إحترق البيدر- قصة قصيرة

قصة قصيرةللكاتب و الروائي الفلسطيني د. احمد الضاوي

إحترق البيدر- قصة قصيرة
إحترق البيدر- قصة قصيرة
احترق البيدر.

البيادر بجوار المقبرة. تصبح مهرجانا في موسم الحصاد . البنات يقششن لصنع الأطباق والصواني في الشتاء .يجلسن في منتصف العرمة بينما تدور حولهن الدواب التي تجر النوارج والواح الدراس . والأطفال يختبئون في أكوام القش يتحدون سفير السنابل الذي يلسع أجسادهم الغضة ويتسلل إلى أبعد الأماكن في أجسادهم فياخذون استراحة ثم يتوارون خلف الحلل لانتزاع ما التصق منها في سراويلهم .
الغريب أن الأطفال في هذا الموسم لا يخافون من المقبرة كما كانوا في الأيام العادية . هنالك صلح وسكينة بين الأحياء والأموات. ولعل الأموات سعداء بهذا المهرجان الذي قرب المسافات بينهم وبين الأحياء. فهؤلاء احفادهم أو ابناؤهم . وهذه المواسم هم من أسسوا لها وهم من تفاعلوا معها واورثوها للأبناء والاحفاد .
البيدر مصطلح اقتصادي للفلاحين في تلك الازمان . فالكسوة على البيدر والزواج على البيدر .وتسديد الديون على البيدر . كل المطالب والحاجات مؤجلة حتى البيدر .لذلك اكتسب البيدر قدسية خاصة واصبح مرادفا لتحقيق الرغبات والامنيات. والفرحة به تماثل فرحة الموظف الغلبان في هذه الأيام باستلام الراتب من الصراف الآلي. مع اختلاف في الطقوس والمراحل والمحطات . فمواسم الفقراء لا تأتي عبر الأمنيات. شهور من الكد ومراقبةالسماء ومناجاة الخالق . محطات تبدأ  من ايداع البذور في رحم الأرض وحتى هذا المهرجان الذي يعم المكان ويفرح به الأحياء والاموات.
عبدالله الرجا آخر من يحصد ويغمر . رجل كبير قليل الولد . رزق بهم في عمر متاخر . كل الناس لديهم بغال وخيول وبقر وعزوة الا عبدالله الرجا الذي يقيم كل طقوس موسمه على حمارين وزوجة عجوز . لم يبق في البيادر غير بيدر عبدالله . وايلول على الأبواب. والسماء لا تنتظر عبدالله ولاتؤخر موسمها. حمارتا عبدالله انهكهما الكد وزوجته النحيلة لا تملك من القوة ما يساعدها على تلبية حاجات زوجها وطفليها اللذين يتهافتون بثوبها ايمما ذهبت وحيثما تحركت.  لم يهجس عبدالله بشيء  غير ايلول وذيله المبلول. وما زال يحلم بالبيدر ويقسم الغلة بين مونة الشتاء.  وكسوة العيال.ولم ينس حمارتيه اللتين صبرتا على ضعفه وقلة حيلته. فقرر أن يحتفظ لهما بما يكفيهما من التبن حتى يحل الربيع وبعدها فهما قادرتان على تدبر أمر قوتهما.
احلام الفقراء لا تتحقق بسهولة .وربما لا تتحقق بالمطلق .هل هو الابتلاء ام هو سوء الطالع .
الهواء غربي والقرية شرق البيادر . نار شيطانية تلتهم بيدر عبدالله . وايلول لم يبادر بيذيله المبلول لإطفاء الحريق . قبل العشاء كانت القرية كلها تشاهد المقبرة التي اضاءتها نيران الحريق . كان عبدالله يشاهد موسمه يحترق وأحلامه تتبخر .
ظل عبدالله زمنا لا يكلم الناس .ويردد بصوت مسموع احترق البيدر. فتارة يبكي وتارة يقهقه. حتى انهار وفارق الحياة قبل البيدر التالي.
د. احمد عرفات الضاوي.