقة أنه لم تنهض اي جهة لملء الفراغ الناشىء تقول كل شيء. الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تمارس ضغطا حقيقيا – خيرا كان ام شرا – سواء على الاسرائيليين أم على الفلسطينيين. لا أحد آخر يمكنه أن يفعل ذلك.

وختاما، قلت على مسمعهم ان الموضوع المركزي ليس مدى نزاهة الوسيط بل كم هو ناجع ومؤثر. فالوسيط الناجع هو الذي يفهم بانه لا يمكن لاي اتفاق ان يخرج الى حيز التنفيذ الا اذا كان فيه ما يستجيب للاحتياجات، وليس للارادات، لدى الطرفين. وللقيام بدور الوسيط يجب أن يفهم بعمق ما هي المواضيع الحيوية لكل طرف. واضح انه اذا لم يكن الطرفان ناضجين لقرارات قاسية – او مثلما في حالة النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني غارقين في مواضيع تاريخية واسطورية – فان حل النزاع سيتبين كمتعثر.

ان الفوارق بين الاسرائيليين والفلسطينيين – سواء النفسية ام تلك المتعلقة بالمواضيع الاساسية – اكبر اليوم مما هو ممكن جسرها. فلا يمكن الدفع الى الامام بفرص السلام من خلال طرح اقتراحات مآلها الفشل – محاولة كهذه تزيد فقط التهكم وتعمق عدم الثقة.

وما هو ضروري الان هو اعادة بناء الثقة بين الطرفين. وهنا تفتح امام الولايات المتحدة الفرصة للدخول الى مهمة الوسيط. مسيرة التطبيع بين الدول العربية واسرائيل خلقت واقعا جديدا في المنطقة. وهو يمكنه أن يواصل التقدم لانه يستجيب لمصالح الدول العربية، ولان الفلسطينيين أدركوا منذ الان بانه لا يمكنهم ان يوقفوه. وبينما يمكن لدولة اخرى مثل عُمان ببساطة ان توقع على اتفاقات التطبيع، فان تقدم السعوديين يمكنه أن يحصل على مراحل فقط. ومثلما قال لي مسؤول كبير من منطقة الخليج، فان السعوديين سيطالبون اسرائيل، بالتوازي مع تقدم المسيرة، ان تعرض على الفلسطينيين بوادر طيبة. مثلا، يمكن للسعوديين أن يوقعوا على اتفاق تجاري وان يفتحوا مكتبا تجاريا في اسرائيل، وان يطلبوا من اسرائيل أن تخفف من ضائقة السكن والتشغيل للفلسطينيين من خلال اصدار تصاريح بناء قانونية للفلسطينيين في المنطقة ج.

مفهوم أنه اذا خرج الفلسطينيون رابحين، فانه يتعين عليهم هم ايضا ان يعطوا شيئا بالمقابل. في مثل هذه الحالة يمكن للسلطة الفلسطينية أن توقف نظام دفع اموال الدعم لابناء عائلات من كانوا مشاركين في اعمال عنف ضد الاسرائيليين، والذي يزيد ثلاثة اضعاف عن الدفعات التي يتلقاها باقي الفلسطينيين. بهذه الطريقة يكون دور الولايات المتحدة كوسيط ليس فقط ان تبني زخما في مسيرة تطبيع العلاقات بل وايضا ان تستغلها كي تكسر الجمود بين الاسرائيليين والفلسطينيين.

قد لا تكون هذه هي اللحظة لمبادرات كبرى خارقة للطريق ولكن هذه بالتأكيد اللحظة لبناء خطوات عملية على الارض، يكون بوسعها اعادة بناء احساس الجدوى.

*المبعوث الأميركي الأسبق لعملية السلام في الشرق الأوسط