ذات حب

ذات حب ، رُحتُ أحاول أن أفرغ ما في هذا القلب بين دفتي أرجيلة ، وصحنٍ من الكباب قد دعوتها عليهم ، أفرد لها ما في بريق هاتين العينين

ذات حب
ذات حب

ذات حب ، رُحتُ أحاول أن أفرغ ما في هذا القلب بين دفتي أرجيلة ، وصحنٍ من الكباب قد دعوتها عليهم ، أفرد لها ما في بريق هاتين العينين من مفردات الشغف والغزل ، واسترهما بالكثير من سخف الكلام عبر هاتين الشفتين ، تحدثنا بكل ما يمكن الحديث به ، حديث لا يُشبع جوع هذا القلب ، رغم كل ما أكلناه من أطياب الطعام ، فاللقمة المُشبعةُ  لم تكن فوق المائدة التي تفصل بيني وبينها.

لعل الأرجيلة كانت حلا لتسد النفس عن هذا الجوع ، لكنها لم تكن ذات فائدة تُذكر ، ولم تسعفني عن إشتهاء لقمة الكرز فوق شفتيها ، لكن المكان كان يضج بالكثير من أدعياء الأخلاق ، الكثير من عدسات العيون ترقبنا ، وكانت هي كذلك حلم بعيد المنال ، بيني وبينها اختبارات الأنوثة ، وعوائق العادات والحرام  .

جلسنا هكذا بالساعات ، من عشاء لأرجيلة لعصائر ، تارة أسمع ما تقول وأعيه ، تارة أضيع في غياهب عينيها وأتيه ، وتارة يحمر وجهي ، يتصبب عرقاً من مشهد السحر فوق الشفاه ، أختنق بلساني عندما تحط عيني على فوهتي البركانين الجاثمين أسفل نحرها ، كأني مسجى في حفرة العذاب تلك بين الوداج والوداج ، تهطلني الأمطار ،  حتى يأتي ضابط ليهز القفص فوقي ، لمنعي من النوم كما عودتنا هوليوود في أفلامها عن فيتنام ، هذا العذاب أخف وطأة من انحدار نظري للاسفل قليلا ، كأني في حصة رياضيات ، أعد ثنايا كسرات البنطال مثلثية الشكل ، على اليمين أثنتين ، على اليسار ثلاثة ، كأن الأمر عطش سنين ، وكأن الضابط يدلق أمامي كأسا من الماء ، حتى باتت لقمة الكرز فوق الشفاه ، تفصيل سخيف مما أشعر به ، ولكن ؛ لا حول ولا قوة لي الا ادعاء القوة ، التي تنكشف هشاشتها عند كل ( أي ) تصدر مني ، لما تحرق السيجارة طرفي اصبعيِّ حين تعلق بين شفتي ، وتلتصق بهما بسبب الجفاف ، فتروح بالضحك دون أي تعقيب الا بكلمتي :
سلامة أصابعك؟؟!!
كان في لكنتها وضحكتها نوع من الدهاء ، كأنما تعرف ما يحترق في داخلي ، تعرف كل خاطر قد خطر في خاطري !!! 

تعرف بالتأكيد ، فحين تتحدث عن الورود ، تطلب رأيي ، أرد عليها بأن سيارة الفيراري تنطلق لسرعة المئه خلال ثانيتين ، ولست أدري إن كانت تفعل سيارة الفراري ذلك ، لكن كل ما اعرفه بأننا قبل نصف ساعة من الآن ، كنا نتحدث عن السيارات السريعة التي لا نعرف حتى ملمس مقودها كيف يكون ، لكن هو حديث نغلف فيه الكثير مما لا يُقال ، كأن الأمر خاضع لقانون الجرائم الالكترونية ، حينما يخرج وزير بتصريح سخيف ، فلا تستطيع تطعيمه بلقاح يليق به ، خشية أن تجد نفسك بتهمة تقويض نظام الحكم ، ولست أدري ما العلاقة الآن بين السياسة والحب ، أو ربما العلاقة أن الحب والسياسة في بلادي من المحرمات .

ليس مهما ما أفكر فيه ، لكن المهم أن نتفق على لقائنا القادم ، فرغم كل ما أعانيه ، يبقى حضورها طاغيا على كل أفكاري تلك ، المهم أن اراها ، أن أنتظر الأيام بفارغ الصبر ، كأني أريد لعقارب الساعة أن تُعجل في جريها حتى الأسبوع القادم في لمحة بصر ، لأجد نفسي بذات المكان لم أبارحه ، بين يديها ، تائه في عينيها ، في عالم آخر يخلو من كل هذا الجنون والتعقيد .
حان موعد الرحيل ، كأنه رحيل للقبور التي أتينا منها ، حان موعد الحساب ، حساب طغت فيه سيئات الأسعار على فضائل نفوسنا ، لأعرف حينها أني في الجحيم ، ينسلخ مني اللحم عن العظم ، كأن طعم الكباب تحول لطعم الضريع ، فغابت الجنان التي كنت أحلم بها ، بلهيب الدرك وسعير ، حتى نظرت إليها بدمعة مختنقة في المقل ، خيبة تعتصر القلب والروح ، ثم أمسكت بيدها ، أودعها الى لقاء ليس بقريب ، حتى أستطيع جبر ما تم كسره لأشهر قادمة ، وأجمع ما أستطيع جمعه لجنة قادمه ، أو نتحول لمتشردين ، نلتحف أرصفة الطرقات ، ودفء انفاسنا .

بقلم مصطفى معايطة