الإنبعاث الجديد
نصف عام على حرب الإبادة الاسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني ولا يعرف حتى الآن ما هو مصيرها وإلى متى؟
نصف عام على حرب الإبادة الاسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني ولا يعرف حتى الآن ما هو مصيرها وإلى متى؟ تتراوح الآراء ووجهات النظر حول الطريق الأمثل لتجاوز هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية بأمان .. وعلى كل الأحوال فإننا على أعتاب مرحلة ما بعد نهاية هذه الحرب تتطلب التغيير في نمط الحياة النضالية الفلسطينية، التغيير الذي قد يمانعه "البعض"، ولكن الظروف ستقودنا إليه لا محال، إنه الإنبعاث الجديد كما أسميه.
أحد أهم عناصر الإنبعاث الجديد هو البحث عن طرق جديدة لتحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني، بما يتناسب مع التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة. يجب على القيادة الفلسطينية والمؤسسات الوطنية أن تكون مبدعة ومبتكرة في تصميم استراتيجيات جديدة للنضال، تعتمد على الضغط الدولي والتحركات السلمية والمقاومة الشعبية المستمرة، بجانب تعزيز الوحدة الوطنية والتضامن الداخلي.
إن كل شكل من أشكال المقاومة له دوره ومكانه وزمانه، ومن الغباء السياسي أن يتشبّث "البعض" بخيار وحيد وأوحد للمقاومة والنضال في وجه الاحتلال، كما أن الاختلاف حول النهج النضالي المتبّع، لا يعني الخلاف عليه، وإنّما على ربطه بأجندات خارجية هنا وهناك، و تأثيره على القرار الوطني المستقل الذي قدّمت الثورة الفلسطينية آلاف الشهداء على مرّ العقود الماضية من أجله.
كان المفكّر الراحل خالد الحسن (أبو السعيد) يقول: "في لقاح الأفكار تولد الأفكار الجديدة"، ولعلّ هذا ما ينطبق على حالة الانبعاث الجديد التي نحتاجها فلسطينياً، والتي تستوجب نقاشاً وطنياً مسؤولاً تُقدّم فيه كافة الفصائل الفلسطينية من يمينها إلى يسارها أوراقها وأفكارها ومرئياتها - فوق الطاولة وليس أسفلها - لإيجاد صيغة توافقية، يتم تطويرها وصولاً إلى تبنّي منهج وبرنامج نضالي وطني توافقي شامل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وصاحبة القرار الأول والأخير في السلم والحرب.
على صعيد المجتمع المدني، يجب أن يلعب الشباب دوراً أكبر في النضال من أجل الحرية والعدالة، ويستفيدون من الأدوات الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا لتعزيز قضيتهم وجذب الرأي العام الدولي. ومن الضروري أيضاً التركيز على بناء القدرات وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني المتضرر جراء الحرب، من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتعزيز التعليم والتدريب المهني والبحث عن مخارج لتوفير مصادر دخل وطنية جديدة وإنشاء شبكة أمان مالية عربية ودولية في ضوء الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بفعل القرصنة الاحتلالية لأموال الشعب الفلسطيني.
ولا يمكن تحقيق الإنبعاث الجديد دون مواصلة الجهود الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية من أجل إيجاد حل سياسي عادل وشامل يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة، صاحبة الهوية الحاسمة التي لا اجتهاد فيها، وكما قالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس " لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة وغزة كالقدس والضفة الغربية جزء أساس ولا يتجزأ من دولة فلسطين" .
ختاماً، إن الإنبعاث الجديد ليس مجرد تغيير في النهج النضالي، بل هو تحول شامل يستند إلى رؤية واضحة لتحقيق الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني .. إنه الوقت المناسب للتحرك بجدية وتصميم نحو بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة في فلسطين.
فادي ابو بكر
كاتب وباحث فلسطيني