معبر رفح.. مفتوح أمام من يدفع فقط
منذ شن الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة الذي يقترب من شهره السابع، أُغلق معبر رفح الذي يربط القطاع بجمهورية مصر العربية، والذي يعتبر المنفذ الوحيد للمواطنين بعيدًا عن سيطرة الاحتلال.
منذ شن الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة الذي يقترب من شهره السابع، أُغلق معبر رفح الذي يربط القطاع بجمهورية مصر العربية، والذي يعتبر المنفذ الوحيد للمواطنين بعيدًا عن سيطرة الاحتلال.
حينها أُغلقت جميع المعابر بوجه من لديهم حاجة للسفر من الطلاب أو المقيمين في الخارج، أو أصحاب الأعمال الذين كانوا في زيارة لغزة، ولم يعد بإمكانهم المغادرة إلّا بدفع مبالغ طائلة كي تدرج أسمائهم في "كشف التنسيقات".
مبالغ طائلة
راج خلال الحرب إعلان شركة "هلا" المصرية عن إتاحتها المجال التسجيل للسفر لمن يود مغادرة قطاع غزة مقابل مبالغ مالية تتجاوز الخمسة آلاف دولار للشخص الواحد.
وأتت هذه الخطوة بعد إغلاق السلطات المصرية معبر رفح في الأيام الأولى للحرب بعد تهديد الاحتلال بقصفه، ولم يعد مسموحًا السفر سوى لبعض الحالات المرضية وأصحاب التنسيقات.
تحدثت وكالة "صفا" إلى عدد من الفلسطينيين الذين دفعوا مبالغ بدأت من5 آلاف دولار (20 ألف شيكل) ووصلت في بعض الحالات إلى 12 ألف دولار (50 ألف شيكل) للشخص الواحد، منهم من سافر وآخرين ما زالوا في انتظار إدراج أسمائهم للسفر حتى إجراء المقابلات معهم.
يشار إلى أنّ التنسيقات الخاصة ليست وليدة الحرب، بل روّجت لها بعض وكالات السفر والسماسرة المقيمين في غزة ومصر منذ عام 2019.
ومن أشهر الشركات المصرية في هذا المجال هي شركة "هلا للسياحة" والتي قامت بالترويج لخدماتها في التنسيق في عام 2019، لكن بأسعار أقل بكثير مما هي عليه الآن، إذ كانت تتراوح بين 300 دولار (ألف شيكل) إلى 600 دولار (ألفين شيكل) للشخص الواحد مقابل للسفر إلى مصر في رحلة خالية من المتاعب والتفتيش المتكرر والحواجز العسكرية المنتشرة في الطريق بين معبر رفح ومدينة القاهرة.
واستمعت وكالة "صفا" لشهادات سبعة فلسطينيين جمعتهم الرغبة بالخروج من القطاع إما لإنقاذ حياتهم أو الالتحاق بأعمالهم أو الاجتماع بذويهم خارج القطاع.
فجميعهم دفعوا مبالغ مالية لإدراج أسمائهم في كشوفات التنسيقات، منهم من دفع أكثر من 12 ألف دولار أمريكي (50 ألف شيكل)، للخروج في أقل من 24 ساعة وفقًا لنظام أطلق عليه اسم (VIP) يشمل ضيافة خلال رحلة السفر من معبر رفح لوسط القاهرة، مما يعني أنّ حق السفر المكفول لكل مواطن لا يستطيع ممارسته إلا من يملك الكثير من المال.
لينا نازحة من شمال قطاع غزة إلى مخيم دير البلح وسط القطاع، وفي يوم نزوحها الثالث دمّر الاحتلال المنزل الذي لجأت إليه، واستشهد العديد من عائلتها، وأصيبت بكسور في مختلف أنحاء جسدها وتحتاج لعمليات جراحية متعددة كي تسترد عافيتها.
أدرج اسم لينا على لوائح السفر الخاصة بوزارة الصحة لاستكمال علاجها، لكنها وحتى تاريخ إعداد التقرير لم تستطع الخروج من القطاع.
تقول لينا لوكالة "صفا": "لا يوجد خيار أمامي لأنقذ نفسي وأستكمل علاجي سوى دفع مبلغ كبير لأن حالتي الصحية تزداد سوءًا وانتظار التحويلة الطبية أمر مميت".
