كم من دم كي تصير غزاوياً ؟
هل تحتمل أن تكون غزاويا ً ، أقصد : هل أنت جدير أن تصبح غزاويا ً ؟
كم من دم كي تصير غزاوياً ؟
هل تحتمل أن تكون غزاويا ً ، أقصد : هل أنت جدير أن تصبح غزاويا ً ؟
مثلاً :
أن تحاصٍر ، وأنت المحاصٓر من جهات الأرض والسماء الأربع فلا ماء إلا ما يتفجر بين يديك وأنت تقبض على الأرض كلها بيضاء من غير سوء ، ولا هواء ولا سماء ولا طعام ولا حمام إلا الغامض الحيّ فيك ، عدوك في قمرة دبابة أو طائرة أو أمام عدسة قنٌاصة تترصد غدك الماضي إلى غده بخبط نوارس ضجرت من رطنات العابرين ومن موج أتى بهم .
وكأنك ملح الأرض ، فلا طائل لهم أن يفسدوا بعبورهم الثقيل بمزايا رب جند العهد القديم ملح بحرك .
أن تكون غزاوياً ، أو تقطن غزة ، أو أن تأتيها بكامل أوصافها ، فأنت أشبه بالبحر الميت ، لن يقدروا على دفنك .
هل تحتمل أن تكون غزاويا ً ، أقصد : هل أنت جدير أن تصبح غزاويا ً ؟
مثلاً :
أن تسوق البلاغة كاملة كحوذي معاجم ضجر ٍ كي تفسٌر لأبنائك وأمهم معهم الفارق اللفظي بين بيانات الفصحاء من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو و قصاصات ورق رمتها عليك طائرات العدو المقنٌع بجسارة الحداثة كلها لتترك على عجل بيتك دون أن تتمهلك لانتقاء الملابس الداخلية النظيفة خشية أن يعثروا على جثتك - الشهيدة بما لا يليق بها ، واختلاس الصور العزيزة من ألبوم العائلة الشخصية وأوراق الطابو لبيتك القديم في فلسطين ، وأعضائك التي لا تخطئها الطائرات الذكية وأنت تلجأ بذاتك وذويك إلى مدارس الأونروا أو مشافيها أو فضاءٍ قليل لم تتمكن بعد أمم الأرض من جعلها معبراً آمناً لحلمك النحيل مثلك ، والأسمر كرغيف خبز فرن الطابون الذي لا يزال يذكر برائحة يدي أمك التي قضت بين حربين .
هل تحتمل أن تكون غزاويا ً ، أقصد : هل أنت جدير أن تصبح غزاويا ً ؟
مثلاً :
أن تتعجل صباحك لتلقي السلام على جارك قبل أن ترى اسمه في شريط أخبار الفضائيات أو تتعرف على جثته من خاتم في أصابعه المبتورة ، أو وشم على وجهه أهملته شظية في الحرب ما قبل الأخيرة . أو أن تُقسم أنك ستآخي بين أبنائه اليتامى وأبنائك الذين قد يصبحوا يتامى في حرب أخرى ، وتٓقسُم بينهم خبز عشاء أخير أعده قاتلك الفذ من ألف عام
لا يُمهلك الموت الذي يترصد يومك لتسرد على الرواة الضجرين تعاليم أمك ، أو ما ورثتٓ من وصايا ، فلا شأن لك بمقتنصي الأخبار ومؤولي سيرتك التي تتجول في غرف الموتى مثلك أعزل ترتطم بهم موتى .
هل تحتمل أن تكون غزاويا ً ، أقصد : هل أنت جدير أن تصبح غزاويا ً ؟
مثلاً :
أن يصبح دمك كله على رايات السلالة المصابة بهزائم ما قبل الحرب كلاماً فائضاً على بلاغة الفقهاء وفصاحة الزعماء وفكاهة الأوصياء ، ذاته دمك الذي دقّه قاتلك العصري وساماً جديداً لتتسع المسافة بين عروة بزّته العسكرية في غرفة العمليات وربطة عنقه الأنيقة في اجتماعاته الوزارية أو خطاباته في المحافل الدولية ، وذاته أيضاً المقسوم بين طاولات يتجاذبها أبناء العمومة والأشقاء والأخوة ليشربوا بدمك نخب انتصار محور أحدهم على الآخر .
كم من الدم كي تصير غزاوياً إذن ؟