الرصاصة..ورسالة الغضب الفلسطينية

شعرت بالزهو والكبرياء والفخر بشعبنا الفلسطيني وأنا أتابع وقائع تشييع جنازة الشهيدة شيرين أبوعاقلة.

الرصاصة..ورسالة الغضب الفلسطينية

سعرت بالزهو والكبرياء والفخر بشعبنا الفلسطيني وأنا أتابع وقائع تشييع جنازة الشهيدة شيرين أبوعاقلة.

تدافع ألوف الفلسطينيين حول نعش الشهيدة، ورُفع العلم الفلسطيني وحده، فلا أعلام فصائل، والهتافات تعبّر عن روح الشعب الفلسطيني، وتتجاوز شعارات الفصائل التي ذاب حضورها في طوفان الشعب الفلسطيني الذي جعل من نعش شيرين أبوعاقلة نقطة التقاء لخطاب وطني شامل لشعب ملّ من الانقسام، والهتافات المزاودة المتباينة المتعادية..وقلت في نفسي: وقائع هذه الجنازة تُبشّر بتغيّر ينتظره شعبنا.

رأيت في دفاع شباب فلسطين عن النعش، والتصدي لعدوانية قوات الاحتلال المتوحشة المنحطّة، على مقربة من الكنيسة معركة وطنية تجلّت فيها روح شعب فلسطين، وتراثه الثوري الذي تجاوز دائما كل محاولات التفرقة، وزرع الفتنة، وكل مكائد الإنقليز إبّان الانتداب الذي استمر حتى نكبة ال48التي أدارها منذ بدأ انتدابه على فلسطين، وهو انتداب كان غطاءً لتنفيذ وعد بلفور، وزرع الكيان الصهيوني، وبإشراف المندوب السامي هربرت صموئيل اليهودي الصهيوني البريطاني الذي على مدى خمسة أعوام، هي فترة حكمه وتحكمه في كل جوانب الحياة الفلسطينية، التي أتلف فيها الزراعة، ودمّر الاقتصاد، ونكّل بالفلسطينيين...

من انتبه لوقائع الجنازة على امتداد ثلاثة أيام لا بد أن يستبشر للتغيير القادم الذي سيتجاوز الانقسام، ويمضي لروح متجددة هي روح الوحدة الوطنية، روح رفض انتظار عدل أميركا، وتجاوز أوسلو وسلطات الوهم ...

أدان الفلسطينيون القاتل، وهو جيش الاحتلال منعدم الأخلاق، وكيان الاحتلال وقياداته، ولم ينتظر أي تحقيق من أي طرف، لأن الجريمة واضحة، والمجرم يمارس جرائمه على مرأى ومسمع العالم كله.

-2-

استرضاء أميركا..وطلب ودّها

سلّمت السلطة الفلسطينية الرصاصة التي قتلت الشهيدة شيرين أبوعاقلة للجهات الأمريكية لفحصها، وتحديد موقفها من الجريمة.

السلطة الفلسطينية تثق بأمريكا، بعدالتها، بنزاهتها، بعدم انحيازها، ولكون شيرين أبوعاقلة أمريكية الجنسية، فإن الجهات الأمريكية ستتخذ موقفا نزيها يدين الكيان الصهيوني بكلام واضح!!

من أين توصلت السلطة الفلسطينية للثقة بالإدارة الأمريكية، ما هي السوابق، ومتى..وهل مرّةً واحدة أدانت أمريكا ممارسات الكيان الصهيوني، وجيش الاحتلال؟ هل أدانت أمريكا جرائم الاحتلال الصهيوني التي اقترفها بحق الشعب الفلسطيني مرارا وتكرارا؟ وهل تختلف انحيازات الإدارة الجمهورية والإدارة الديمقراطية..واحدتهما عن الأخري، وهل يختلف رؤساء أميركا واحدهم عن الآخر انحيازا صهيونيا؟

هل تصرف السلطة ناجم عن رهان مبني على الأمل بأن تنصف واحدة من الإدارات الأمريكية شعب فلسطين ؟!