ويسعى محمد زوج لينا منذ إصابتها إلى توفير مبلغ سفرها برفقة والدتها وابنته الوحيدة، والذي يصل إلى 20 ألف دولار أمريكي، محاولًا طلب العون من أهله في الخارج لمساعدتهم على المغادرة.
وكانت مصادر في هيئة المعابر والحدود في غزة قالت إنه وبسبب تزايد عدد المسافرين في كشف التنسيقات، تم تقليص عدد المصابين الذين يتم الموافقة على سفرهم، وذلك لدفعهم للخروج عن طريق التنسيقات.
قوائم الخارجية المصرية
معدة التقرير التقت خلود التي اضطرتها ضراوة القصف في منطقة النصر غربي مدينة غزة إلى النزوح قسرًا لرفح.
وبعد أشهر من معاناة الحرب، لجأت خلود إلى تنسيقات ما تعرف بـ"قوائم وزارة الخارجية المصرية" كونها أسرع في الخروج من غزة حسب قولها.
وقالت خلود إنها دفعت نحو 10 آلاف دولار(35 ألف شيكل)، ثمن تنسيق عبور لها يشمل أطفالها الثلاثة دون 16 عاما، ليستغرق سفرها 72 ساعة فقط.
أما زوجها الذي نسق للسفر عن طريق شركة "هلا"، اضطر لدفع 6500 دولار (25 ألف شيكل)، من أجل اللحاق بعائلته التي سبقته بأشهر لجمهورية مصر. تضيف خلود
الدفع للمجهول
أما حنان - وهي إحدى الراغبات في السفر وتعمل مع شركة أجنبية- تقول إنها أجبرت على الخروج من القطاع لإنقاذ عملها والحيلولة دون خسارته بعد أشهر من انقطاعها عنه بسبب العدوان المجرم.
وتضيف: "اضطررت لسحب المبلغ المطلوب للتنسيق من حسابي البنكي مع دفع فائدة، بسبب عدم وجود سيولة في القطاع وصلت لـ 15%، بعدها وكلت محاميًا في مصر للتنسيق مع شركة "هلا".
وذكرت حنان أنّها عثرت على رقم المحامي عن طريق مجموعة على فيسبوك، مضيفةً " تم دفع نصف المبلغ إلى وسيط مقدمًا، على أن يستكمل النصف الآخر بعد مغادرة القطاع".
ولفتت حنان إلى أنّها دفعت "رشاوي" للوكيل العامل في شركة "هلا" بنحو 600 دولار أمريكي(2500 شيكل) لتسريع خروجها وتقديم اسمها في الكشوفات، لكن حتى كتابة التقرير كان مضى 27 يومًا على دفعها للمبلغ ولم يظهر اسمها في كشوفات المسافرين.
وكان مدير الإعلام في معبر رفح وائل أبو محسن صرّح أنه منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر الماضي أصبحت "التنسيقات المصرية" هي السبيل الوحيد للخروج، لافتًا إلى أن أكثر من 200 فلسطيني ومصري يعبرون رفح بكشف يومي، مما يعني أن الشركة تحقق مليون دولار يوميا، وفق تحقيق أجرته سكاي نيوز في يناير الماضي.
بدوره، نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان في بيان له، "التحصيل الرسمي لأية رسوم إضافية على القادمين من غزة، وكذلك ادعاءات تقاضي أي جهة غير رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية".
في المقابل ترصد التقارير مبالغ تصل لملايين الدولارات تدفع لشركات وجهات مصرية بعضها رسمية، وهو ما يثبت وجود احتيال واضح على الفلسطينيين.
وكفلت المواثيق الدولية حرية التنقل والسفر دون قيود وشروط، إذ ينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على إرساء هذا الحق في المادة 12 والتي تؤكد على حق كل فرد في حرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته وكذلك حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.
وتأكيدًا للمواثيق الدولية، نصت المادة 11 من القانون الأساسي الفلسطيني على أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس.
وتتطلب المعطيات السابقة وشبهات الاحتيال والابتزاز بحق المسافرين من جميع الجهات الرسمية الفلسطينية والمصرية إلى إيقاف التجاوزات التي تحول دون سفر المواطنين إلا بدفع رشاوى باهظة.
المصدر: وكالة صفا