غزة... ببن طوفان الأقصى واليوم التالي
عشرة شهور والضغط ما زال مستمراً، ليس على حركة حماس، ولا على غزة أو الضفة، ولا حتى على محور المقاومة ودول الاقليم، ولكن على العالم المتحضر بأكمله.
طوفان الأقصى وضع خطوطاً عريضة لإعادة تشكيل العالم، خطوطاً بات عصياً تجاوزها على بني انكلوساكسون والأذناب خلفهم...
عشرة شهور والضغط ما زال مستمراً، ليس على حركة حماس، ولا على غزة أو الضفة، ولا حتى على محور المقاومة ودول الاقليم، ولكن على العالم المتحضر بأكمله، فالهمج الانكلوساكسون لم يفهموا بعد أن عصر القرصنة قد ولّى، وان مفاصل طرق التجارة العالمية لن تبقى بأيديهم.
ثمة من نعى خط التجارة الهندي الذي قدر له بايدن أن يمر بفلسطين، وثمة من نعى بايدن نفسه وها هو بايدن الآن خارج الحلقة الانتخابية في بلاده. والحق يقال، أن هذا الرجل قد قامر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، ولم يفهم المعادلات الجديدة، وظن أن طوفان الأقصى هو هبة ريح يمكن تجاوزها والحفاظ على مواقع القرصنة الغربية في الشرق الأوسط.
لقد زال الميناء العائم الذي قدر له بايدن أن يكون موطيء قدم لاحتلال أمريكي مقنع لقطاع غزة. ولم يقبل أحد بمشاركة بايدن في إدارة معبر رفح مع كل مساحيق التجميل التي وضعت للتغطية على احتلال المعبر. وبايدن لم يحصل من غزة ولو على قطرة من ماء يحفظ بها وجهه، فغزة قد غادرت إلى الأبد لغة التنازلات، وغزة لا تهاب إرهاب السلاح الأمريكي، ولا إرهاب عشرات ألوف المرتزقة من تركيا وغيرها...
وحرم عليهم عبور البحر الأحمر، وايلات باتت سراباً لا ميناء... والأمريكي يستجدي هدنة مع المقاومة في العراق.
وغزة لم تعد غزة، فحدودها تمتد الآن من لبنان إلى العراق فاليمن، وصوتها ينطلق من حناجر الطلاب في عقر دار الانكلوساكسون... لقد خسر بايدن الرهان كله، مائة بالمائة، واستحق بذلك وسام الجدارة بالفشل، وقد نال ذلك الوسام بالفعل.
لم أكتب هنا لسرد هذا الوصف، فمقالتي السابقة مازالت تغطي كل ذلك رغم مرور الشهور، ولكن لأمر مستجد لا يقل خطورة عن الحرب وضراوتها، فما لم يؤخذ بالحرب لا يجب أن يؤخذ بغيرها...
مع شكرنا ومحبتنا للصين وروسيا وغيرهم من الطامحين لوحدة وطنية فلسطينية...
فصائل تجتمع في الصين، ظناً أنهم يتفقون، وشخصيات تجتمع في بيروت وغير بيروت، ظناً أنهم يؤلفون مؤتمراً وطنياً فلسطينياً لإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية... وكأن المنظمة كانت هي القضية، وتشكيل حكومة هو الهدف، وليس الاحتلال وما ينتج عنه... يضعون العربة أمام الحصان.
ثمة من يتجاهل ان فصائلنا المقاتلة لم تختر أن تفترق، وإنما أُرغمت على ذلك، وان منظمتنا لم تختر الإنحراف بل أُرغمت عليه، وثمة من يتوهم أن اجتماعاً حول طاولة يمكن أن يعيد الوحدة واللحمة مع أن قوة الإرغام مازالت قائمة... حلوم اطفال وعقول ربات حجال...
غبي من يعتقد أن فلسطينياً لا يريد تحرير ارضه والعودة اليها والتمتع بخيراتها والعيش فيها بسلام واطمئنان، ولكن من يده بالماء ليس كمن يده بالنار... نحن تحت حصارات كثيرة، وضغوطات من كل جهة، لسنا احراراً لنختار أو نفعل ما نريد، وهذا هو الجوهر في طوفان الأقصى... ان تكون، أو لا تكون...
نحن لا نملك رفاهية اختيار شكل المنظمة ومضمونها، وغيرها من المؤسسات... لا نملك تمويلها، ولا سلطة لنا على أماكن وجودها، لا يوحدنا إطار سياسي ولا جغرافي، ليس لدينا حرية السفر والتنقل والتواصل والعمل والإبداع والإنتاج، نحن لاجئون في شتات، يمنعون عنا الموت ولا يمنحونا الحياة... وثمة من يضيع وقته بنقاش شكل المنظمة ومضمونها، أو تشكيل حكومة تنفذ رغبات الغير، دون أن ينظر إلى جيوبه الفارغة...
ومع ذلك، فلدينا مقاومة، باسلة، بطلة، مبدعة، صامدة، شجاعة... منتصرة على جبروت الطغيان، وراسمة لخطوط مستقبل السياسة العالمية. هذا استثمارنا الوحيد لا شريك له، فإما الفوز أو البقاء تحت نير الاستعباد...
نحن شعب رغم شتاته موحد، رايتنا تحرير الوطن، وشعارنا لا خضوع ولا خنوع، موتنا زراعة حياة، وحياتنا كفاح وجهاد، رؤوسنا شامخة في السماء، لا ذلة ولا مهانة، صمودنا صمود الجبال، وصبرنا صبر الجمال.
لا تغرينا وعود، بسلطة شكلية، أو حكومة مفرغة، أو مال ونفوذ، على أن نترك حقنا بأرضنا وما عليها... حقنا ان نكون، اسياداً حاكمين، لا عبيداً محكومين.
يا سادة الطاولات، دعونا من حلومكم، واحشدوا طاقاتكم في خدمة المقاومة، فاليوم التالي بعد الحرب لن يكون إلا مقاومة حتى النصر.
أما الطامحين إلى كراسي المذلة، هي لكم، ونحن لا نريدها، فاجلسوا عليها صاغرين أذلاء إلى يوم الدين.