هل أرادت السلطة إحراج أميركا، لأن شيرين مواطنة أمريكية –فلسطينية؟

وهل هناك ما يشعر أمريكا بالحرج من مواقفها المنحازة للكيان الصهيوني،بل والمتماهية معه؟

التصرف ينّم عن تساذج، وثقة تُدلل على جهل، وعدم جديّة في التعامل مع أمريكا بإدارتيها المتنافستين على تقديم كل انواع الدعم للكيان الصهيوني.

الشعب العربي الفلسطيني يعرف ما هي أميركا، وبتجاربه الممتدة منذ بدأ الصراع، مرورا بالنكبة، والنكسة، وإصدار قرارات الأمم المتحدة، وهو يزداد معرفة بأن أمريكا وارثة بريطانيا المجرمة، وحتى يومنا هذا، وهي تسلّح الكيان الصهيوني، وتموله، وتحميه ديبلوماسيا، وتذود عنه في كل المحافل الدولية، ومرّات كثيرة تقف معه في التصويت وحيدة في وجه العالم..اللهم باستثناء ( ميكرونيزيا) التي هي دويلة في المحيط!!

شعبنا يعرف كل هذا، وأبسط مواطن فلسطيني مقتنع بأن سياسة الاستيطان تدعمها أميركا، ومن قرأ كتاب وسطاء الخداع للدكتور رشيد الخالدي يزداد يقينا بأن أمريكا أكثر تشددا من الكيان الصهيوني في الدفاع عنه، وفي قلب الحقائق، وفي تزييف وتمييع القرارات الدولية...

هل منحتكم أمريكا ثقتها بعد إرسال الرصاصة القاتلة، وأثنت على ثقتكم بها، وعبّرت عن شكرها لكم على هذه الثقة باتخاذ موقف صادق ولو لمرّة واحدة عبر إدانتها لجريمة جيش الاحتلال ؟!بصراحة أنتم تسيئون لشعبنا وتتسببون له بأبعد من الحرج..أنتم تُخسّرونه..وهو يزداد فقدانا للثقة بكم.

 في رسالتها قالت وزارة الخارجية الأمريكية لكم بأنها تُرجّح القتل غير العمد، وقال نيد برايس المتحدث بلسان الخارجية الأمريكية في بيان نشرته جريدة( الأيام) بتاريخ 5/7: بعد تحليل جنائي مفصل للغاية ،لم يتمكن فاحصو الطرف الثالث المستقلون، كجزء من عملية يشرف عليها مايكل فينزل المنسق الأمني الأمريكي، من التوصل إلى نتيجة نهائية فيما يتعلّق بأصل الرصاصة التي قتلت شيرين أبوعاقلة.

بالنسبة لأمريكا: ( أسرائيل) بريئة من دم شيرين أبوعاقلة..والرصاصة مجهولة النسب!

وبالنسبة للإدارة الأمريكية: (إسرائيل) بريئة من دم الشعب الفلسطيني والقضيّة الفلسطينية..وشيرين أبوعاقلة!

ومع ذلك يوجد فلسطينيون ينطقون باسم شعب فلسطين..سيبقون يراهنون على كسب وّد أميركا، لأنهم كأشخاص..في مواقع هم غير جديرين بها، وهؤلاء لن يغضبوا على أمريكا مهما فعلت، لأنهم لا يريدون أن يغضبوها و..يخسروها..ويفقدوا مراكزهم ..ومكاسبهم التي هي أبعد ما تكون عن تطلعات شعب فلسطين الوطنية!

-3-

رسالة الغضب

وجهت أسرة الشهيدة شيرين أبوعاقلة للرئيس الأمريكي بايدن، عنوانها: 

نشعر بالحزن والسخط والخيانة

إدارتك تبنّت رواية ( إسرائيل) ..والصمت كان أفضل.

كتب عبد الرؤوف أرناؤوط في جريدة الأيام الفلسطينية بتاريخ 9/7الجاري: وجهت عائلة الصحافية شيرين أبوعاقلة رسالة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن تضمنت خمسة مطالب، بينها شطب البيان الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية الذي برّأ الجيش ( الإسرائيلي) من قتل شيرين خارج نطاق القانون، واللقاء مع العائلة خلال زيارته المقبلة الى المنطقة للاستماع مباشرة من العائلة بصفة شيرين مواطنة أمريكية. وقالت العائلة في رسالتها التي حصلت (الأيام) على نسخة منها: نحن عائلة شيرين أبوعاقلة نكتب للتعبير عن حزننا وسخطنا وإحساسنا بالخيانة إزاء رّد إدارتكم المرير على القتل خارج نطاق القانون لشقيقتنا وعمتنا على يد القوّات الإسرائيلية في 11[يّار2022 أثناء قيامهم بمهمة بمدينة جنين الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية .وأضافت الرسالة التي وقعها شقيق الشهيدة أنطون أبوعاقلة: كانت ىشيرين صحافية فلسطينية بارزة ومحبوبة، وكانت قدوة ومرشدة للصحافيات الفلسطينيات الطموحات، وزميلة موثوقة للعديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية. كانت أيضا مواطنة أمريكيةـ على الرغم من ارتدائها للخوذة الواقية وسترة زرقاء مضادة للرصاص عليها علامة (صحافة) قُتلت شيرين برصاصة إسرائيلية في رأسها...

هذا بعض ما جاء في رسالة عائلة شيرين أبوعاقلة، باتهام واضح لجيش( إسرائيل) بدون غمغمة، بدون نفاق، بدون مجاملة على دم شيرين..إنها رسالة فلسطينية تُعبّر عن غضب الشعب الفلسطيني كله.

إن رسالة عائلة شيرين أبوعاقلة الفلسطينية قد وضعت النقاط على الحروف، واتهمت ألإدارة الأمريكية، ولم تجامل على دم الشهيدة شيرين إبنة الشعب الفلسطيني التي شيعها شعب فلسطين بمهابة ..وبحشود جماهيرية لم يحظ بها سوى نفر قليل من أبناء الشعب العربي الفلسطيني.

وبعد: فإن الزحوف في جنازة شيرين قد وضعت علامة فارقة بين الرخاوة السياسية المنافقة المراهنة على إنصاف أمريكي، وجنوح للسلام من قبل القيادات الصهيونية المتلاحقة التي لم تبق للفلسطينيين أرضا لدولة..وبين المسار المقاوم الصلب لشعب فلسطين المُجرّب الذي لا يثق، ولم يثق يوما بالإدارة الأمريكية الصهيونية...

ولقد تعزز موقف شعبنا الواعي والخبير على مدى العقود بتآمر الإدارات الأمريكية بتصريحات بايدن الصهيوني في بيت لحم، الذي منح السلطة مبلغا ماليا تافها، وطلب منها عدم انتظار دولة في المدى المنظور و..محاربة الإرهاب، ولا عجب أن يكون هذا موقف من صرح مرارا: أنا صهيوني ولو لم أكن يهوديا...

لقد شعر شعبنا، في كل أماكن تواجده بالإهانة لتواجد الصهيوني بايدن في المدينة الفلسطينية المقدسة، مدينة السيّد المسيح الذي صُلب وتّوج بالشوك..والذي تعمل الإدارات الأمريكية المتلاحقة على صلب وتتويج شعبه بالشوك من أجل خاطر( اليهود)..وهذا ما يعرفه شعبنا، وهذا ما هتفت به زحوف شعبنا في جنازة شيرين: فلسطين عربية..فلسطين لنا..وستبقى لنا.